القدس المحتلة - قُدس الإخبارية: من أول نظرة؛ سيجد من اعتاد زيارة المسجد الأقصى فرقا واضحا في أجوائه، - هذا إن سمح له بالدخول -، فبعد ان كان الرجال والنساء ينتشرون بأعداد كبيرة في باحات المسجد الاقصى على شكل حلقات يتلقون فيها دروسا مختلفة ويتلون القران الكريم، بات عدد كل حلقة لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة، فاغلب الرواد يقفون على الابواب ممنوعون من الدخول، بعضهم لوقت محدد، وآخرون لوقت مفتوح، وغيرهم يمنع من الوصول الى المدينة المقدسة بأكملها.
هذا الفرق لم يحدث في يوم وليلة، انما نتيجة مجموعة من القرارات والقيود التي فرضتها سلطات الاحتلال ومازالت على رواد المسجد الاقصى، ومنها، منع دخول مجموعة من النساء معممة اسماءهم بقائمة على جميع أبواب الاقصى وصلت حتى الخميس (10/أيلول) الى 52 اسما.
وكان اخر هذه القرارت قرار وزير الأمن في حكومة الاحتلال موشيه يعالون بحظر "المرابطون والمرابطات" واعتبارهم تنظيما إرهابيا، قاصدا بذلك مصاطب العلم في الأقصى، وهو القرار الذي اتخذه بناء على توصية الشرطة والشاباك وما يسمى بوزير الأمن الداخلي أردان.
[caption id="attachment_74532" align="aligncenter" width="600"] نسوة يرابطن عند أبواب الأقصى بعد منعهن من دخوله[/caption]"مشروعنا مع الله وقرارهم تحت أقدامنا"
ويتساءل المرابطون عن المقصود بحظر الرباط، فتقول المعلمة في مصاطب العلم هنادي الحلواني لـ قُدس الإخبارية، "نحن كملسمون أمرنا الله بالرباط في الآية القرآنية (يا أيها اللذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم ترحمون)، فهل هم بهذا القرار يريدون حظر كل شخص مؤمن؟ فكل شخص اراد ان يتعبد ويمتثل لامر الله اصبح محظورا بحسب القانون الذي أقروه".
وتضيف الحلواني تعقيبا على قرار يعلون، "منذ متى يعتبر رواد المسجد الاقصى تنظيما، فالرباط في الاقصى والتواجد فيه لتلقي العلم داخل حلقاته هو قيمة إيمانية وجزء من عقيدتنا وثقافتنا وتاريخنا منذ ايام الرسول، فرباط المصلين مشروع مع الله وليس مع أي تنظيم أو منظمة".
وردا على وصف القرار للمرابطين بأنهم ارهابيون، يقول احد طلبة مصاطب العلم في المسجد الاقصى المرابط طه شواهنه (69 عاما) لـ قُدس الإخبارية، "بأي حق يتم وصفي انا وكل من يأتي للاقصى بالارهابيين، فانا اتي يوميا للمسجد الاقصى من بلدة سخنين في الشمال المحتل بعد قطع مسافات طويلة لأتعلم القران الكريم و احكام التجويد، وأمنع من حقي في التواجد فيه حيث أبعدت واعتقلت اكثر من 10 مرات".
ويرتاد شواهنة الاقصى بشكل مستمر منذ اكثر من عام، استطاع خلاله تعلم جميع أحكام التجويد بعد ان كان لا يعرف قراءة القران بالشكل الصحيح، خاصة انه توقف عن الدراسة بعدما انهى الصف الأول الاعدادي، لتتيح مصاطب العلم له الفرصة بعد هذه السنين الطويلة من العودة للدراسة وكسب العلم.
ويقول، "كيف يصفونا بالارهابيين؟ وهم صباحا ومساء يعتدون علينا وعلى نسائنا اللواتي يتعرضن للاستفزازات والاعتداءات من شرطة الاحتلال والمستوطنين المقتحمين للمسجد الاقصى".
ويقارن شواهنة بين أفعال المرابطين والمستوطنين الذين تعدت اعتداءاتهم لتصل الى حرق عائلة بأكملها كما حصل مع عائلة دوابشة في بلدة نابلس، وقبلهم الطفل محمد ابو خضير من مدينة القدس، متسائلا، "أي منا الارهابي؟، ومؤكدا عدم مبالاته باي قرار تصدره حكومة الاحتلال.
