شبكة قدس الإخبارية

حماس والاحتلال..صفقة طويلة ومعقدّة تلوح في الأفق

عبدالقادر عقل

فلسطين-خاص قدس الإخبارية: منذ اللحظات الأولى لانتهاء حرب غزة عام 2014 أطلقت حماس جملةً من التلميحات عن وجود أكثر من أسيرٍ إسرائيلي في قبضة المقاومة الفلسطينية وبالتحديد كتائب القسام، لفظ "جنود أسرى" أطلقه لسان القيادي في حماس مشير المصري أصغر النواب في المجلس التشريعي خلال كلمة له بالاحتفالات عقب توقيع اتفاق التهدئة، حيث قال المصري حرفياً في السادس والعشرين من شهر أغسطس عام2014: "نتنياهو خرج من غزة تاركاً خلفه جنوداً أسرى في أيدي القسام".

رغم المحاولات المتكررة للحاخامات والاحتلال في إقناع عائلتي "شاؤول أرون" و "هدار غولدن" بمقتلهما في غزّة، ورغم تنظيم جنازاتٍ رمزيةٍ لهما، إلا أن عدداً من أفراد العائلتين خرج ما بين فترة وأخرى يُطلق تصريحاتٍ تشير لوجود الجنديين أسيرين في غزّة، فقبل انتهاء العام الماضي بشهر واحد ناشدت والدة أرون عبر القناة العاشرة العبرية إسماعيل هنية بالافراج عن ابنها، أما عائلة هدار غولدن فقالت عبر مؤتمر صحفي "إن إبنها حي في غزة رغم أن الاعلان الاسرائيلي صنّفه تحت بند "مفقود" ثم جثة، أما صحيفة معاريف العبرية فقالت قبل أشهر "إن هدار غولدن "حي" وتلقى علاجاً صحياً في أحد مستشفيات رفح خلال الحرب".

تجدر الإشارة إلى أن المستوى السياسي في حركة حماس وجناحها العسكري لم يعقبّا رسمياً باستفاضة ووضوح على موضوع الأسرى والمفقودين الاسرائيليين سوى بإطلالة أبو عبيدة خلال الحرب حيث أعلن عن أسر الجندي شاؤول أرون، وبيانٍ للقسام قالت فيه إن الاتصال انقطع في رفح بين القيادة ومجموعة من المقاتلين الفلسطينيين لحظة المعركة التي أدت لاختفاء مصير هدار غولدن، ولم يُعرف مصير المجموعة وغولدن –وفق البيان-، والآن يبرز التساؤل التلقائي في عقل أي إنسان متابع بعد انتهاء الحرب "أين المجموعة وأين غولدن"؟!.

وبعد مرور عامٍ على وضع الحرب لأوزارها، عادت قضية الأسرى والمفقودين الاسرائيليين لتطفو على السطح مجدداً، عبر الأثيوبي الاسرائيلي "ابرهام منغستو" والبدوي الآخر، حيث أعلنت "هآرتس" العبرية بشكل واضح عن وجودهما في غزّة وأن منغستو "مجنون" ودخل بمحض إرادته لغزّة خلال أيلول عقب انتهاء الحرب لأنه يعاني من مشكلات نفسية، في المقابل عجّت الصفحات الفلسطينية بمواقع التواصل بصورة "منغستو" وهو يرتدي الزي العسكري الاسرائيلي قرب أحد أبواب القدس القديمة.

قيادة الاحتلال تعرف جيداً أنه عاجلاً أم آجلاً ستنكشف أوراق قضية الأسرى والمفقودين شيئاً فشيئاً للرأي العام حتى لو تم تأجيلها لسنين طويلة، ففي النهاية إن الصفقة القادمة ستوضح عند إبرامها كافة التفاصيل، لذلك ربما سعت للإعلان عن ورقتي "منغستو" والبدوي بعد تأجيل نشرها لأشهر طويلة، وأيضاً حاول الاعلام العبري استفزاز حماس عبر وصف الأثيوبي بـ"المجنون"، ومن باب المنطقية ربما نجح الاحتلال قليلاً في هذا الاستفزاز، حيث خرج عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق عقب اعلان الاعلام العبري بأيام قائلاً للجزيرة نت أن الجندي "ابرهام منغستو" ليس مختلا عقليا واختفى خلال الحرب وليس بعدها، وكشف أبو مرزوق أن الاحتلال طالب حماس بإعادة "منغستو" خلال مفاوضات اتفاق التهدئة قبل انتهاء الحرب بالتحديد في شهر آب، وأضاف أبو مرزوق: "عاقل يتكلم ومجنون يسمع..كيف يمكن أثناء الحرب لشخص صُوَره باللباس العسكري ومجنون يهرب من بئر السبع ويجتاز أربعين كيلو مترا ليدخل قطاع غزة في المنطقة الشمالية".

"ميكي أرون" إسمٌ ظهر لأول مرةٍ في بداية الشهر الجاري، فقد نقل موقع المجد الأمني عن حوارٍ لإذاعة تل أبيب مع قائد كتيبة المظليين "101" أن "ميكي أرون" مكث في بيتٍ واحدٍ مع مقاتلٍ فلسطيني بعد أن أجبره الأخير على دخول البيت دون أن يشعر بقية الجنود، وأضاف موقع المجد: "اسم ميكي أرون لم يذكر في عداد قوائم القتلى لدى الجيش خلال الحرب الأخيرة، ولم يذكر في عداد المفقودين، ما يعني أن الجيش تكتم على أمره بالإضافة للتكتم على نهايات عدد آخر من جنوده".

