القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: أطلق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو علنا يد قوات أمنه صوب النشطاء الفلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفك معها "الرسن" عن مستوطنيه ليزيدوا من تحريضهم بحرية مطلقة، مثبتا بذلك سياسة الكيل بمكيالين ونظام الإرهاب الذي تتبناه "إسرائيل" صاحبة الكذبة الكبرى بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
فمنذ العام الماضي بدأت سلطات الاحتلال بملاحقة النشطاء الفلسطينيين في القدس بسبب منشورات لهم على فيسبوك، لكن هذه الإجراءات ظلت محصورة في أعداد معينة، قبل أن يعلن الاحتلال مؤخرا عن تشكيل وحدة خاصة لمراقبة حسابات الفلسطينيين على فيسبوك، ثم يخرج نتنياهو ليقول إن المعركة ستبدأ من مواقع التواصل الاجتماعي.
ديمقراطية مزيفة
واحد من أوائل من تمت معاقبتهم بسبب نشاطاتهم على فيسبوك، كان أمين سر حركة فتح السابق عمر شلبي، الذي تم اعتقاله أواخر العام الماضي والتحقيق معه حول منشورات وصور له على حسابه الشخصي، وبناء عليها تم توجيه تهمتين له، هما، التحريض على العنف، ودعم تنظيم إرهابي.
ويقول عمر الشلبي لـ قُدس الإخبارية، إن الاحتلال حقق معه لمدة 14 ساعة متواصلة على خلفية منشورات له عبر فيسبوك كان قد نشرها بعد استشهاد الفتى محمد أبو خضير حرقا على يد مستوطنين، ودعا فيها للتوجه إلى المسجد الاقصى وصد اقتحامات المستوطنين، ومنشورات أخرى حول الجرائم في قطاع غزة وضحايا العدوان الأخير.
ويضيف، أن الضابط أبلغه بأن حسابه الشخصي كان مراقبا طوال هذه الفترة، واستعرض خلال التحقيق (صورة غلاف) لحسابه الشخصي يؤكد فيها على الصمود في وجه الاحتلال، وصورة أخرى تعرض خلالها عمر للضرب الذي تسبب بكسر فكه، وهو ما اعتبر الضابط نشره تحريضا وعنفا.
ويبين عمر، بأنه رفض كل التهم الموجهة إليه مؤكدا على حقه في مقاومة الاحتلال والتصدي لجرائم عصابات المستوطنين، مشيرا إلى أن الاحتلال حاكمه بسبب انتمائه لحركة فتح، على الرغم من أنه يعرف جيدا أنه يشغل منصب أمين سر الحركة في القدس، وقد تعامل معه بشكل مستمر على هذه الأساس، لكنه سعى لمعاقبته بسبب عجزه عن السيطرة على الوضع في القدس المحتلة.
[caption id="attachment_75955" align="aligncenter" width="600"] صورة الغلاف التي ساءل المحقق عنها عمر[/caption]ووفقا لرئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبوعصب، فقد وصل عدد الشبان الذين تمت محاكمتهم على خلفية مشاركات لهم عبر فيسبوك 13 شابا، حكم على بعضهم بالسجن لفترات تتراوح بين 9 أشهر كما حدث مع عمر الشلبي و17 شهرا كما حدث مع الشاب عدي بيومي، فيما يتواصل اعتقال آخرين على خلفية التهمة ذاتها دون أن يصدر بحقهم أحكاما حتى الان.
تحريض مسموح
في الوقت الذي اتهم فيه عمر بالعنصرية بسبب نشره صورة لاعتداء الشرطة عليه، ودعوته إلى النفير للمسجد الاقصى، كانت الشرطة ذاتها تغض الطرف عن دعوات موسعة لاقتحامات جماعية إلى المسجد الاقصى، بل توفر الحماية لهذه الاقتحامات، قبل أن تتطور دعوات المستوطنين إلى الذبح والحرق بالنار والرمي في البحر، ولم تحرك الشرطة ساكنا.
