القدس المحتلة-خاص قدس الإخبارية: طبق الحمص الذي كان يتوسط مائدة عائلة حشيمة من القدس كل عام في شهر رمضان لم يعد متاحا الآن ولم يبقى منه سوى ذكريات عبق رائحته بين ازقة المنزل ولذة طعمه في الفم.
فمنذ استشهاد المقدسي محمد حشيمة 62 عاما قبل عام متأثرا بإصابته بالرصاص المطاطي وقنبلة صوت افتقدت العائلة حضوره في الشهر الكريم، فصوته العالي وصراخه لم يزينا مائدة السحور هذا العام، واستعداده لصنع طبق الحمص والتفنن بطعمه قد غادر العائلة.
[caption id="attachment_69886" align="alignleft" width="400"] الحاج محمد حشيمة استشهد متأثرا بجراحه التي أصيب بها على يد الاحتلال[/caption]اينار حشيمة ابنة الشهيد محمد لم تستطع أن تجلس على مائدة السحور لهذا العام، ففقدانها لوالدها ولطبقها المفضل كانا كفيلان بأن تبقى هذه الليلة ليلة ذكريات جميلة أفقدها الاحتلال برصاصه العنجهي.
تقول اينار لشبكة قدس" طعم الحمص الذي يصنعه والدي لا زال في فمي، فكنت رفيقته وافطر معه في المحل الصغير الذي كان يبرع بصناعة الحمص فيه قبل موعد الإفطار في باب السلسلة في القدس؛ لكن هذا العام لم يكن موجودا وسيكون رمضان بلا طبقي المفضل وشخصي الأقرب".
وتتابع اينار: "في الليلة الاولى من شهر رمضان هذا العام لم ابق بالمنزل لاني لم اتعود يوما أن أجلس على مائدة السحور دون والدي"؛ فمن سيقوم بسلق الحمص ومن يعلي صوته علينا بعد اليوم؟ من سيناقشنا في الأخبار ومن يحترم رأينا وانتمائتنا ؟ اسئلة كثيرة رددتها اينار منذ رحيل والدها وحتى اللحظة.
استشهاد حشيمة
في التاسع من أيلول عام 2014 خرج محمد حشيمة برفقة ابنه الأصغر وابنته مودعين الطفل الشهيد محمد سنقرط الذي استشهد برصاص الاحتلال.
شارك حشيمة في جنازة الطفل سنقرط والعشرات من أهالي القدس الغاضبين وسط تكبيرات عالية أثارت غضب الاحتلال فىد باطلاق قنابل الصوت والرصاص المطاطي.
تروي اينار كيفية اصابة والدها" أطلق الاحتلال قنابل الغاز بكثافة فاختنق العشرات من المشاركين فلم أستطع أن أكمل فتركت والدي وشقيقي، لأسمع بعد لحظات أن هناك مسن أصيب برصاصة مطاطي وقنبلة صوت".
فكان هذا الاستهداف لوالد اينار الذي كان يعاني من مرض "اللوكيميا" ولم يكن جسمه يتحمل لفقدان دم، نقل حشيمة الى مستشفى المقاصد فبدأ العلاج الا ان اصابته ومرضه السابق كانا بحاجة ليعالج عند طبيبه في مستشفى هداسا؛ لم يكن يرغب في البداية لاستكمال العلاج بفعل غضبه الشديد الا أن تدهور حالته أجبره على الاكمال بالعلاج في مستشفى هداسا.
"ناديت ابي ليقف ويتراجع عن الاستمرار بالمضي في جنازة الشهيد سنقرط الا انه ابى واكمل طريقه رغما عن تواجد الغاز بكثافة الا انه لم يسأل بمرضه وأكمل طريقه" هذا ما قالته اينار وهي تسرد تفاصيل الاصابة.
دخلت عند والدها باكية: "قلت لك أن تسمع كلامي مرة واحدة ولكنك رفضت، تبسم والدها وقال لها لن أكررها".
تمنى حشيمة أن يحرر الوطن لكنه استشهد فداء للوطن قبل أن يحرره.
[caption id="attachment_69887" align="alignleft" width="400"] أهالي حي السلسلة بالبلدة القديمة بالقدس المحتلة يتذكرون حمص "أبو إيهاب"[/caption]أهالي الحي
وعن لذة طبق الحمص الذي تميز به الشهيد محمد حشيمة يقول الشاب ثائر عسيلة من البلدة القديمة في القدس لم استطع تذوق الحمص بعد استشهاد محمد حشيمة "ابو ايهاب" على الرغم من انه طبق رئيسي في رمضان لكنه كان بطعم ونكهة خاصة ولم اشأ أن أتذوق غيره، ذهب "ابو ايهاب" وذهب طبق الحمص معه.
وعن جلسات الافطار برفقة الأصدقاء بعد تعب ووقت لصنع أطباق الحمص لتتناقل بين منازل البلدة القديمة يبين الحلاق سامر صلاح صديق الشهيد محمد حشيمة أن الحارة في هذا الشهر ناقصة وافتقدت لضحكات محمد ومزحاته ، ويتابع:" الحارة بلا ابو ايهاب ما بتسوى شي رغم كبر سنو الا أنه كان الصديق والرفيق للمقدسين في تلك الحارات".
يقول سامر كنا نجتمع سويا ونفطر برفقة بعضنا عندما يتراكم العمل عليه فنضع صينية الدجاج وطبق الحمص وتأتي ابنته ونجلس مقابل المحل ونبدأ بالافطار، لم نذق يوما بلذة طبقه المميز بدقة الجوز التي يصنعها.
نفتقده ونفتقد لكل دقيقة قضيناها معا، لقد كان يعطي الشهر الفضيل رونقا خاصا، والان يبدو الشهر الفضيل ناقصا هذا العام، يقول أهالي باب السلسلة في البلدة القديمة في القدس المحتلة.
من هو حشيمة؟
عرفه المقدسيون اجمع ونضاله التاريخي الطويل، لم يغب عن صلح عشائري ولا مناسبة اجتماعية ولم يترك فرحا ولا حزنا الا وبصمته كانت موجود.
محمد الحاضر في الصفوف الأولى في الدفاع عن الوطن والاعتداءات المتكررة، كان عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وله نضال واسع في ليبيا ولبنان وتونس والكويت والأردن، وما تحمله من مشاق حتى استطاع العودة للوطن الذي تمنى أن يحرره.
الرجل العسكري والجندي المجهول حاول أن يصلح في الوطن فكان جزء من المجتمع المقدسي "كان يحل مشاكل الناس، كان يكفل الأسرى، وعمل العديد من الأمور التي تركت بصمة في المجتمع الذي عاش لأجله" تقول ابنته اينار.
الحاج محمد سعدي حشيمة 62 عاما من القدس المحتلة رحل العام الماضي وغيبته رصاصة غدر عن مجتمعه الذي أحبه وأبنائه الخمس الفخورين بوالدهم الشهيد الذي ترك بصمة اجتماعية لن ينساها مقدسي قدم له مساعدة.
"سنكمل الطريق الذي علمنا اياها والدنا، وسوف نرفع رأسه عاليا، ولن نخذله ولن نقول ما يكرهه" هذه كانت كلمات أبناء الشهيد حشيمة.