شبكة قدس الإخبارية

عن حكومة حماس وهوسها بالأعضاء التناسليّة

محمود عمر
إنّ سوء الظنّ بالسلطة يكون دومًا في محلّه. الحكومة سيئة ولا تحبّك ما دمت لست من جماعتها. الإغراء الذي تمنحه المكاتب المكيّفة وأجهزة الأمن المتفرعة والقدرة على القمع ضمن نطاق رسمي إغراء مقاومته أصعب من مقاومة إسرائيل. كيف والحكومة، حكومة غزّة التي لا تحبّك، قد خرجت من رحم الاسلام السياسي المتنعّم بمظلوميّته والذي لا يريد أسلمة الحاضر فحسب، بل ومحو التّاريخ بقديمه وقريبه، واحتكار الحقّ في استشراف المستقبل وكتابته نسخًا ورقعة. للحفاظ على الثوابت وحماية الهويّة الوطنيّة والاسلاميّة لفلسطين، ومراعاة «الخصوصيّة الفلسطينيّة» ولمقاومة التطبيع. تلك هي المبررات التي ساقها وزير التعليم في حكومة حماس بغزّة في معرض حديثه عن قانون التعليم رقم 1 الذي تمّ إقراراه مؤخرًا. القانون الذي اختلط فيه الغثّ بالسمين، وكان في بنوده دسًا للسمّ في العسل، يمنع فعلاً أي مؤسسة تعليميّة من استقبال وفود إسرائيليّة أو استقبال تبرعات من جهات مرتبطة بالدولة العبريّة، وهو جهدٌ مشكور. لكنّ القانون ينصّ على ما هو أكثر من ذلك. منع الاختلاط بين الجنسين منعًا باتًا في كل المؤسسات التعليميّة، عامّة وخاصة، بعد الصّف الرابع الابتدائي. أمّا بند القانون الأهم، والأكثر دلالة على عقليّة من كَتب القانون وأقرّه، هو إقرار «تأنيث» مدارس الفتيات. لنكن موضوعيين ومنصفين، فنحن نتحدث عن الحكومة التي حمت ظهر المقاومة التي قصفت تلّ أبيب، أليس كذلك؟. بموضوعيّة وإنصاف نقول أنّ الغالبية العظمى من المدارس في قطاع غزّة، سواء كانت تابعة لوكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) أو للحكومة لا اختلاط فعليّ فيها بعد الصّف الرابع الابتدائي. ذلك هو الحال اليوم كما كان من قبل، ولا أحد يدّعي خلاف ذلك. الاختلاط ما بعد الصّف الرابع الابتدائي موجود، بنسب محدودة، في مدارس خاصّة كالمدرسة الأمريكيّة ومدرسة النصر النموذجيّة وعباد الرحمن، ويتلخّص في فترات الفسحة بين الحصص، لا داخل الفصول. ليس الخلاف والاختلاف مع هذا القانون نابعًا من كونه يفرض حالة مُغايرة أو يدعو شعبًا منحلاً عن آخره كي يتديّن. الخلاف والاختلاف ينبع، في جزء كبير منه، من حقيقة أنّ ما هو موجود، ما هو عادي، لا يجب أن يُسمح للحكومة أن تقوننه وفق رؤيتها التي هي، بالضرورة، تعبّر عن رأي متفرّد، وتقتصر على مرحلة راهنة. كيف والحال أن الحكومة وهي تسنّ هذه القوانين وتجلعها أمرًا واقعًا إنما تفعل ذلك وهي مُقالة، وفي ظلّ مجلس تشريعي مفكك، وعلى حفنة من الشعب الفلسطيني تصادف أنّها تقطن قطاع غزّة، وتفعل ذلك وهي تتشدّق بمصطلحات كبيرة كالثوابت والهوية والخصوصيّة. أمّا «تأنيث» مدارس الطالبات فهذا الذي سيتطلّب تغييرًا ملحوظًا، وتنقلات واسعة. إذ من المعلوم، والعاديّ، أن العديد من مدارس الطالبات في قطاع غزّة (شادية أبو غزالة نموذجًا) تضمّ في جهازها التدريسي مدرسين -ذكور- أكفّاء ممن تخرّج على أيديهم عشرات الطالبات اللاتي لازلن يمدحن أساتذهنّ. كتبت عروبة عثمان على الفيس بوك عن هذه العلاقة الخاصّة بين الطالبة والأستاذ بلباقة ودقّة وقالت: الحمد لله أنني تخرجت من مدرستي التي أفتخر بها حد الجنون (عباد الرحمن النموذجية الخاصة)، قبل أن يسري قانون التعليم الجديد عليها، وأُحرم من أساتذتي (الذكور) الذين حُفِروا في ذاكرتي، وبنوا شخصيتي التي أحب:D يفشل الخيال الحمساوي في أن يمسك بتلك اللحظة الانسانيّة البديعة، او أن يفهم أبجديّات العلاقات البشريّة التي لا دخل للنوع والأعضاء التناسليّة فيها. ما تفهمه حماس، حسبما نستشفّ من قوانينها وحملات فضيلتها وحديثها المتردد عن الزيّ الشرعي والأخلاق الحسنة، هو أنّ ما يعنيه وجود ذكر وأنثى في مكان ما هو الاختلاط، والرذيلة، واستجلاب «الغرب الكافر» إلى حظيرة الاسلام. لا مكان لما هو انسانيّ، لا مكان لاستيعاب أنّ الانسان ليس قضيبًا أو فرجًا فحسب، بل وعقلاً ووجدانًا ومشاعرًا وأفكار. كان أجدى بحماس أن تؤنّث عقلها، لا أن تسنّ قانونًا لتأنيث المدارس. كان أجدى بها أنّ تعرف أن الثوابت الفلسطينيّة هذه التي تتحدث عنها إنما دافع عنها النساء والرجال لا صفًا إلى صف، بل قلبًا إلى قلب. كان أجدى بحماس، ولا يزال، أنّ تكفّ عن التدخل في الفضاء العام في حيّز جغرافي عاث الحصار بشقّيه الفيزيائيّ والنفسي فيه فسادًا وتسرّب إلى قلوب كثيرين حتّى صار ثقبًا أسود أو يكاد.