كثيرةٌ هي الألغاز والجزئيات التي يلفها الغموض في قضية الأسرى والمفقودين خلال حرب غزة العام الماضي، فمن خلال المتابعة تبرز عدة أمورٍ، فمثلا: خلال لقاء ميداني متلفز عرضت قناة الأقصى –المنبر الرسمي لحماس في البث الفضائي- بطاقات عسكرية لعدة جنود اسرائيليين من بينهم ضابط في بيت حانون شرق غزة، والأربعة هم:

(نوعام مالول، لوران ييتح، ملازم أول ماؤور دبليل، أوري ليفي)، والاعلام العبري لم يعلّق على مصيرهم، فهل هم جنودٌ قتلى تركوا بطاقاتهم العسكرية في أرض المعركة أم أن ضخامة التفجيرات بعثرت هوياتهم جميعاً بعيداً أم هم جرحى نجح الاحتلال في إخلائهم، أم أن مصيرهم لا يزال مجهولاً في غزّة؟!!.

على الجبهة الفلسطينية، قيادة حماس أكدت مراراً وتكراراً أن بدء المفاوضات حول قضية الأسرى والمفقودين الاسرائيليين مشروطٌ بالافراج عن أسرى "صفقة شاليط" المُعاد اعتقالهم، إضافة لتشديد الحركة على عدم منح معلومات مجانية للاحتلال، أي أن حماس يبدو أنها تقول كلمة مختصرةً: "لكل معلومةٍ ثمن".

هذا الحراك البطيء وثقيل الخطى في القضية يجعل المتابع يُدرك أن الصفقة القادمة ستطول لسنوات، وربما أطول من الفترة التي مكثتها الصفقة السابقة، وقد نختلف مع ما ذهب إليه عددٌ من المحللين السياسيين والنشطاء الذين يرون أن الاحتلال سيتعامل مع قضية الأسرى والمفقودين على أنها "رزمة واحدة" أي بالمجموع العام، مستندين إلى أن "الاحتلال يريد التخلص من إذلال المقاومة له، وما سيسببه من ضغطٍ داخلي وسخط ما بين فترة وأخرى في أوساط الرأي العام الاسرائيلي"، والحقيقة في رأيي أن المقاومة الفلسطينية لديها النفس الطويل لتحقيق ما تصبو إليه، لأن من انتظر خمس سنواتٍ طويلة لإبرام "صفقة شاليط" يُمكنه الانتظار أكثر من ذلك، خاصة في ظل بديهية منطق أوراق القوة الذي يتمثل بأن الأسرى والمفقودين الاسرائيليين بيد المقاومة الفلسطينية وهي من تعرف مصيرهم، أما الاحتلال فليس لديه أوراق لإظهارها وتستطيع تسريع انجاز الصفقة أو افشالها، لأن الأسرى الفلسطينيين المفترض إطلاق سراحهم لا ضرر عليهم، وبالعامية الفلسطينية:"هم مسجونين مسجونين".

الاحتلال أيضاً لن يتعامل مع ملفات القضية مجتمعة دفعة واحدة، فهو يريد كسب الوقت واستغلاله أملاً منه في الحصول على معلوماتٍ إستخبارية عن مصير الاسرائيليين المفقودين، فحادثة "جلعاد شاليط" ليست ببعيدة، حيث أعلن الاحتلال استخدامه كافة الوسائل الاستخبارية لمعرفة مصير شاليط ومكان احتجازه وكيفية تواصل خاطفيه وتأمينهم للخدمات اللوجستية بين بعضهم البعض من جهة وطعام شاليط واحتياجاته من جهة أخرى.

على العموم، إن اشتراط حماس إطلاق "أسرى شاليط" المعاد اعتقالهم، وعدم منح معلومات مجانية عن أي جزئية، يؤكد أن الفلسطينيين أيضاً من جهتهم لا يريدون التعامل مع القضية في المفاوضات على اعتبار أنها "حزمة واحدة"، والاحتلال أيضاً يراهن على أن تفصيل قضية الأسرى والمفقودين قد يجعله يدفع ثمناً أقل، ودولة الاحتلال في عادتها المماطلة والتفاوض الطويل لتحقيق السقف الذي تراه هي مناسباً من وجهة نظرها.

هذه الوتيرة البطيئة التي تسير فيها القضية، يعطي دلالات واضحة لا مجال للشك فيها، أن انجاز الصفقة الجديدة كاملةً سيمكث فترة أطول من نظيرتها السابقة، لأن "صفقة شاليط" كانت تتمحور مفاوضاتها حول مصير جندي واحد وتطلب إنجازها خمس سنوات، أما الصفقة القادمة ففيها تفاصيل أعقد وأكبر، ما بين أحياء ومفقودين اسرائيليين، وما بين مفقودٍ ذو أصل أثيوبي وآخر يحمل الجنسية البريطانية، كما أن الفترة الزمنية التي تفصل ما بين أسر شاليط والفيديو الذي يثبت وجوده على قيد الحياة كانت ثلاث سنوات تقريباً، والكشف عن مصير الحي يحتاج لفيديو مصوّر، والكشف عن مصير الميت أيضاً يحتاج لإثباتاتٍ معينة.