رام الله – خاص قُدس الإخبارية: بشكل سريع تصاعدت أزمة الطلبة الفلسطينيين المبتعثين لدراسة الطب في فنزويلا، وتبادلت مختلف الأطراف المعنية بالقضية الاتهامات وتحميل المسؤولية، وسط ضبابية شديدة انتهت بعودة 36 طالبًا إلى منازلهم بأيد خالية ووقت ضائع.
منحة من الرئيس الفنزويلي لألف طالب فلسطيني للدراسة في فنزويلا، كان من المفترض أن تتم على مراحل، ومرحلتها الأولى تضمنت إرسال 126 طالبًا وصلوا بالفعل إلى فنزويلا، لكن 36 منهم عادوا إلى منازلهم سريعًا لأسباب اختلفت باختلاف المصادر، لكنها في كل الأحوال كشفت عن ثغرة كبيرة في الترتيبات بما خلّف فوضى كبيرة.
لكن الرواية التي تجمع عليها مختلف المصادر، أن فنزويلا أرسلت طائرة خاصة لنقل الطلبة الذين تجمعوا في الأردن، لكن العدد كان ناقصًا بسبب عدم قدرة عدد من طلاب غزة على الوصول إلى الأردن، ليتم ملأ الفراغ بأشخاص من الأردن، بينهم طلبة من الفرع الأدبي وآخرون حاصلون على معدلات منخفضة، وبينهم أشخاص يبحثون عن عمل.
فساد
اتهامات بالفساد وإبعاد أشخاص مقابل آخرين دون المستوى، منها حالة الشاب أمجد عبدالهادي أبو مهادي من قطاع غزة، الحاصل على معدل (93.2) في الثانوية العامة رغم الظروف الصعبة التي واجهها في اللحظات الأخيرة، حيث أصيب والده بفشل كلوي أثر على حالة أمجد النفسية وقدرته على الدراسة.
ويقول محمد أبو مهادي وهم عم أمجد، إن ابن شقيقه وبتعاون مع أصدقاء للعائلة في غزة ورام الله نجح في إتمام كافة الوثائق اللازمة للتسجيل في المنحة الفنزويلية، ثم أرسل ملفه كاملاً إلى الوزارة في رام الله ليحصل على الرقم 14 في قائمة المسجلين لمنحة دراسة الطب البشري في فنزويلا.
بعد وقت قصير، وصلت أسماء المقبولين للمنحة إلى دائرة المنح والبعثات في غزة، وقد ضمت القائمة 40 اسمًا مقبولاً في المنحة لم يكن بينها اسم أمجد، فيما يؤكد عمه محمد أن أكثر من 15 منحة كانت لطلاب حصلوا على أقل من 87%، أي أنهم دون معدل ابن شقيقه.
ويضيف أبو مهادي في مقال له، أن أحد العاملين في دائرة المنح أكد له وجود اسم ابن شقيقه في القائمة الصادرة، مدعيًا، أن جميع كشوفات الأسماء تم تحديدها بناء على رغبات السفيرة الفلسطينية في فنزويلا، بعد وضع المعيار الاجتماعي لاستخدامه في تحديد الحاصلين على المنح، لتذهب أحلام أمجد هباءً منثورا.
فوضى
اتهامات الفساد وتزوير القوائم هذه، قابلها اتهامات للطلبة بالفوضى والإخلال بالنظام من قبل جهات رسمية أكدت عدم مسؤوليتها عن الأزمة، فيؤكد مصدر مطلع لـ قُدس الإخبارية، أن المنحة كانت مخصصة بشكل أساسي للطلبة الفلسطينيين المقيمين داخل الأراضي المحتلة، إلا أن السفارة الفنزويلية في الأردن ساهمت في وصول طلاب من دول أخرى، لملأ الشواغر في الطائرة التي ستقل الطلاب إلى فنزويلا.
وأضاف المصدر، أن الطلاب بعد وصولهم إلى فنزويلا تم اكتشاف حقيقة أنهم غير مطابقين لشروط المنحة، فبدأت فنزويلا إجراءات ترحيلهم، ما دفعهم لإثارة الفوضى وتنظيم مظاهرات اعتدوا فيها على صور الرئيس الفنزويلي ورموز فنزويلية، وهو ما أكدته وزارة التربية والتعليم في بيان لها أيضًا.
لكن هذه الرواية منافية للحقيقة وفقًا لرئيس اتحاد طلبة فلسطين في فنزويلا عدي المصري، الذي أكد لـ قُدس الإخبارية عدم تنظيم أي مظاهرات أو الإساءة لأي رمز وطني، مبينًا، أن الطلاب من مختلف المناطق نظموا إضرابًا داخل المعهد اطلع الاتحاد عليه، مطالبين بتوفير مزيد من الأمان وتحسين بعض الأمور في المعهد.
