بعيداً عن إنجازات الحكومة الفلسطينية المتواصلة لتحطيم الأرقام القياسية ودخول موسوعة جينيس في مواضيع لا ندري إن كان لدينا القدرة لتذكرها بعد مرور سنة، أجبر أهل قرية العراقيب الفلسطينية على دخول موسوعة جينيس، وحجز مكان في تاريخ المقاومة الشعبية للإحتلال من أوسع الأبواب وأكثرها شرعية عن طريق مقاومة المخططات الإسرائيلية لهدم قريتهم وتهجيرهم منها إلى مكان لا زال مجهولاً حتى اللحظة.
قرية العراقيب الفلسطينية
العراقيب قرية فلسطينية تقع في شمال مدينة بئر السبع في النقب جنوب فلسطين، وتعد واحدة من 45 قرية فلسطينية غير معترف بها من قبل "إسرائيل"، ويبلغ عدد سكان القرية حوالي يعيش 700 شخص. تشكل الأغنام والمواشي مصدر رزقهم الوحيد، نتيجة لطبيعة الأرض الصحراوية التي تفتقر إلى جميع الخدمات المختلفة، كما يعيش المواطنون ببيوت من الصفيح، وآخري عبارة عن خيام.
تعرضت القرية للهدم لأول مرة وبناء على خطة برافر بشكل كامل من قبل الجرافات الإسرائيلية صباح يوم الثلاثاء 27 تموز 2010، حيث هدمت أربعين منزلاً وأخلت نحو ثلاثمائة من سكانها، بحجة البناء دون ترخيص، فعاود سكان القرية بناءها من جديد لعدة مرات، ليتم هدمها مرة بعد أخرى، كان آخرها هدم جميع منازلها للمرة الثامنة والأربعين في تاريخ 13-3- 2013. وزعمت سلطات الاحتلال أن الهدف من إخلاء القرية هو إقامة غابة السفراء التي يتم دعمها من قبل مؤسسات وجمعيات إسرائيلية وغربية على حساب سكان العراقيب الذين لا يزالون يعيشون تحت وطأة الهدم المستمر حيث يعيدون بناء بيوتهم الخشبية والخيام بعد كل مرة يتم هدمها.
خطة برافر وقرية العراقيب كونها جزءاً من النقب المستهدف
يقول خبير الجغرافية والتنمية ومدير مركز عدالة القانوني د.ثابت أبو راس عن خطة برافر "لا نبالغ حين نقول إن "خطة برافر" ستتسبب بنكبة صغيرة أخرى نظرًا إلى أنها تتضمن ترحيل 45 ألفًا على الأقل من العرب البدو من القرى غير المعترف بها".
صادقت حكومة "إسرائيل"، في نهاية العام 2011، على ما يعرف بـ "خطة برافر" لترحيل المواطنين العرب البدو من قرى غير معترف بها في النقب وتجميعهم في البلدات البدوية التي أقامتها السلطات الإسرائيلية في سنوات السبعين.
"خطة برافر هي خطة حكومية، تم إعدادها في أعقاب توصيات (قاضي المحكمة العليا ومراقب الدولة السابق) إليعازر غولدبرغ، بشأن إسكان البدو وحل قضية القرى غير المعترف بها وأراضي عرب النقب. وجاءت توصيات غولدبرغ بعيدة عن كل التوقعات كل ما يتعلق بالأرض وملكيتها، ولكنها أوصت بالاعتراف بأكبر عدد ممكن من القرى غير المعترف بها، ودعت إلى ’تبييض’ الغالبية الساحقة من البيوت العربية في النقب المهددة بالهدم.
وهذا يعني أن هناك جوانب إيجابية في توصيات غولدبرغ المتعلقة بالقضايا التخطيطية، لكنها أخفقت في القضايا الأساسية وبوضع حل يرضي عرب النقب. وقضت إحدى التوصيات بتشكيل لجنة لتطبيق توصيات تقرير غولدبرغ، وهذه اللجنة هي لجنة برافر. وعملت هذه للجنة الأخيرة على مدار سنتين ونصف السنة، ووضعت خطة بعيدة كل البعد عن توصيات غولدبرغ وعن قضايا عرب النقب ورغبتهم في حل قضاياهم. ولهذا السبب هم يعارضونها.فقد جاءت بشيء جديد مختلف عن توصيات غولدبرغ.
