شبكة قدس الإخبارية

الأسير المقدسي "أيمن سدر" بطل من القرن العشرين

وضاح عيد

أحرار للأسرى وحقوق الانسان – محمود مطر: في السجن عالم آخر تزدحم فيه بطولات الأسرى العظام وقصص تضحياتهم الأسطورية، عالم مليء بأسماء شخوص سطروا دروسا وصاغوا معاني للصبر والصمود، رغم ضيق المحنة وضيم السجان الذي يحكم قبضته عليهم بشدة.

واحد من أولئك الأسرى ينحدر من القدس، تلك المدينة التي فتنت بروعتها وصمود أهلها كل حر، هو الاسيرالمقدسي أيمن عبد المجيد عاشور سدر، الذي مضى من عمره ثمانية وأربعين عاما نصفها تقريبا خلف الأسوار وبين عتمات الزنازين المظلمة بجور أهلها المحتلين. عشرون عاما مرت عليه وهو في عالم السجون يكبر كل يوم بصموده وصبره كما يكبر به العمر، قبل ذلك لم يكن أيمن ليرضى ببقاء المحتل على أرضه دون أن يحرك ساكنا، فعمل واجتهد وبذل ما في وسعه للذود عن وطنه المسلوب من اهله بعد نكبة عام 1948. الساعة السابعة والنصف مساء كصاعقة مدوية كان وقع صوت قارئ الأخبار في إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي الناطقة بلغة أهل الأرض المحتلة، وهو يتلو خبرا مفاده ان محكمة الاحتلال العسكرية حكمت على الأسير أيمن سدر بالسجن مؤبد وعشرون عاما إضافية، تلقفته آذان السيدة سهير محمد حلواني زوجة الاسير أيمن وهي جالسة في منزلها قرابة الساعة السابعة والنصف في أحد مساءات عام 1997 باندهاش وصدمة، إذ لم تكن تتوقع أن يصل الحكم بحقه لهذا الحد. قبل ذلك بعامين وتحديدا بعد اعتقاله عام 1995 مكث الأسير أيمن سدر مدة خمسة شهور في مركز تحقيق المسكوبية في القدس، تعرض خلالها لصنوف عدة من التعذيب والألم، بدءا من “الشبح” وتعريضه للتبريد وليس انتهاءً بأسلوب “الهز”، أساليب اتبعها معه محققو جهاز “الشاباك” الإسرائيلي بغية الضغط عليه وإجباره على الإعتراف. لكن لم يكن الأسير سدر من ذلك النوع الذي يلين وقت الشدائد، بل أبدى صمودا طوال فترة التحقيق كما تروي زوجته “أم محمد” في حديثها لمركز “أحرار” للأسرى وحقوق الإنسان. بقي الأسير أيمن سدر يتنقل طوال أول عامين من اعتقاله بين محاكم الاحتلال في اللد والمسكوبية، زوجته التي لم يكن يتجاوز عمرها في ذلك الوقت العشرين ربيعا تحمل رضيعها الصغير وابنها الوحيد “محمد”، والذي رزق به الأسير قبل اعتقاله بقرابة أربعة شهور، وتتوجه به لحضور جلسات محاكمة زوجها الأسير الذي ترك لها ثقل ألقي على كاهلها منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، فتربية “محمد” مسؤولية ومهمة شاقة كانت زوجة الاسير أهلا لها. الاعتقال في الثالث عشر من شهر أيار عام 1995 والذي كان يصادف عيد الفطر، اعتقلت قوات الاحتلال أيمن سدر على معبر بيت حانون أثناء عودته من قطاع غزة لمدينة القدس، كان حينها يستقل سيارة خاصة به. قبل ذلك بأيام طلب أيمن من عائلته إحضار زوجته لمنزلهم دون أن يذكر لهم السبب، وعند اعتقاله هاجمت قوات الاحتلال منزله وعاثت به خرابا وفتشت كل محتوياته، ولم تكن زوجته وابنه الوحيد “محمد” حينها في المنزل، عندها عرفت العائلة أن أيمن كان يتوقع حدوث أمر ما، وهو ما دفعه لطلب خروج زوجته من منزله. عاشت عائلة أيمن الأيام الأولى لاعتقاله قلقة عليه، إذ كان مجهولا بالنسبة لهم مصيره، ولم تفلح محاولاتهم بالبحث عنه بالوصول لأي نتيجة، حتى تبين بعد ذلك عن طريق أحد معارف العائلة الذي كان يقوم بزيارة قريب له في مركز تحقيق ” المسكوبية” أن أيمن معتقل هناك. مقاومته بتهمة نشاطه في حركة “حماس” اعتقل الاحتلال أيمن في 1991 لمدة ستة شهور، وبعد تحرره زادت حدة عمله الجهادي، فانتقل وبشكل فردي لتشكيل خلية عسكرية في الضفة الغربية بهدف خطف جنود ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين. وبالرغم أن الخلية بدأت طريقها بجهود وتمويل شخصي من قبل أفرادها الخمسة، ولم يكن لها ارتباط أو صلة مباشرة بقيادة كتائب القسام، إلا أن كتائب القسام عندما علمت بوجود تلك الخلية، تم