القدس المحتلة-قدس الإخبارية: واضح بأن العدوان على الأقصى سيستمر ويتواصل من قبل ما يسمى بمنظمات الهيكل المزعوم بمسمياتها المختلفة طلابية، نسوية، حاخامية وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التلمودية والتوراتية حتى لا تغيب عن المشهد الصهيوني كمشاركة ومشجعة على عمليات الاقتحام، وبموافقة ومشاركة أيضاً من قبل المستوى السياسي نفسه، فنتنياهو كرئيس لحكومة يمينية متطرفة قال إنه لن يسمح بمنع دخول المستوطنين للمسجد الأقصى لأداء صلواتهم وطقوسهم التلمودية فيه على اعتبار ان ذلك حق لهم، وهو يرى بأن هذا هو "الاستاتسكو" في الأقصى، "ستاتسكو" يفرض بالقوة، حيث "الإستاتسكو" المعمول به في الأقصى منذ العهد العثماني ومروراً بالانتداب البريطاني والعهد الأردني، هو أن الأوقاف الإسلامية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن كل ما يتعلق بالأقصى من حيث السيطرة على الأبواب والسماح وعدم السماح بالدخول للأقصى، وفي العدوان الأخير على الأقصى وجدت حكومة نتنياهو بأن ردود الفعل العربية والإسلامية باهتة ومشجعة للاستمرار في مخططها ومشاريعها لتقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً، فلم تكن ردود فعلية ترتقي الى مستوى الحدث سوى مسيرات ومظاهرات في العديد من الدول الإسلامية، حتى عربياً لم تكن هناك مسيرات وتحركات شعبية سوى في الأردن بحكم الروابط الجغرافية والتاريخية والسكانية بين البلدين،ولكون الأردن الراعي للمقدسات الإسلامية.
والحالة الفلسطينية أيضاً في ظل ما تعيشه من تردي وضعف وانقسام اعجز من تضع خطة او استراتيجية تمكن من إنقاذ الأقصى، والمشهد الفلسطيني في حالة ارتباك وردات فعل، وليس جزء من الفعل، وتلك الحالة دفعت بالرئيس الفلسطيني لكي يطرح في دوائر القرار الفتحاوي والفلسطيني (السلطة والمنظمة)، رغبته في الانسحاب من المشهد السياسي، ولكن تلك الرغبة عبرت أطراف فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية عن خشيتها من تداعيات تنفيذها، فلربما تقود تلك الخطوة الى فراغ في المشهد السياسي الفلسطيني، او قد تندفع الأمور الى حالة من الفوضى، أو تخلق اجواء وحالة من الانتفاضة الفلسطينية، تترك تأثيراتها على كامل المنطقة في ظل وضع مضطرب عربياً.
انسداد الأفق السياسي وازدياد غطرسة حكومة نتنياهو وعنجهيتها، وعدم وجود إرادة سياسية دولية ضاغطة على "إسرائيل" من قبل المجتمع الدولي وبالذات من أمريكا التي ترعى المفاوضات، ودائماً تنحاز وتدعم الموقف الإسرائيلي، جعلت الرئيس الفلسطيني عباس يصل الى قناعة بأنه لا جدوى من الاستمرار في هذا المسار السياسي الذي لن يجلب لا حقوقا ولا دولة للشعب الفلسطيني، ولذلك سيتجه في أواخر الشهر القادم لإلقاء خطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التوقعات بأن هذا الخطاب واللغة التي سيستخدمها الرئيس مختلفة تماما عن السابق، ولربما تشكل تحولاً نوعياً في الموقف الفلسطيني، بحيث يجري التحلل من عقدة الارتعاش السياسي الدائمة الملازمة للقيادات العربية والفلسطينية، رغم ان المؤشرات تقول بأن الإدارة الأمريكية ستقوم كالسابق بالضغط على الرئيس من أجل العودة للمفاوضات هي وأوروبا الغربية بتقديم وعود فارغة للعودة الى المفاوضات دون أي التزامات بإنهاء الاحتلال او حتى فترة زمنية مسقوفة للمفاوضات وبمرجعية واضحة ومحددة.
خطاب الرئيس من المتوقع في الأمم المتحدة أن لا يتطرق الى حل السلطة الفلسطينية، أو وقف العمل بالتنسيق الأمني استنادا الى قرار المجلس المركزي في 4 و 5 شباط الماضي، فالرئيس سيسهب في شرح الانتهاكات الإسرائيلية وتحديدا بحق المسجد الأقصى، وكذلك سيتطرق الى أوضاع السلطة الفلسطينية وما تعيشه من أزمة مالية وأوضاعها السياسية وكذلك المبادرات الاوروبية التي طرحت ولم تنجح لإحياء المفاوضات، وكذلك المسؤولية الأمريكية عن فشل المفاوضات عشرين عاما وهي فقط تريد ان تستمر في إدارة الأزمة ومنع الاوضاع من التدهور، وهذا كله فاقم من ازمة السلطة وتراجع الثقة بها وتآكل هيبتها من قبل الشعب الفلسطيني، وسيكون هناك حديث عن مراجعات للعلاقة أو الاتفاقيات مع "إسرائيل" دون ان يصل ذلك الى مستوى تعليق العمل بها.
وأي تكن القنبلة التي سيفجرها الرئيس، فليس الجوهر هنا، بل فيما يريده الشعب الفلسطيني، وهل سيكون هناك رؤيا واستراتيجية فلسطينية، وهل سيجري العمل على تنفيذ وترجمة ما يقوله الى فعل جدي وحقيقي، بعيداً عن تكتيكات المفاوضات وتحسين شروط عودة انطلاقها، فحتى لو طرح الرئيس في خطابة أمام الأمم المتحدة، إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، بحيث تكون "إسرائيل" مسؤولة عن الضفة الغربية كدولة محتلة، أو طرح تعليق العمل بأجزاء من اوسلو كوقف التنسيق الأمني او العمل باتفاقية باريس الاقتصادية، أي إعادة تعريف دور ومهام ومسؤوليات ووظيفة السلطة الفلسطينية، فنحن بحاجة الى لرؤيا جمعية فلسطينية، وفق برنامج واضح ومحدد، ويقف في مقدمة ذلك بأنه لا مناص من تفعيل الإطار القيادي المؤقت، من أجل التمهيد لعقد دورة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، تشارك فيها كل مربكات العمل السياسي الوطني والإسلامي والمجتمعي الفلسطيني، وبما يمكن من استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وهي القضية والملف الأخطر، والتي يجب ان يفرد لها مساحة واسعة من الحوارات والنقاشات الجادة، وتوفير الأرضية والمناخ لذلك، بعيداً عن المنطق والمنهج السائد، والقائم على الردح والتخوين وتوتير الوضع الداخلي وتغليب المصالح والأجندات الخاصة والعلاقات والمحاور العربية والإقليمية على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
والحديث عن القنبلة التي سيفجرها الرئيس في هيئة المم المتحدة في اواخر الشهر القادم، يجب أن تكون نتاج لموقف فلسطيني موحد جرى التوافق عليه في الهيئات القيادية الفلسطينية المختلفة، وإلا فإننا سنكون أمام نفس المشهد او حتى على نحو أسوء، فأكثر من مرة كانت هناك تهديدات فلسطينية، سواء لجهة عدم العودة للمفاوضات أو التهديد بوقف التنسيق الأمني ووقف العمل باتفاقية باريس الاقتصادية، ولكن لم يجري استخدام ذلك أو التلويح به، كبديل عن الخيار والنهج القائم، نحو نهج وخيار بديل، بل كان ذلك يستخدم كتكتيك لتحسين أو تعديل شروط التفاوض، وهذا أفقد الموقف والعامل الفلسطيني والقيادة الفلسطينية الكثير من نقاط القوة، ولم تحظى قراراتها او مواقفها بالمصداقية داخلياً وخارجياً بين شعبها، وعند العرب والدول الإقليمية والعالمية الفاعلة في القرار.
الآن نحن في محطات فارقة بالنسبة للقدس والأقصى الاحتلال يعتقد بأن الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها والحالة العربية الداخلة في حروب التدمير الذاتي، توفر له الفرصة المؤاتية لفرض مشروعه بالتنسيق الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وكذلك عدم مغادرة عقدة الارتعاش السياسي الدائمة فلسطينياً، والتردد في اتخاذ موقف فلسطيني حازم مجمع عليه يعبر عنه الرئيس في خطابه الشهر القادم امام الجمعية العامة، من شأن ذلك أن يفاقم من أزمة المشروع السياسي الفلسطيني، ويدفع نحو المزيد من الشرذمة والانقسام.