شبكة قدس الإخبارية

هنادي أبو قنديل.. حكاية "أخت رجال" في سجون الاحتلال

ديالا الريماوي

جنين- خاص قدس الإخبارية: بين أزقة المخيم، صور وأسماء وحكايات، تحاول أن تقرأ الأسماء المطبوعة على الملصقات كلها، تقف متأملا في صورهم، تقرأ ما كتب أسفل الصورة، فقبل كل أسم يسبقه مسمى الشهيد أو الأسير، إذا أردت أن تقرأ كل تلك الملصقات قد تستغرق 60 دقيقة أو أكثر، تطرح تساؤلات كثيرة عن قصص وحكايات هؤلاء الأشخاص، تجد الأجوبة عند من صمد لعشرة أيام.

في منزل نمر أبو قنديل الواقع في أول مخيم جنين، صور عديدة تملأ جدران المنزل، هنادي نمر تأخذنا في جولة تعريفية: "هذا أخي يوسف أسير محكوم مؤبد، أخي سيف أسير محرر، أخي معين أسير محرر، والدتي هي أيضا أسيرة محررة، أخي الأصغر فداء رحمه الله استشهد وهو بعمر 17عاما".

[caption id="attachment_67932" align="alignleft" width="400"]11267611_10205767206996004_2029481029_n هنادي وأخوانها الأسرى... لم تسمح لهم سلطات السجون باللقاء فجمعت صورا لهم في صورة واحدة.[/caption]

هنادي (33 عاما) هي أيضا أسيرة محررة، تروي لـ"شبكة قدس" حكاية أسرها: "في 15-7-2004 اقتحمت قوات الاحتلال المخيم، توجهت قوة عسكرية إلى حارتنا، اقتحموا بيتنا كنا نعتقد أن جاءوا لهدم المنزل".

عائلة نمر كانت تتوقع أن يتم هدم بيتهم في أي لحظة، لأن يوسف استهدف بروفيسور إسرائيلي، وكان الاحتلال يبحث عنه، حتى نصب كمين له وتم استدافه لكنه لم يستشهد، بل كان وضعه الصحي صعبا، عائلته كانت تتوقع في أي لحظة أن تتلقى خبر استشهاد ابنها، بعد أن تم اعتقاله ونقله إلى مستشفى العفولة، كان ذلك بتاريخ 5-7-2004.

بعد اقتحام منزلهم تم وضعهم في غرفة واحدة، أغلب من كان يتواجد بالبيت نساء، لأن الرجال منهم من كان معتقل ومنهم من كان يعمل في الأجهزة الأمنية، طلبت قوات الاحتلال من النساء بطاقات الهوية، بدأوا بمناداة الأسماء حتى وصلوا إلى أسم هنادي، وقفت هنادي وقالت نعم، نظر عليها الجندي ثم انسحب إلى غرفة ثانية.

تضيف هنادي نادى علي الجندي وطلب مني أن أقول أسمي الرباعي، ثم أمرنا أنا وفداء أن نذهب لتبديل ملابسنا، على الفور سألته أمي "إلى أين؟" أجابها سنأخذهما معنا، خرجت هنادي ووقفت أمام أمها لتودعها وقالت لها:" ادعي لي وليوسف، سأكون عند حسن ظنك".

لم تكن هنادي تتوقع أنه سيتم اعتقالها والتحقيق معها، بل كانت تظن أن اعتقالها وسيلة ضغط على يوسف للإعتراف، تحركت القوة العسكرية مغادرة المخيم، نظرت هنادي إلى البيوت التي تمر منها وجدت أن الصغير والكبيرة يقف على النوافذ، تقول" ازددت قوة بهم"، نظرت هنادي إلى الخلف لتتفاجئ بوجود ما يزيد عن 40 جيب عسكري يرافقهم، إضافة إلى جيب للمخابرات الإسرائيلية.

نقلت هنادي وفداء إلى معسكر سالم، وأثناء الطريق كان الجندي يركل هنادي بقدميه، وبدأ الجنود بسب وشتم أسماء مطلوبين من المخيم، مالت هنادي باتجاه فداء وقالت له لا تتكلم أنهم فقط يحاولون استفزازانا لنقول شيئا".

بعد أن وصلا إلى المعسكر، تم فصل هنادي عن فداء، وتم وضعها في غرفة التحقيق جاء محقق بزي مدني أخبرها أنه طبيب وجاء ليتأكد أنها لا تعاني من مرض ما على الرغم أنها أخبرته أنها بخير، لكن في حقيقة الأمر كان يريد أن يفحص النبض والضغط ليتأكد إذا ما كانت خائفة ومتوترة أم لا.

التجارب السابقة لأمها وأقاربها المعتقلين كانت بمثابة خبرة لها، فهي كانت تعرف كل ما يمر به الأسير، لكنها كانت تردد جملة واحدة " يا رب تثبتني وتصبرني".

[caption id="attachment_67933" align="alignleft" width="400"]هنادي احتفظت بجميع حاجياتها والرسائل التي كانت تصلها من عائلتها حتى اليوم هنادي احتفظت بجميع حاجياتها والرسائل التي كانت تصلها من عائلتها حتى اليوم[/caption]

70 يوما في التحقيق

في اليوم التالي تم نقل هنادي إلى سجن هشارون بالبوسطة بعد أن تم تفتيشها بدقة، وعند وصولها إلى السجن بدأت تتذكر ذلك السجن الذي كانت تزور فيه والدتها عندما كانت بصف الثالث ابتدائي، نقلت هنادي إلى غرفة التحقيق فور وصولها وجاء ضابط السجن للتحقيق معها، وجه لها عدة تهم بينها مساعدة أخيها يوسف كتحذيره من القدوم إلى المخيم ومساعدات أخرى، كما اتهمها بالتخطيط لعملية استشهادية وتجنيد استشهاديات.