الاتصال بها ليسافر أيمن بعد ذلك لقطاع غزة للقاء القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف. وعمل أيمن بعد ذلك على إكمال عمله في مهمة جديدة أوكلتها له كتائب القسام وهي تنفيذ عمليات إستشهادية في القدس، وكان دوره توصيل إستشهاديين للمكان المطلوب. كان لأيمن دور بارز في تنفيذ عمليات إستشهادية في مدينته القدس المحتلة، وساهم في تجنيد مقاتلين جدد في كتائب القسام، كما ساهم في نقل أسلحة وأموال من غزة للضفة بهدف دعم عمليات مقاومة ضد الاحتلال. بعد اعتقاله وجه له الاحتلال العديد من التهم من بينها المشاركة في الإعداد وتنفيذ عمليات استشهادية في القدس، والاتصال مع الشهيد يحيى عياش وقائد كتائب القسام محمد الضيف. فخر واعتزاز منذ اللحظات الأولى التي سمعت بها “أم محمد” خبر حكم زوجها تسلحت بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وتحملت عناء ومشقة مسؤولية مرحلة جديدة من حياتها تخلو من رب الأسرة، فعكفت على تربية ابنها محمد حتى أصبح شابا يبلغ من العمر واحد وعشرين عاما. ورغم الألم الذي يعتصر قلبها لغياب زوجها كل تلك السنوات الطويلة، إلا أنها تتحدث عنه بلهجة مليئة بالفخر والاعتزاز به وبما فعله وقدمه، نفس الأمر ينطبق على ابنها محمد حيث تقول لمركز “أحرار” للأسرى وحقوق الإنسان: كنت أبث في نفس محمد منذ صغره حب والده كي يبقى متعلقا به، ولم أسمح للناس بالنظر لي نظرة شفقة لأني زوجة أسير. وتصف أم محمد زوجها بأنه محبوب وذو شخصية إجتماعية، ويحب خدمة إخوانه حتى وقت الشدائد داخل الأسر، ويؤثر على نفسه الكثير من أجل غيره، وحتى أثناء وجوده داخل السجن إلا انه أضرب عن الطعام عام 2012 من أجل إخوانه الاسرى الإداريين، والأسرى المعزولين حينها. طموح يدعمه الزوج الأسير تستعد السيدة “أم محمد” إكمال تعليمها الجامعي الذي بدأته أصلا بعد اعتقال زوجها، وبناء على دعم وتشجيع من زوجها الأسير حصلت عام 1998 على شهادة الثانوية العامة، وأكملت تعليمها الجامعي وحصلت على شهادة البكالوريوس تخصص شريعة إسلامية من جامعة القدس “أبو ديس”، وحصلت على شهادة الدبلوم تخصص تأهيل تربوي من جامعة بيت لحم. تقول “أم محمد” لقد أمدني زوجي بالصمود والصبر، وعندما حصلت على شهاداتي الجامعية فرح وهو داخل الأسر، وأقام احتفالا مع إخوانه الأسرى،وتوضح أنها تسعى لنيل درجة “الماجستير” في مجال تفسير القرآن الكريم، أو التنمية البشرية من إحدى الجامعات. أشواق للحرية لم يتمكن الأسير أيمن سدر من التحرر والخروج من السجن في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، رغم أن اسمه كان مدرجا في قوائم الأسرى الذين تحرروا حينها، إلا أن الاحتلال رفض الإفراج عنه لأنه من الأسماء المتحفظ عليها كما بنظر الكيان الإسرائيلي. ومع تجدد الحديث حول صفقة مستقبلية لتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، تنتعش آمال الأسرى وعائلاتهم بفرج قريب بانتظار “وفاء الأحرار” الثانية، وتقول “أم محمد” لـ “أحرار” ننظر للأمر بكل أمل وثقة أن اسم زوجي سيكون من أوائل الأسماء التي ستدرج حين إبرام صفقة تبادل جديدة، وننتظر بشغف اللحظة التي يتحرر منها زوجي من الأسر لا سيما بعد عشرين عاما متواصلة أمضاها داخل الأسر. يعد الأسير سدر الذي يقبع حاليا في سجن “ريمون” الصحراوي من عمداء الحركة الأسيرة، وهو ثاني أقدم أسير مقدسي بعد الأسير محمود عيسى المحكوم بالسجن ثلاثة مؤبدات و46 عاما، وقد أضاف الاحتلال قبل عام  خمس سنوات إضافية على الحكم الأصلي للأسير سدر بتهمة محاولة إدخال أجهزة خلوية للأسرى داخل السجون. وتروي “أم محمد” حادثة وقعت مع زوجها داخل الأسر بعد صفقة “وفاء الأحرار”، فقد جاءه أحد ضباط الاحتلال داخل السجن وسأله مستغربا: ألم يكن من المفترض أن تكون خارج السجن حاليا؟، فأجابه الأسير أيمن بكلمات تنم عن ثقة عميقة وإيمان راسخ بنصر الله وفرجه:” لا تخف ستخطف المقاومة جندي آخر كي يخرجوني من الأسر”.