من جانبها، تصر وزارة التربية والتعليم على أن أيًا من الطلبة الذين تم اختيارهم للمنحة من الضفة وقطاع غزة كانت معدلاتهم أعلى من 80%، وأن الخلل حدث في الأردن بعد أن قامت جهات لم تسمها بتزكية أشخاص للسفارة الفنزويلية بناء على معايير خاطئة، دون أن تتطرق لاتهامات التلاعب في الأسماء كما حدث مع أمجد أبومهاوي.
ظروف سيئة
انعدام الأمن وعدم توفير مناخ مناسب للطلبة خلال دراستهم؛ مثلت أبرز الأسباب التي برر بها الطلبة العائدون أسباب عودتهم، وقد حاولت شبكة قُدس الإخبارية التواصل مع طلبة عائدين إلا أنهم فضلوا عدم الحديث للإعلام، لكن رئيس الاتحاد عدي المصري وهو طالب طب في السنة الرابعة، نقل هذه الأسباب عن الطلبة العائدين.
ويقول المصري، إن طلبة الأردن عادوا بعد اكتشاف أنهم غير مطابقين للمنحة، حيث بدأت الشكوك لدى السلطات الفنزويلية عند وصول المسافرين على متن الطائرة الفنزويلية إلى المطار، حيث قال أحدهم إنه لم يعلم بوجود طلاب جاؤوا للدراسة، وإن من أوصلوه إلى الطائرة أبلغوه بأنه سيجد فرصة للعمل في فنزويلا.
ويشير المصري، إلى أن انتقال الطلبة المقيمين في الأردن إلى فنزويلا كان بالتنسيق بين السفارة الفنزويلية في عمان وحزب أردني، أوكل من جانبه شخصًا محددًا للتواصل مع أهالي الطلبة وشرح ظروف المنحة وشروطها لهم، باستثناء طالب وطالبة تم اختيارهم من خلال وزارة التربية والتعليم وسفارة فلسطين في الأردن.
أما طلاب الضفة، فقد عادوا بناء على أسباب شخصية بعضها عائلية، وأسباب متعلقة بسوء الإقامة المتوفرة في المعهد وعدم تناسبها مع طالب يدرس تخصص الطب، وفقًا لما نقل المصري.
انعدام الأمن
واشتكى طلاب من انعدام الأمن وتعرضهم للسرقة والخطف، ومطالبتهم بعدم الحديث حول ما تعرضوا له، وقد علق مصدر مطلع في حزب فلسطيني أن فنزويلا بلد غير آمن بشكل عام، وتنتشر فيه المافيات والسوق السوداء وعصابات الشوارع، ما يجعل الحياة هناك بالفعل غير آمنة على جميع المقيمين فيه بصرف النظر عن جنسياتهم.
ونقل المصدر الذي تحدث لـ قُدس الإخبارية عن السفيرة الفنزويلية قولها، إن بعض الطلاب الفلسطينيين ذهبوا إلى السوق السوداء لتصريف الدولار بسعر مغاير للسعر الرسمي الذي تضعه الحكومة، بهدف تحقيق أرباح أكبر في الصرف، وبعد أن تم الصرف بنجاح وخلال عودتهم تعرضوا للسرقة والاعتداء.
وقد أكد المصري جانبًا من هذه الروايات، حيث قال إنه تم تسجيل حالة واحدة للاعتداء في السوق السوداء، موضحًا، أن أحد الطلبة دخل لمنطقة خطيرة رغم أنه لا يتحدث اللغة الإسبانية الدارجة في البلاد، وقد تعرض بالفعل للسرقة في هذه المنطقة، مضيفًا، أنه تم تسجيل حالات سرقة في مناطق مختلفة.
وعن الخطف والسطو، قال المصري إن طلابًا تعرضوا لعملية سطو على ممتلكاتهم الخاصة خلال تواجدهم في حافلة تابعة للمعهد، مبينًا، أن الحافلة أقلت حينها طلابًا من مختلف الجنسيات لكن أغلب من فيها كانوا من الفلسطينيين، وقد تم مناقشة هذه القضية مع الجهات المختصة والحديث عنها إعلاميًا بشفافية، وفق تعبيره.
وجدد المصري التأكيد على رفض اتهام الطلبة الفلسطينيين وخاصة القادمين من الأردن بأنهم مخربين، مشددًا على أنهم يقيمون في المعهد ويواصلون تعليمهم ويتمتعون بحسن السيرة والسلوك، كما أشار إلى أن الطلبة المتواجدين حاليًا هم من أصحاب المعدلات العالية موجهًا شكره لفنزويلا التي اعتبرها داعمًا رئيسيًا لفلسطين.
تجدر الإشارة إلى أن أنباء ترددت عن تردي العلاقات بين السلطة الفلسطينية وفنزويلا على خلفية هذه الحادثة وتبعاتها، بالإضافة لاتخاذ "كاراكاس" قرارًا بوقف المنح للطلبة الفلسطينيين، إلا أن وزارتي الخارجية والتعليم الفلسطينيتين سارعتا إلى نفي هذه الأنباء وتأكيد استمرار العلاقات والمنح دون مشاكل.