تشهد الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، بالأخص "الفيسبوك" الذي تحول لدى البعض إلى إدمان يومي. وقد أدى هذا التزايد والاستخدام المكثف للفيسبوك إلى نقل الحالة الفلسطينية اليومية بتفاصيلها إلى العالم الافتراضي، فيمكننا أن نجد الصفحات المختصة بالتراث الفلسطيني أو الواقع السياسي الفلسطيني، أو صفحات تنشر صوراً مختلفة من مدن فلسطين.
كما تحولت الصفحات الشخصية إلى منابر حرة يعبر فيها صاحب كل صفحة عن توجهاته السياسية ورؤيته في مواضيع شتى وموقفه من الأحداث اليومية. وأدى ذلك إلى نقل حالة الصراع و النضال السياسي من على أرض الواقع إلى ساحة الإنترنت.
ظاهرة سلبية أم إيجابية
لا يختلف اثنان حول إيجابية تناقل الأفكار والتفاعل معها بشكل بناء بعيداً عن العنف اللفظي الذي قد يحدث في حالات التحاور الساخن. لكن الأمر يتعدى مرحلة الإيجابية ويتحول إلى النقيض عندما تكون بعض صفحات "الفيسبوك" منابر للتخوين والإقصاء وتعزيز روح الكراهية والخصام بين أبناء الوطن الواحد، وللأسف يوجد لهذه الطريق من يسلكها من خلال إنشاء صفحات إقصائية بالدرجة الأولى تكون مختصة بفكر دون غيره و تمنع أي شخص من الإدلاء برأي مخالف من خلال الاستعانة بخاصية الحظر التي يوفرها موقع الفيسبوك.
النضال ضد الاحتلال
لا شك أن للسياق الاستعماري الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني تأثير على تجليات استعمال الانترنت. وقد أدى ذلك إلى ظهور مصطلحات مثل "النضال الإلكتروني" أو "النضال الفيسبوكي" كما يطلق عليه البعض تهكماً. وتتعدد صور وأشكال هذا "النضال" عبر الفيسبوك، فمنها ما يتعلق باطلاق الدعوات للتظاهر أو الإضراب ومنها ما يتعلق بكتابة خواطر سياسية أو أشعار تحرض ضدّ المحتل، ومنها ما يتعلق بتوثيق ونشر جرائم الاحتلال على شكل صور ومقاطع فيديو أو تدوينات سريعة.
قد لا تندرج كل تجليات هذا "النضال الفيسبوكي" كظاهرة جيدة، لكن الفيسبوك ساهم بلا شك في تحفيز طاقات الكثيرين ممن تتوفر لديهم الإمكانيات دون الفرص لكي يقوموا بدورهم وإضافاتهم الخاصة. إذ يتيح الفيسبوك إمكانية المشاركة و يصال الرسالة للجميع بشكل سلس ومبسط مما أدى في النهاية إلى رفد الساحة التلقليدية بمناضلين جدد هم "مناضلو الفيسبوك".
ولعل أبرز المظاهر وأكثرها إثارة للسخرية في نفس الوقت هي ظاهرة تغيير صورة الصفحة الشخصية عند بروز أي حدث مهم على الساحة، بحيث تنتقل حالة النضال من على أرض الواقع مباشرة إلى حالة نضال أخرى على الفيسبوك، و تلقى هذه الظاهرة انتقاداً من البعض تحت حجة أن أصحابها يمارسون نضالا وهميا، فهم يبتعدون عن ساحات المواجهة الحقيقية إلى ساحات افتراضية ليس لها أي أثر مباشر على من يفترض أن يوجه النضال ضده. ويتضح هذا الأمر بشكل أكبر عندما يتعلق الأمر بفعاليات التضامن مع الأسرى، فتجد بأن صفحات الفيسبوك "تنتفض" تضامناً مع الأسرى في الوقت الذي تكون فيه أماكن الاعتصام والتظاهر خاوية على عروشها.
غير أن هناك العديد من الأمثلة التي تثبت استثناءات هذه الفرضية. فعلى سبيل المثال، الشهيد محمود الطيطي الذي كان من رواد المتضامنين مع الأسرى، وقد أدار صفحة على الفيسبوك تُعنى بشؤون الأسرى، لكنه لم يقصر نشاطه على التفاعل الإلكتروني، بل كان يشارك في التظاهرات والفعاليات المتنوعة، ووجدناه يقدم روحة فداء لوطنه وتلبية لنداء الأسرى.
يبرر المدافعون عن هذا الأمر بأن بروز ظاهرة الإعلام الإلكتروني و تفوقها في كثير من الأحيان على الإعلام المرئي و المطبوع أسهمت بشكل واضح في تطور ظاهرة النضال الإلكتروني، كما أنهم يعتقدون بأنها ظاهرة مهمة على طريق إيصال معاناة الشعب الفلسطيني بشكل أكبر و أشمل إلى مناطق أوسع خصوصا أن الفيسبوك يوفر فرصة الانتشار السريع و الواسع، بالإضافة لأنهم يعتقدون بأنها لن تؤثر على مجريات الأمور على الواقع، فمن يتقاعص عن المشاركة في المظاهرات و الفعاليات هو في الأساس لم يكن ليشارك حتى بدون فيسبوك، و العكس صحيح.
من خلال ما سبق يتبين لنا أهمية الدور الذي يلعبه الفيسبوك في إيصال رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم إذا ما تم استخدامه بالشكل الصحيح، كما يتبين لنا أن إطلاق مصطلح "مناضل" على مستخدم الفيسبوك هو في العادة يأتي من قبيل السخرية ليس أكثر ممن يعتقدون بأن أي مظهر من مظاهر العداء للمحتل في غير محله التقليدي هو ضرب من العبث فتجدهم يسخرون و يستهزئون و يطلقون أوصاف من بينها "مناضلو الفيسبوك".
و بين نضال الفيسبوك ونضال الواقع تبقى كل وسائل و أسباب النضال مشرعة في وجه الاحتلال و لا ينبغي علينا أن ننتقص من أي من هذه الوسائل.