شبكة قدس الإخبارية

شباب إقرث المُهجرة.. نموذج للعودة رغم أنف "إسرائيل"

ربيع عيد
"نكبة ولا مش نكبة، قرار تقسيم أو مش تقسيم، بموافقة اسرائيل أو بدونها.. إحنا رجعنا!" بهذه المقولة بدأ مجموعة من شباب أبناء وبنات قرية إقرث مشروع عودتهم الفعلية لقريتهم المهجرة عام 1948، والذي بدأ بتاريخ 5/8/2012 وحتى هذه اللحظة وهم يحرسون، يصونون، يرممون، يزرعون، ويعيشون على أرض إقرث كي يهيأوا عودة كاملة بكافة تراب الوطن، لتصبح إقرث أول قرية فلسطينية تُحقق قرار العودة شاء من شاء وأبى من أبى. لم يكن لديفيد بن غوريون القائل "الكبار يموتون والصغار ينسون" أن يتخيل أن مقولته هذه تحولت في إقرث إلى "الكبار يموتون والصغار يعودون"، وذلك بفضل مجموعة من "الصغار" الذين قرروا تصعيد نضال أهالي إقرث نحو العودة الحقيقية بعد أن رضعوا حُب إقرث من الكبار. تختلف مأساة تهجير قرية إقرث عن معظم كوارث التهجير التي حلّت بالشعب الفلسطيني في ربيع عام 1948. ففي حين قامت العصابات الصهيونية عشية النكبة بتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين بقوة السلاح والإرهاب والبطش، قرر أهل إقرث التشبث بأرضهم وحماية بيوتهم وأعراضهم من هول الاقتلاع والتهجير فتجلدوا وصمدوا على أرضهم حتى نهاية تلك السنة المشؤومة. وعندما جيش الاحتلال الإسرائيلية يوم 31 تشرين أول 1948 إلى القرية، التي أصبح سكانها مواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية، اختار قادة ذلك الجيش سبيل الحيلة والخداع لاقتلاع الإقرثيين من أرضهم وبيوتهم ولتبدأ منذ ذلك اليوم الأسود رحلة التشتت واللجوء ومسيرة النضال والكفاح لتحقيق حلم العودة.

nn

تقع قرية إقرث على أعالي جبال الجليل الغربي، وتبعت إداريا حتى عام النكبة لقضاء عكا التي تبعد عنها 25 كيلومترا من الجهة الشمالية الشرقية للمدينة. بلغ تعداد الإقرثيين سنة 1948 490 نسمة، وضم مُسطح القرية 70 دونما. في وسط القرية تربعت، ولا تزال شامخة، كنيسة السيدة للروم الكاثوليك وهي الطائفة التي ينتمي إليها جميع سكان القرية. إلى جانب الكنيسة نشطت مدرسة ابتدائية درس فيها أطفال القرية وفتياتها. [caption id="attachment_6865" align="aligncenter" width="576"]كنيسة السيدة مريم في القرية كنيسة القرية[/caption] من أسبوعين إلى 65 عاماً بعد بضعة أشهر على قيام دولة "اسرائيل" وبالتحديد يوم 31 تشرين أول 1948، دخلت الكتيبة 92 التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى منطقة القرية وكان دخولها في إطار حملة "حيرام" التي بدأها الجيش لفرض سيطرته على الحدود الشمالية للدولة العبرية الجديدة. وطلب من الأهالي إخلاء بيوتهم لمدة أسبوعين بحجة قيام الجيش ببعض المناورات العسكرية القريبة والتي يمكن أن تُعرّض سكان القرية للخطر. حلّ الإقرثييون ضيوفا على أهل قرية الرامة وبعد مرور الأسبوعين مُنعوا من العودة كما وُعدوا فتبين للسكان أنهم وقعوا ضحية لمؤامرة مدبرة حاكتها السلطات الإسرائيلية لتهجيرهم من بيوتهم، و امتد الأسبوعان حتى يومنا هذا. المحكمة تسمح بالعودة والجيش يُدمر القرية توجه أهالي القرية إلى المحكمة العُليا  الإسرائيلية بطلب استصدار أمر من وزير الأمن الإسرائيلي ومن مجلس الوزراء الإسرائيلي يسمح بعودة أهالي إقرث إلى بيوتهم. فأصدرت المحكمة قرارها التاريخي رقم 64/51 والذي يُلزم وزير الأمن بالسماح لأهل إقرث بالعودة إلى قريتهم واستعادة أملاكهم كاملة. صدر القرار المذكور من أعلى هيئة قضائية في "إسرائيل" وبقي حبرا على ورق حتى يومنا هذا. لم يكتف جيش الاحتلال والسلطة السياسية بتجاهل قرار قضائي صادر عن محكمة العدل العليا فحسب، بل اختارا أن يسحقا أي فرصة لتحقيق العودة. وفي ليلة 24 كانون الأول 1951، في ليلة عيد الميلاد الرابعة التي يحتفل فيها الإقرثيون بميلاد السيد المسيح وهم لاجئون مُهجرون، نفذت قوات الجيش جريمتها البشعة ودمرت القرية عن بكرة أبيها ولم يبقى من فعلتها سوى الكنيسة والمقبرة . في سنة 1953 تممت السلطات جريمتها بمصادرة أراضي القرية ووضعتها تحت تصرف دائرة أراضي "إسرائيل". واصل الأقارثة نضالهم الشعبي والجماهيري والقانوني، وحصلت العديد من التطورات والوعود وقرارت محاكم جديدة تقر بأحقية عودتهم إلا أن أمرا لم يتغير على أرض الواقع في ظل رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بتنفيذ قرار المحكمة العُليا. في نفس الوقت الذي واصل فيه أهالي القرية تنشئة الأجيال الجديدة على تاريخ قريتهم من خلال الزيارات والمخيمات وتنظيم النشاطات والأعمال التطوعية المختلفة وإحياء الكنيسة بهدف إبقاء حلم تحقيق العودة حي في نفوس أهلها وشبابها.

