يافا – ترجمة قُدس الإخبارية: يواجه العجوز الطاعن في السن "أبوجورج" احتمال خسارته لمنزله الواقع في مدينة يافا في الاراضي المحتلة عام 48 للمرة الثالثة. أبو جورج المعمر الفلسطيني الذي نشأ في حي العجمي في يافا، يتذكر جلساته القديمة على سطح منزله المطل على البحر إبان العهد العثماني في فلسطين، يتذكر كيف كان بإمكانه صيد السمك من سطح منزله ذاك لشدة قربه من البحر.
هدم منزل أبوجورج جزئياً ومنازل اخرى في حي العجمي في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ولم يبق من المنزل القديم الآن سوى هيكل خرب كشاهد على من عاش هناك.
وحرصت بلدية الاحتلال في "تل أبيب" خاصة بعد تولي رون هولداي رئاستها على تغيير سياسة تعاملها مع يافا خلال الفترة الأخيرة، فأخذت تتوسع باتجاه المدينة العريقة بشكل أكبر و تهدم المزيد من المنازل القديمة، في محاولة لحل أزمة النقص في السكن في تل أبيب.
فبعد أن كان يُنظر سابقاً إلى يافا على أنها مكان قديم دون تنظيم أو تخطيط عمراني، أطلقت البلدية خطتها لتدمير المنازل القديمة و زيادة المساحات أمام توسع تل أبيب باتجاه مدينة يافا التاريخية.
بالنسبة لأبو جورج، فإن المشكلة تتجاوز مسألة هدم المنازل فحسب، حيث عمدت سلطات الاحتلال الى هدم عدد من المنازل في حي العجمي خلال الفترة الماضية، ووسعت مساحة الشاطئ أيضاً و حولت بعض مناطقه إلى حدائق، ومع مرور الوقت صارت هذه الحدائق مكباً لنفايات "تل أبيب" فلا هي بقيت شواطئ ولا صارت حدائق.
يعيش أبوجورج الآن في منزل مكون من ثلاث غرف، تقلصت مساحته إلى النصف إثر هدم جزء منه في إحدى حملات البلدية للقيام بما تسميه تنظيم المنازل العربية في يافا.
تمكن أبوجورج من الاستئجار في تلك المنطقة وهذا يعطيه الحق في العيش هناك، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على ابنه أو أحفاده، ما يدفعه لبذل محاولات مستميتة من أجل شراء منزل في تلك المنطقة بما يسمح لابنه وأحفاده بالعيش هناك، وهو ما تعمل دولة الاحتلال على منعه بشكل قطعي.
من جانبه ادعي يوديت ايلان من لجنة الإسكان الشعبي في يافا، أن دولة الاحتلال تحاول تطوير الأرض المحيطة بمنزل أبوجورج، حيث أنها محاطة بمبان حديثة تتميز بسهولة الوصول إلى البحر.
وأضاف ايلان، انه بموجب القانون يستطيع ابوجورج ان يشتري أي منزل، فهو غير مدين بأي مبلغ لصاحب العقار المستأجر منه، ولا يستأجر أو يمتلك أي مبنى مخالف لنظام البناء في الكيان.
ويتابع، "لكن الحكومة لن تسمح باتمام عملية البيع، فهي تعرف أنه بمجرد موت أبوجورج ستنقل ملكية الأرض لأبنائه و أحفاده، وهذا ما لا تريده أبداً، لكن من حق أبوجورج أن يستمر في القتال عبر المحاكم، هكذا تعاقب الدولة من يعيش في حي العجمي".
مجتمعات مغلقة
كان مشروع أندروميدا أول مشروع للمساكن باهظة الثمن في يافا، وقد هدف المشروع إلى توفير السكن الخاص و الدائم للمستفيدين.
ويقول هشام شبايطه المحامي في عيادة حقوق الإنسان في جامعة "تل أبيب"، أن مشروع أندروميدا كان مهماً للغاية بالنسبة للسوق، إذ أثبت هذا المشروع أن بإمكان يافا احتضان مشروع بنائي للاغنياء.
بنيت أندروميدا على شكل مجمع ضخم يحيط ببرك سباحة ضخمة أيضاً، و تم بناء سور مغلق حولها أملاً في منع الفلسطينيين القاطنين بالقرب منها من دخولها، وهو ما يعتبر مخالفاً للقانون كون هذا المجمع بني على اراض عامة.
يقول شبيطة الساكن في يافا أيضاً أن هذا الفعل غير قانوني، ولذلك فقد تقدم بشكوى للمحكمة، وقد قررت المحكمة فتح المجمع أمام عامة الناس، لكن هذا القرار لم ينفذ وبقي المجمع مغلقا.