ويقول أبو عصب لـ قُدس الإخبارية، إن المستوطنين وفي أوج المواجهات التي شهدتها القدس بعد إحراق أبو خضير العام الماضي، كثفوا من دعوات ارتكاب جرائم مماثلة وبأساليب أخرى أيضا، وقد كانت نتيجة ذلك وبعد ساعات فقط إعدام الشهيد يوسف الرموني خنقا.
ولم تتراجع هذه الدعوات في الأشهر الماضية لكنها عادت لتشتد في الأسابيع الأخيرة، ففي أواخر أيلول الماضي أفرجت سلطات الاحتلال عن الشاب عبيدة عطون (20 عاما) من بلدة صور باهر في القدس، ليجد بعد ساعات فقط صورة له على صفحة إسرائيلية تدعى "حدشوت 24/7"، وقد أرفقت بتنويه بأنه ينوي تنفيذ عملية في ساحة البراق، لتنهال التعليقات على المنشور داعية لقتله والقبض عليه.
ويشير أبو عصب، إلى أن صورة عطون المتداولة حينها كانت قد التقطت له خلال اعتقاله، ما يعني أن تسريبها للمستوطنين تم من خلال أشخاص عسكريين، مضيفا، أن عبيدة توجه لشرطة الاحتلال بشكوى محملا إياها مسؤولية أي ضرر يحدث له.
وإن كان عطون قد نجا – ربما مؤقتا – من تبعات تحريض هذه الصفحة، فإن الشاب محمد غيث (19 عاما) من حي الثوري دفع الثمن غاليا لتحريض مشابه، حيث نشر المستوطنون صورة له زاعمين أنه ينوي تنفيذ عملية عند باب الكنيست في القدس، لتعتقله قوات الاحتلال من منزله وتنكل به، ثم تفرج عنه بعد أن ثبت أن الأمر مجرد تحريض - ربما كان بالتنسيق مع الشرطة-.
ولم تسلم شابات القدس من التحريض أيضا كما لم يسلمن القتل والاعتقال سابقا، فخلال الأسبوع الماضي أطلق مستوطن النار على الشابة شروق دويات في البلدة القديمة وتسبب بإصابتها، لتخرج الصحافية بيان الجعبة إلى موقع الاعتداء بهدف التصوير، ويتم الاعتداء عليها وتمزيق جلبابها.
وتقول بيان لـ قُدس الإخبارية، إنها علمت بعد ساعات من الاعتداء بأن مستوطنا أضاف صورتها الشخصية بعد الاعتداء عليها في مجموعة تضم 22 ألف مستوطن، مدعيا أنها هي من نفذت العملية المزعومة التي اتهمت شروق بتنفيذها.
وتضيف، أن نحو 100 مستوطن علقوا على هذه المنشور داعين لقتلها والانتقام منها، ما دفعها لتوكيل محام ببرفع دعوى بعد إبلاغ الشرطة بما حدث، حيث سيطلب غدا الاحد عقد أول جلسة في هذه القضية، مبينة، أن المحامي أبلغها بأن هذه الجلسة يفترض أن تشهد أخذ إفادتها وإصدار إذن بالبحث عن المستوطن، وتقول، "لكن الأمر سيطول والقضية لن تحسم بسرعة على أي حال".
سيطول الأمر نعم ولن تحسم القضية بسرعة كما قالت بيان، بل إن الأدهى من ذلك والأمر أن الحكم فيها قد لا يصدر لصالح بيان، كما حدث في قضية عمر الشلبي الذي قال إنه كان يحاكم في جلسة واحدة مع زعيم منظمة "لاهافا" الاستيطانية شديدة التطرف، وهي واحدة من الحالات القليلة جدا التي تم فيها محاكمة مستوطن بتهمة التحريض.
ويشير عمر إلى أنه في ذلك الوقت كان موقوفا في سجون الاحتلال، فيما الزعيم الاستيطاني الذي دعا لتطهير الارض من الفلسطينيين وقتل أطفالهم وحرق المساجد والكنائس محتجز في منزله، وفي نهاية الأمر كان الحكم ببراءة زعيم "لاهافا" وسجن عمر لتسعة أشهر.