ويتابع، "ان كل قرارات الحكومة الاسرائيلية تحت اقدامنا ونحن مستعدون للتضحية بكل ما نملك من اجل المسجد الاقصى".
[caption id="attachment_74531" align="aligncenter" width="600"] المستوطنون أكثر المستفيدين من القرار[/caption]إنجازات شخصية
وفي حلقات العلم بالأقصى حكايات بين أفراد كل حلقة، صار صعبا على أحد الفصل بينها، فالطالبة في مجالس العلم سحر النتشة (45 عاما) ام وجدة من سكان بيت حنينا، كانت تتلقى دروس الدين في احد الجوامع القريبة من منزلها، حتى جمعتها الصدفة مع نساء في المسجد الاقصى خلال زيارتها له صباح احد الايام عام 2010، حيث وجدت حلقات من النساء منتشرة في الباحات.
وتقول النتشة لـ قُدس الإخبارية، "كانت في كل حلقة اكثر من 40 امراة، وكانت الاجواء مشجعة جدا للاستماع الى دروس الدين وتعلم القران والاستفادة من بعضنا البعض من خلال النقاش والحوار، فاصبحت ارتاد الاقصى وانهيت دراسة التجويد خلال سنتين و حفظت جزئين من القران".
وتضيف، "تعلمت ايضا اهمية الوقت وكيفية تنظيمه حيث استغل وقت الصباح في الدراسة والتعلم بدلا من النوم، وبعد الظهر أعود لمنزلي وأنهي أعمالي فيه، ثم اعمل في مهنة الخياطة التي نشأت عليها".
وعندما سالناها عن لحظة سماعها لقرار حظر مصاطب العلم، أجابت وقد أغرق الدمع عينيها، "اجمل سنين عمري هي الخمس سنوات التي كنت ارتاد فيها المسجد الاقصى، ولا يمكنني تخيل تنفيذ هذا القرار ومنعنا من الدخول باعتبارنا ارهابيين". وتدعو سحر المسلمين للتكاتف دفاعا عن بيت المقدس والمسجد الاقصى.
وتوضح المعلمة الحلواني أن مصاطب العلم كانت تُخرج في كل عام ما يقارب 15 لـ 20 طالبة حاصلة على الإجازة في التجويد، (قراءة كل كلمة بالقران على رواية واحدة باحكام التجويد الصحيحة)، كما كانت المصاطب تقدم دورات في الارشاد في معالم المسجد الاقصى، يقومون عليها بشكل تطوعي.
تعزيز للتقسيم ومحاولة للردع
ويعتبر مدير التعليم في دائرة الأوقاف ناجح بكيرات، بان قرار يعلون جاء لخدمة المخططات الاسرائيليه في تقسيم المسجد الاقصى زمانيا ومكانيا، ومن اجل ردع الفلسطينيين والفلسطينيات من الحضور للأقصى، فهذا القرار يصحبه مزيد من الاعتقالات والابعادات ومزيد من تقليل الوجود الفلسطيني بهدف تفريغ المسجد الاقصى وتسهيل مهمة المقتحمين له، واستدرك، "هذا القرار لا يساوي الحبر الذي كتب به".
وأكد بكيرات لـ قُدس الإخبارية، أن المسجد الاقصى لا يقبل القسمة على اثني، مشيرا إلى أن الاردن استنكرت هذا القرار واعتبرته تدخل في شؤون المسجد الاقصى المبارك وأعلنت رفضها له، مطالبا، الحكومات والامة الاسلامية بمواجهة هذا القرار بالرفض ومحاسبة هذه الحكومة الظالمة، "على الامة الاسلامية ان تعلم ان المسجد الاقصى بدأ يحتضر".
تجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال مارست بحق طلاب مصاطب العلم طوال السنوات الماضية عقوبات متعددة بين المنع من دخول الأقصى لوقت محدد، أو الإبعاد عنه لأيام، أو فرض الغرامات المالية والحبس المنزلي، وذلك لتسهيل اقتحامات المستوطنين الذين يشتكون من تكبيرات الطلاب والطالبات خلال الاقتحامات.