من بلدة خضراء أهلها يعتاشون من الزراعة، على مقربة من مخيم جنين، تبدأ حكاية الأسير أحمد محمد صبح، المولود بتاريخ 1-2-1978. يمضي أحمد محكوميته في سجن النقب حالياُ، بعد أن تنقل بين سجون مجدو وبئر السبع وجلبوع. اعتقاله الحالي هو ثالث اعتقال، إذ حكم عليه سابقاً لثلاث سنوات، ويقضي الآن حكمه الثالث لـ 14 عاماً، منها 7 سنوات، فهو معتقل منذ 6-11-2007.
توجهتُ إلى سيدة عانت ما عانت من مآسي الخراب والدمار للممتلكات واعتقال الابناء. ضحكت عندما رأتني ورحبت بي بحميمية: أهلا أهلا يا ايمان. أم نبيل صبح هي سيدة اجتماعية ولها شعبية واسعة في البلدة، تعيش في بيت يبعد عن وسط البلدة كيلومتراً واحداً، ولا تجاورها بيوت كثيرة. كان زوجها المتوفي يعمل في رعاية الاغنام التي يملك، وكان لديهم بيوت بلاستيكية تعمل بها وابنها الاسير أحمد من صغره.
نشأة أحمد وحكايته مع الاعتقال
تقول والدة الاسير أم نبيل: "كان أحمد طالب توجيهي متفوق وكانت صحبته مع ابناء برقين والمخيم قوية، فهو شاب طيب ومحبوب، ويعمل معي ومع والده في زراعة الارض والبيوت البلاستيكية، والتحق بعد المدرسة بجامعة القدس المفتوحة - فرع جنين بسبب قربها من البلدة، ولارتباطه بالعمل معي".
تروي أم نبيل عن تفاصيل اعتقاله الأول: "وفي يوم اجتياح مخيم جنين، انتقل مع أصحابه للدفاع عن الشباب وكانت له سيارة ينقل بها الشباب البواسل، وفي ذات مرة كشفتهم طائرة مروحية، فتوجهوا الى واد الخوري بواد برقين وامطرت عليهم وابلاً من الرصاص لكنهم نجوا".
مرت أيام معركة مخيم جنين واستشهد من أصدقائه من استشهد، من بينهم الشهيد محمد الطوباسي شقيق الأسير سعيد الطوباسي، كما تم تفجير سيارة كان يستقلها مع أصدقائه من قبل الاحتلال في محاولة لإغتياله وقدر له أن ينجو للمرة الثانية.
كما كان أحمد صديقاً للشهيد نهاد الغانم من قرية برقين، وكان دائماً ما يساهم في تقديم المساعدة للشباب المقاتلين، مما جعله مطلوباً للاحتلال ومطارداً لفترة وصلت السبعة أشهر. تقول أم نبيل: "فيما كان والده مريضاً لم يهُن على أحمد ترك المنزل من أجل رعاية والده ليلاً رغم أنه مطلوب وعليه عدم المبيت في المنزل كما يفعل المطلوب عادةً، ولكنه آثر البقاء إلى جانب سرير والده المريض".
وفي إحدى الليالي، استيقظت العائلة على اجتياح المنزل، فقد افتحمه ما يزيد عن 50 جندياً إسرائيلياً مدججين بالأسلحة في محاولة لاعتقال أحمد، ولكنهم خرجوا من المنزل ولم يجدوه.
وهنا صرخت أم نبيل وقالت: ""ابن الحرام" أعادهم للبيت ودمّروه ولم يبقوا شيئاً على حاله، من تحطيم للأبواب وتكسير للزجاج، وهم مصرين أن احمد داخل المنزل، ومن شدة إهانة أهل البيت اضطر أحمد ان يخرج ويسلم نفسه من أجل حماية أهله من الدمار الذي حلّ في البيت والرصاص الذي انهال على الحيطان داخل الغرف، التي ما زالت آثارها موجودة حتى اليوم".
وبحسب رواية أم نبيل فإن الضابط الإسرائيلي بدأ بالصراخ على أحمد فور ظهوره، فهجم أحمد عليه محاولاً ايذاءه، لكن الجنود ضربوه على رأسه أمام والديه واخوته وأبناء اخوته الأطفال.
وتستذكر أم نبيل: "بعد ذلك طلب الضابط منه أن يعطيني مبلغ 1020شيكلاً كان يعلم بأنها في جيب أحمد من عميلهم الخائن الذي كان برفقة مجموعة الشباب البواسل في اللحظات الاخيرة قبل اقتحام المنزل".
وتضيف أم نبيل: "وعاد الاحتلال لمطاردة أحمد مرة أخرى وألقي القبض عليه للمرة الثانية وحكم عليه بالسجن اربعة عشر شهراً، أي أنه قضى نحو ثلاث سنوات متفرقات في الاعتقالين، تخللها ما تخللها من مطاردات واعتقل أحمد للمرة الثالثة ومازال لم يكمل جامعته ولكنه بطلٌ يشرف عائلته واهل بلدته".
إضافة إلى اعتقال أحمد، فقد اعتقل شقيقه ياسر وهو ربّ أسرة لولدين وبنت معاقة بحاجة لرعاية مكثفة. وقد حُكم على ياسر بالسجن عاماً واحداً لأنه كان يرعى أحمد ويطعمه فترة المطاردة.
كما اعتقل ايضاً شقيقه محمود (33 عاماً) وكان فترتها طالب هندسة في جامعة النجاح، وسجن 6 أشهر إداري بدون اثبات تهمة محددة عليه. كما اعتقل محمود مرة اخرى لنفس التهمة وهي الاعتناء بأحمد وهو مطلوب، وحكم على الأول في هذه المرة بالسجن عاماً واحداً خرج بعدا ليتسكمل تعليمه الجامعي ويتزوج.
أمل لا تُغيّبه كثرة الأحزان
تبكي أم نبيل السيدة الطيبة وتقول: "توفى أبو نبيل عندما اعتقل أحمد في المرة الاخيرة، وما عدتُ قادرة كالسابق على العمل لوحدي، فقمت ببيع البيوت البلاستيكية والاغنام، واصبحت انتظر كباقي امهات الاسرى وأبتسم أملاً لحريته من جديد".
وذكرت أم نبيل أن محكمة الاحتلال كانت تريد الحكم عليه بالمؤبد بسبب اتهامات العملاء له، لكن لا دليل اثبتته عليه، وهو لم يعترف على شيء رغم انه عانى في فترة التحقيق العلقم مدة 3 أشهر على حد قولها. وقد حُكم في النهاية بالسجن لـ 14 عاماً متهمين إياه بالإنتماء لتنظيم محظور "الحركة الاسلامية".
تحملُ أم نبيل في عيونها الدموع لعدم مقدرتها على المشاركة في إعتصامات أهالي الأسرى بعد تجاوزها السبعين من العمر، ولا يغيب عنها حلمها أن ترى ولدها أحمد من جديد حراً من قضبان الاحتلال.
هذه بعض زوايا من حكاية عائلة أعتقل ثلاثة من أبنائه، ودُمر منزلهم بمحتوياته أكثر من مرة. ومع ذلك الذي يرى أم نبيل يلمح العزّة والشموخ في ملامحها، وكانت تردد في آخر كلماتها قبل أن أغادر منزلها: "أسأل الله أن يفرج عن أسرانا جميعاً وأسأل الله أن يطيل في عمري كي أرى أحمد من جديد حراً طليقاً".