iq1

 على مدار 65 عاماً لم يترك أهالي البلد أرض إقرث، وحاولوا بشتى الطرق مواصلة إحياء القرية واسمها وقضيتها محلياً، قطرياً وعالمياً. انتماؤهم وإخلاصهم ونضالهم جنى ثمارا في بعض الحالات، لكن من أهم وأعظم ما حقق نضال اهل القرية هو تمكين أهل القرية من التواجد الدائم على أرض إقرث أحياءً وليس أمواتا، إذ تسمع "إسرائيل" بالعودة فقط من خلال دفن الأموات في المقبرة.

87

الجيل الثالث يُكمل الطريق ويُصعد لم يعد يرضى أبناء الجيل الثالث لإقرث الوعود الكاذبة وقرارات المحاكم الإسرائيلية، فقرروا العودة بأنفسهم للعيش في القرية منذ ثمانية أشهر. أكثر من عشرين شاب وشابة يسكنون القرية بشكل دائم، يذهبون للعمل أو التعليم في الصباح ويعودون لإقرث، يتقاسمون ورديات البقاء الدائم في القرية فيما بينهم ولا يتركونها أبدا.

0306665_250957318360047_1910185379_n

تحولت إقرث بيتهم الفعلي وليس الحلم كما السابق، أحضروا معهم مستلزمات الحياة اليومية واستقروا، إذ أصبحت البلدة حية بشبابها الذين حولوها لرمز حقيقي لحق العودة والتي بدأت تستقطب المئات من المتضامنين مع قضيتهم من البلدات العربية في الداخل الذين يزورونهم ويستمعون لقصة القرية ويأكلون ويسهرون معهم. أنشأوا صفحة على الفيسبوك تحت عنوان " إقرث - لم نبقى لاجئين، عُدْنا" للتواصل ونشر أنشطتهم وتفاصيل عودتهم وحياتهم اليومية من زرع للأشجار وبناء قن دجاج وزرع الأرض واستقبال الوفود وتنظيم مسارات في الطبيعة في أرجاء القرية واستكشافها. hhhh لم تكن عملية العودة بهذه السهولة، فهم يتعرضون لمضايقات مستمرة من قبل شرطة الاحتلال ودائرة أراضي "إسرائيل"، إذ تم أكثر من مرة هدم أي مبنى جديد حتى قُن الدجاج، كما تم قلع العديد من الأشجار والمزروعات. اضافة الى أن فترة فصل الشتاء لم تكن سهلة كون الغرفة الملاصقة بالكنيسة والتي يسكنون بها غير مُعدة بشكل كامل بكل التجهيزات المطلوبة للسكن. بالرغم من ذلك، هذه العقبات لم تمنعهم عن إصرارهم بمواصلة ما بدأوا.

nnn

 يناضل الإقرثيون في سبيل الدفاع عن حق ملكيتهم للأرض والعقار في قريتهم الأم، وعن حقهم في العودة إليها وإعادة اعمارها. انطلاقا من هذه الحقوق، يطالب السكان بما يلي: اعتراف الحكومة الإسرائيلية بمسؤوليتها الأخلاقية والقانونية عن الظلم الذي وقع على أهالي إقرث، سماح الحكومة الإسرائيلية بعودة الأهالي إلى قريتهم الأم، إقرث، إعادة بناء إقرث على أراضيها، تعويض السكان عن هدم بيوتهم ومبانيهم وتدمير المحاصيل الزراعية وعن الألم والمعاناة على مر السنين، وإبطال أوامر المصادرة والإغلاق الإدارية. حقٌ لن يضيع خلال لقائك بشاب إقرث تدرك أنه لا مجال للتراجع، وأن حق العودة يُنتزع، وبحاجة لعمل جماعي وتخطيط وإصرار دائم. ربما لا يعرف الكثيرون قصة إقرث وما يقوم به شبابها اليوم، لكن بالتأكيد أن نضال أهالي إقرث سَيُحفر في تاريخ القضية الفلسطينية وسيكون مُلهما لقرى مُهجرة أخرى لتحذو حذو إقرث، فكل متابع لقضية إقرث يؤكد لك أن إقرث اليوم المليئة بالحياة تخطو مرحلة جديدة ومتقدمة نحو تحقيق الحلم، فأن تزور إقرث يعني أن تشعر أن العودة باتت أقرب. من الفعاليات الشبابية في القرية: