غزة-خاص قدس الإخبارية: مئذنة ومحراب هي كل ما تبقى من المسجد بعدما قصفته قوات الاحتلال في الرابع والعشرون من تموز، منتصف شهر رمضان الماضي، أحالت بنيان المسجد وأعمدته رمادًا، وحوّلت الخمسة قرون في تاريخه هباءً.
"كُلّ سنة كنا نصلي التراويح بالمسجد، لكن رمضان هذا لا، مشان اليهود قصفوه "كلمات قالها طفلٌ من غزة بملء براءته، وهو يستذكر مسجد "المحكمة" الذي قصفته قوات الاحتلال الإسرائيلي بحي الشجاعية شرق مدينة غزة.
مسجد المحكمة البردبكية "مدرسة الأمير بردبك الدوادار" أنشئ عام 859هـ/ 1455م على يد الأمير الداودار على مشارف حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حيث استخدم كمدرسة ومن ثم كمقر للمحكمة الشرعية الدينية في الفترة العثمانية ومنذ ذلك الحين أطلق عليها محليًا اسم جامع "المحكمة"، ويؤكد ذلك النقوش المدونة على مدخل البناية الواقعة في الجهة الغربية من المسجد.
إمام ومسؤول مسجد المحكمة رامز الحلبي قال "إن المسجد لم يكن مكانًا لأداء العبادات المفروضة فقط، إنما هو ملتقى اجتماعي دعوي، يقام فيه العديد من الندوات والفعاليات والأنشطة، إضافة إلى مراكز تحفيظ القرءان الكريم للشباب والأطفال".
وأوضح الحلبي لـ قدس الإخبارية، أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمسجد جاء عقب إخلاء الشجاعية، حيث تم استهدافه بشكل مباشر، كما أثّر ذلك لاحقًا على تفرق المصلين في المساجد المجاورة لو كانت صالحة وعدم تجمع لقاءات الدعوة والإرشاد وانقطاع حلقات التحفيظ.
روّاد المساجد المدمرة رفضوا الاستسلام للواقع الجديد، فما إن وضعت الحرب أوزارها حتى شرعوا بإنشاء مصليات مؤقتة بجوار المساجد المدمرة، أو على المكان ذاته بعد إزالة الركام، متخذين من المُعرشات والخيام وسيلة لإنشاء مصليات بديلة.
المصلون في المصليات البلاستيكية المؤقتة يجتاحهم الحنين لمسجدهم الذي قُصف مستذكرين أجواء صلاة التراويح في الأعوام السابقة، فالشاب محمد ياسين قال "اعتدنا على الصلاة فيه من الصغر، له أجواء رمضانية مميزة وصلاته مريحة، كانت أيام الاعتكاف وليلة القدر من أجمل أيام حياتنا في مسجدنا المدمر".
وأضاف الحلبي أن المصلى الذي أقامه الشباب بدلًا عن المسجد هو بمثابة أعمدة حديدية مغطاة بالمعرشات البلاستيكية تكون درجة الحرارة فيها عالية لكنها تبقى بديلًا مؤقتًا يحتوي عددا من الملتزمين بالمسجد السابق، لكنه غير مؤهل لاستيعاب كافة النشاطات السابقة.
الطفل لؤي حلس لم يمنعه الدمار من التمسك بمصحف الشريف جالسًا في إحدى زوايا المصلى البلاستيكي الذي صنعوه للصلاة بديلًا عن المسجد عقب دماره، قائلًا " مش رح يمنعونا اليهود نحفظ قرءان ونصلي حتى لو قصفوا مساجدنا".
تشابهت صورة الدمار الذي حل بمسجد المحكمة، مع مسجد "القُزّمريّ" بحي الشجاعية أيضًا، وهو مسجد أثري كذلك يقارب الحقبة التي أنشئ فيها سابقه، والذي تناثرت حجارته بعد قصفه بشكل مباشر من قبل قوات الاحتلال، إلا أن مئذنته وبعض غرفه السُفلى بقيت صالحة.
فوق أنقاض مسجدهم، صلّى شباب من غزة صلاتهم برفقة ما تبقى من دمار يشهد على إجرام من مرّوا من هنا، المسؤول عن المسجد أوضح أن الاحتلال استهدف المسجد في الثامن عشر من رمضان الماضي والذي يقع في منطقة مكتظة بالسكان، كانت سببًا في تدميره وتدمير ما حوله من بيوت ومنشآت.
وأضاف لـ قدس الإخبارية، أن الشباب قد نجحوا في إزالة ركام المسجد الموزع على كافة المساحة وجمعه في مكان واحد، وتنظيف المكان وفرشه والصلاة فيه كما كانوا يصلون في سابق عهده قبل أن يتم قصفه.
وعن الصلاة في المسجد المدمر، يقول الشاب رفعت راجح " اعتدنا الصلاة في مسجدنا وقد احتوانا لسنوات طوال، ونحن هنا لإعماره واحتوائه اليوم، وإنما تكون إعمار مساجد الله بإقامتها والصلاة فيها"
الشاب مدحت العاوور لم يخفِ حزنه على اختفاء الأجواء الرمضانية بالمسجد، على عكس ما كان يجري سنوياً، نظرًا للتدمير الهائل للبنية التحتية والشوارع المحيطة بالمسجد بجانب تخريب شبكات الإنارة، الأمر الذي انعكس سلباً على قدرة المصلين الوصول إلى المسجد، خاصة في صلاتي الفجر والتراويح.
فتيات عبرّن عن شوقهن لصوت الآذان في مساجدهم التي دمرها الاحتلال العام الماضي، حيث قالت دعاء أبو جزر " اشتقت لسماع الأذان في مسجد الشافعي، لك شوق يا مسجدنا"، مؤكدة أنها تقيم صلاة التراويح يوميًا في المصلى الذي أقيم على أنقاضه، فهذا حقه علينا".
وبحسب وكيل وزارة الأوقاف حسن الصيفي في غزة فان هناك عددا من المساجد الأثرية التي تحتفظ بذاكرة التاريخ العربي والإسلامي في غزة، وبالطبع فإن الناس حزينون جدا لخسارة الإرث التاريخي هذا”، وهذه الخسائر من شأنها أن تحرم الأجيال القادمة من تاريخهم ومن الفوائد المادية التي قد تعود عليهم من هذه المواقع الأثرية.
بلغت التكلفة الإجمالية حسب التقديرات الأولية للجنة المكلفة بحصر الأضرار التي تكبدتها وزارة الأوقاف خلال العدوان على غزة وصلت إلى ما يقارب 50 مليون دولار.
يُذكر أنه تم تدمير (73) مسجدًا بشكل كلي و(197) مسجدًا بشكل جزئي خلال العدوان على قطاع غزة، حيث تعرض قطاع غزة ومنذ السابع من تموز (يوليو) الماضي لعملية عسكرية إسرائيلية كبيرة استمرت لمدة 51 يومًا.
https://www.youtube.com/watch?v=jCP7kdrvmIU&feature=youtu.be https://www.youtube.com/watch?v=PCzfQUfV62A&feature=youtu.be