وبرافر نفسه الذي كان العام المنصرم رئيس قسم السياسات في ديوان رئيس الحكومة. وكان في عضوية لجنته سبعة أعضاء غيره، ولم يكن بينهم أي مواطن عربي من النقب، أي أنه لم يتم إشراك عرب النقب في تقرير مصيرهم، فضلاً عن أن خطة برافر غير قابلة للتطبيق." وتكمن خطورة خطة برافر في أن الخطة غامضة نوعاً ما لأنها غامضة جدا. فلا يوجد فيها اسم قرية واحدة، وليست واضحة ولا يمكن حتى فهمها. ويستشف من قراءة ما بين السطور أن الخطة تقضي بترحيل 30 ألف عربي في النقب عن قراهم وهدم أكثر من 25 ألف بيت، بينما تشير بعض الحسابات مثل حسابات مركز عدالة إلى أن الترحيل سيشمل أكثر من 45 ألف بدوي، بينما تحدثت ملفات ويكيليكس عن ترحيل 65 ألف بدوي، يعني كل سكان القرى غير المعترف بها تقريبا سوف يتم ترحليهم في المستقبل القريب.
وبجب الأخذ بعين الاعتبار أن "إسرائيل" تتحدث مبدئياً عن ترحيل 30 ألف مواطن بدوي من القرى غير المعترف بها، لكن الإحصاءات تشير إلى أن عدد سكان القرى غير المعترف بهم هو 90 ألف مواطن فلسطيني، فكيف يمكننا معرفة النوايا الحقيقية ووجهة التهجير التي سوف يتم ترحيل البدو إليها.
ومما يزيد الطين بلة أن الحكومة الإسرائيلية بعد صدور الخطة والمصادقة عليها في الكنيست أصبحت تعطي السكان البدو إخطارات بهدم البيوت وضرورة تفريغها خلال 48 ساعة من دون أن توضح لهم إلى أين سيذهبون. ومن الأمثلة على ذلك عمليات الهدم المستمرة التي تتعرض لها قرية العراقيب البدوية، ومن هذا المنطلق يتضح لنا الأساس الذي صممت لأجله خطة برافر والمتمثل في ترحيل البدو ليس إلى مكان أخر داخل حدود دولة "إسرائيل"، وإنما إلى مكان أخر خارج حدود دولة "إسرائيل"، مما يعني موجة هجرة قسرية جديدة وهذه المرة لن تكون إلى بلدات عربية في "إسرائيل"، وإنما تكراراً لمشهد عايشه الفلسطينيون عام 1948.
ماذا سيحصل لأهالي النقب؟
باختصار خطة برافر هي خطة إسرائيلية جديدة سوف تكون نتيجتها على المدى القريب موجة لجوء جديدة وسوف يكون هناك نوع جديد من اللاجئين الفلسطينيين وهو الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار على المستوى السياسي والإنساني.
إذا نجحت "إسرائيل" في تطبيق خطة برافر بشكل كامل فإن عدة أسئلة يجب أن نحاول إيجاد جواب عملي لها ومن هذه الأسئلة: من هي الدولة التي سوف تستقبل أولئك المهاجرين، هل ستقبل الأردن موجة جديدة من المهاجرين الفلسطينيين في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية والوضع السياسي المتوتر؟ أم أن الوجهة الأخرى سوف تكون مصر؟ وكيف ستتعامل مصر مع موجة هجرة فلسطينية في ظل التوتر السائد الذي يشوب العلاقات المصرية- الإسرائيلية؟ والأهم ما هو دور منظمة التحرير الفلسطينية في حماية أولئك المهجرين بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني أينما حل؟ وكيف ستتصرف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين مع 90 ألف مهاجر فلسطيني جديد في ظل الأزمات التي تعصف بها؟