بعد انتهاء التحقيق ليوم واحد فقط نقلت إلى إحدى الأقسام، في سجن هشارون كان يقبع فيه 40 أسيرة موزعين على 12 غرفة، بقيت هناك 4 أيام وفي اليوم الخامس تم نقلها إلى المحكمة، تقول هنادي:" الأسيرات معنوياتهن عالية ويرفعن من معنويات الأسيرات الجدد، أخبروني أنه قد يكون افراج أو تمديد تحقيق أهم شيء لا توقعي على أي ورقة، اصمدي وكوني قوية".

مددت المحكمة لهنادي التحقيق لمدة 15 يوما، وبقيت المحكمة تمدد لها حتى بقيت في التحقيق 70 يوما لم تعترف فيها هنادي على أي شيء وأنكرت كل التهم الموجهة والملفقة لها. أول أسبوع من التحقيق في الجلمة لم يتم سؤالها غير سؤال واحد "ما أسمك، أنت أخت يوسف؟"

عانت هنادي كثيرا أثناء التحقيق، إذ كان المحققين يشتمونها، ويضربونها، أخضعوها لآلة الكذب أربع مرات، تم وضعها في زنازنة لا تليق بالبشر، هددوها بأنهم سيجلبون أخيها يوسف من المستشفى وكذلك عائلتها، واجهوها بمعتقلين ذكروا أسمها تحت التعذيب لكنها رغم ذلك أنكرت كل شيء.

إنكار هنادي وتصميمها على عدم الاعتراف بأي شيء أغضب المحققين بعد شهر كامل من "عنادها" كما يقول المحققين، ما استدعى أن يتدخل مسؤول المحققين، جاء إلى الغرفة غاضبا يشتم ويسب ويصرخ بصوت عال، هنادي كانت طيلة فترة التحقيق مقيدة إلى الخلف، لم تكن قادرة على صفعه وضربه، فبصقت عليه.

تتابع هنادي:" بعد أن بصقت عليه، ضربني بقوة على رأسي، سقطت على الأرض بعد أن جاء جبيني بحافة الطاولة، بدأ مكان الجرح بالانتفاخ لكنني خضعت لعملية جراحية بعد خروجي من السجن".

انتهى التحقيق مع هنادي بعد 70 يوما لعدم وجود اعترافات تدينها، خلال تلك الفترة لم ترى محام أو أي أحد من الصليب لأنها كانت ممنوعة من أي زيارة، نقلت بعد ذلك إلى سجن الرملة، وتصف هنادي البوسطة بأنها عذاب آخر من عذابات الأسر، إذ كان يمنع على الأسير استخدام الحمام، أو تناول وجبة أثناء التنقل، إضافة إلى مقاعد الحديد التي يجلس عليها الأسير لفترة طويلة.

لقاء في الأسر

بقيت محكمة هنادي تؤجل ست مرات، وكان يفترض في المحكمة السادسة أن تعقد جلسة لها ولأخيها يوسف، فرحت كثيرا رغم مرضها وكانت تنتظر المحكمة على أحر من الجمر لأنها كانت السبيل الوحيد لرؤية يوسف، لكن ما حدث يومها أن إدارة السجن كانت مخطئة ولم يكن لها محكمة.

انتظرت مطولا في زنازين السجن، تحاول أن تسترق النظر داخل زنازين الأسرى لأنها رأت عكازتين أدرك أنهما ليوسف، استطاعت هنادي أن ترى أسرى من مخيم جنين تحدثت معهم وعبروا لها عن فخرهم بها، إذ كان لقبها "أخت رجال.

بعد ساعات من الانتظار جاءت قوة "النحشون" لإعادة هنادي إلى سجن الرملة، أخبروها أن تم عن طريق الخطأ نقلها ولا يوجد لها محكمة، عندما وصلت السجن اجتمعت الأسيرات من حولها سألتها:" هل رأيت يوسف؟" أجابت هنادي يكاد يسمع لا.

تكمل هنادي:" جاءت عندي أسيرة كنا نعتبرها أمنا لأنها كبيرة بالعمر اسمها أم نصر، سألتني لم تقابلي أخيك؟ حضتنتها وقلت لا، وبدأت بالصراخ والبكاء بصوت عال".

حكم على هنادي سنة وغرامة مالية 2000 شيقل، إضافة إلى إقامة جبرية لمدة 5 سنوات، خلال فترة الأسر تقدمت هنادي بطلب لزيارة أخيها، وتمت الموفقة عليه رغم يقينها أنها سوف ترفض، ونظرا لأن الأسيرات لا يستطعن أن يذهبن إلى سجون الأسرى، كان يتم نقل الأسرى إلى سجون الأسيرات.

في اليوم الذي كان مقررا فيه الزيارة، لم يكن يوسف ضمن الزائرين، لأن نقلهم بالبوسطة تسبب بتأخرهم، فكانت الزيارة في اليوم التالي، تقول هنادي:" كنت أجلس على الكرسي أنظر من خلال الحائط الزجاجي على الدرج، أرغب بكسره وجلب يوسف سريعا".

بعد أن شاهدت هنادي أخيها، تمنت أنها لم تره لأنه كان في وضع صحي صعب، لدقائق بقيت هنادي عاجزة عن الكلام مصدومة، في حين يوسف كان يوسف يجلس أمامها ويبتسم.

أما عن الافراج، تصف هنادي تلك الفرحة بالفرحة الكبرى التي لا تضاهيها فرحة ثانية، لكنها بقيت ناقصة لأن أخويها يوسف وسيف ما زالا يقبعان في الأسر، كذلك أسيرات كن أخوات لها طيلة عام.