وأوضح شبيطة أن حكومة الاحتلال تملك 93% من مجمل الأراضي في الكيان، ووفق الدستور فلا يحق لها بيعها، وإنما تكتفي بتأجيرها لشركات الاستثمار لفترات طويلة حتى يتسنى لها إقامة مشاريعها هناك.
ولذا فإن قرار البيع هو قرار سياسي بامتياز، فالحكومة تتحكم في توقيت البيع، ما يجعل أمر البيع خارج إطار السوق الحرة، وهنا تتحكم الحكومة فيمن ستؤول له ملكية هذه الأراضي، فإذا كان الملاك فلسطينيون فلن يتم بيعهم كما جرت العادة.
ووفق شبيطة، فإن الدولة كانت تتحكم بعمليات التملك و تساعد اليهود على زيادة حصص ممتلكاتهم بشكل كبير، أما الآن فلا حاجة لتدخل كبير من الحكومة، كل ما عليها فعله هو أن تفتح المجال أمام السوق للقيام بعمله الطبيعي، وهذا سيؤدي إلى زيادة ملكية اليهود في تلك المناطق.
حتى أن بعض شركات البناء تقتصر في تسويق مشاريعها البنائية على اليهود فقط، إذ أعلنت إحدى الشركات (يوبيا) أن حق التمليك أو الإيجار في مشاريعها يقتصر على اليهود حصراً، وهو ما أكده شبيطة، الذي أشار إلى عدم وجود قانون في "إسرائيل" يحظر التمييز في السكن بين الافراد.
من جهته قال سامي أبوشحادة، عضو لجنة الإسكان الشعبية في يافا، إن عدد سكان يافا من الفلسطينيين انخفض إبان النكبة من 120 ألف فلسطيني إلى 4000 فلسطيني عام 1948، ثم ألحق الاحتلال يافا ببلدية "تل أبيب"، وبالتالي لم تعد يافا بلدة مستقلة بحد ذاتها، وأضاف، "يافا تعيش في مخيلة الشعب وذاكرته فقط".
و حتى الـ 4000 فلسطيني الذين بقوا في يافا، فإن عدداً قليلاً منهم استطاع البقاء في يافا لفترة طويلة، حيث ظهر قانون أملاك الغائبين الذي أدى لنقل ملكية المنازل التي طرد منها أصحابها إلى الدولة، وبالتالي انخفضت سيطرة الفلسطينيين على منازلهم.
وكان حي المنشية الواقع شمال المدينة يعج بالناس حتى ستينيات القرن الماضي، قبل أن يتم تحويله إلى منتزه، وخلال سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي هدمت سلطات الاحتلال العديد من المنازل في منطقة العجمي وحظرت البناء أو التجديد في مناطق الفلسطينيين، ما يعني انعدام امكانية إجراء إصلاحات كبيرة على المنازل المتواجدة أصلاً أو بناء منازل جديدة حتى.
منع إصلاحات المنازل
لاحقا أعلنت سلطات الاحتلال منطقة العجمي كمنطقة مجمدة، وحظرت على القاطنين فيها إجراء أي تعديل لمنازلهم، ووفق هذا القانون تم منع السكان من إجراء أي إصلاح على منازلهم حتى لو كانت آيلة للسقوط، و تشير الإحصاءات إلى تلقي 500 عائلة مختلفة غرامات من سلطات الاحتلال بعد قيامهم بمخالفة هذا القانون.
ويشير أبوشحادة إلى أن الغرامة كانت في الماضي لا تتجاوز 10 آلاف شيكل، لكنها تصل في هذه الأيام إلى ما يقارب نصف مليون شيكل.
من جهة أخرى، يساهم حي الفنانين الواقع في المدينة القديمة من يافا، وتم إنشاؤه في ستينيات القرن الماضي، في عملية تهويد يافا بحجة التحسين العمراني، فقد أدى توافد المصممين والفاننين في تغيير النظرة العامة إلى المدينة، وشكل ملجأ للعديد من الأسر اليهودية التي تذهب إلى تلك المنطقة بغرض التنزه.
أما الفلسطينيون فلا يمكنهم الذهاب إلى تلك المنطقة أو غيرها للتنزه أو غيره، فالمنطقة محاطة بالأحياء اليهودية من كل جانب، ويحظر على الفلسطينيين دخولها و لاتوجد مدارس عربية أو مساجد أو كنائس أيضا، ما يدفع العائلة الفلسطينية للعيش في ظروف صعبة داخل جدران منزلها الذي لا يستطيعون توسيعه وفق قانون حظر البناء.
المصدر: ميدل ايست اي – ترجمة: هيثم فيضي