رام الله- خاص قدس الإخبارية: لم يتمنى يوما أن يلتقي بوالده في زنازين الاحتلال، لكنه شعر بسعادة عارمة عندما استطاع أن يحضن والده بعد 12 عاما في سجن "عوفر" وليس من خلال رؤيته عبر حائط زجاجي يحول دونهما، فمن فرقهما جمعهما في سجونه ليمارس ظلمه خارج السجن وداخله، ويحرم ذلك الطفل الذي كان يبلغ من العمر ستة أعوام من والده عندما اعتقلوه.
أحمد الريماوي (20 عاما) من قرية بيت ريما غرب رام الله هو أصغر أسير إداري، وابن المعتقل إشراق الريماوي الذي اعتقله الاحتلال في بداية الانتفاضة الثانية وحكم عليه بالسجن 19 عاما. لم يكتفي الاحتلال أن يعتقل والد أحمد ويحرمهم منه بل قام أيضا بتفجير منزلهم في بيت ريما أثناء اجتياح القرية عام 2001، ليشتت العائلة ويزيد آلامهم وحسرتهم.
يعود أحمد إلى الوراء سنتين ونصف، مستذكرا كيف تم اعتقاله، بتاريخ 17-11-2012 كان عائدا من رام الله إلى قرية عبوين حيث كان يقطن بعد هدم منزلهم، كان ذاهبا لتقديم طلب الدور الثاني في مادة التربية الإسلامية لامتحانات الثانوية العامة، وعند حاجز عطارة كان الاحتلال قد نصب نقطة تفتيش ليوقف المركبات، وعند رؤية أحمد وأخذ هويته اعتقله هو وشابين.
أحمد يشكل خطرا!
[caption id="attachment_61729" align="alignleft" width="300"] أحمد تفاجئ أثناء التحقيق معه بملفات عسكرية لم تخطر في باله وتهمته "أنه يشكل خطرا على أمن إسرائيل"[/caption]يقول أحمد لـشبكة قدس:" بعد اعتقالي تم نقلي إلى سجن عوفر، لم أخضع لتحقيق، بل كان يتم نقلي من سجن عوفر إلى مركز استجواب للشاباك، لم يوجهوا لي تهمة واضحة ومحددة وأحد الضباط في المركز طلب مني التوقيع على ورقة كانت تتضمن بنود عديدة منها: ملفات عسكرية ثقيلة، وتشكيل خطر على أمن "إسرائيل".
أضاف أحمد أنه في حالة الاعتقال الإداري سواء وقع المعتقل على الورقة أم لا، الحكم سيكون ثابت لأن الملف يكون جاهزا، وفي حالة الاعتقال الإداري يتواجد الأسير وقاض عسكري ومحامي لا يحق له الاطلاع على ملف الأسير، وصدر الحكم الأول اعتقال لمدة ستة أشهر.
ويتابع لم أتوقع أن يتم حكمي ستة أشهر، بل كنت أتوقع أن يتم الإفراج عني كونه لا شيء ضدي كما أعلم، لكن علينا أن نتكيف مع الظروف كيفما كانت.
تسعة أشهر قضاها أحمد في سجن "عوفر" وحيد، لم يقبل طلبه الذي قدمه لإدارة السجن من أجل نقله إلى سجن "نفحة"، حيث كان يقبع والده إشراق، لأن الأسير الإداري كان يمنع نقله إلى "نفحة"، وهو ما دفع والده لتقديم طلب نقله إلى سجن عوفر.
اللقاء الأول
[caption id="attachment_61728" align="alignleft" width="300"] أحمد يلتقي بوالده داخل الأسر بعد 12 عاما من الفراق والحرمان[/caption]بتاريخ 24-4-2013 كان اللقاء الأول لهما وليس من خلال زيارته مرة كل شهر والحديث معه من خلال هاتف لأن هناك حائط زجاجي يحول دون سماع أو لمس الأسير، وصف أحمد اللقاء ب"درامي" قائلا:" لم نعرف ماذا يجب أن نفعل هل نبكي أم نضحك؟ كان موقف صعبا للغاية بكينا فرحنا وأبكينا من حولنا ربما فرحا لنا وحزنا على فراق قسري لأبنائهم، في ذلك اليوم استطعت أن أحضن والدي لأول مرة".
لم يكن والد أحمد يتوقع يوما أن يراه في السجن، لكن رغم ذلك يعتبر أحمد أن وجودوالده بجانبه في الأسر خفف كثيرا عنه في ظل اعتقاله، واستطاع أن يمضي وقتا أطول معه ليكن صاحبه قبل أن يكون والده.
يقول أحمد:" في لحظة من اللحظات كنت سعيدا بوجودي قرب والدي، وإن كان السجن هو الذي جمعنا، لكن في نهاية المطاف السجن لا يمكن العيش فيه لأنه من الصعب أن تجد فجأة شخص يتحكم بحياتك وتكون مجبر أن تعيش كيفما يريد".
تجديد حكمه الإداري
لم يكن الحكم الأول هو الأخير، بل جدد له الاعتقال خمسة مرات، ففي كل مرة كان أحمد ينتظر اليوم الأخير من مدة الحكم على أمل الإفراج عنه لكنه في أخر يوم له كان يتم تجديد اعتقاله، وذلك كوسيلة لتدمير نفسية الأسير وعائلته.
يبين أحمد كيف ينعكس الحكم الإداري على الأسير، فهو في كل مرة كان يهيئ نفسه للذهاب إلى البيت، لكن كان يفاجئ بتمديد اعتقاله، معتبرا أن أول تجديد له لم يكن وقعه عليه كما في الخمسة الأخرين، إذ تقبل الحكم في المرة الأولى لكنه بعد ذلك وبعد كل جلسة محكمة كان يشعر بضيق شديد ويعود وكأنه معتقل من جديد غير قادر على التفاعل مع أحد.
إضراب الأسرى الإداريين
[caption id="attachment_61730" align="alignleft" width="300"] كان أحمد رغم صغر سنه من أول المشاركين في إضراب الأسرى الإداريين عن الطعام العام الماضي[/caption]تم نقل أحمد إلى سجن النقب كمحاولة لتفريق عن والده، لكن والده تقدم بطلب نقل وتم نقله بعد فترة إلى نفس السجن. عاش أحمد في ذلك السجن تجربة جديدة كانت مرحلة قاسية على كل الأسرى الإداريين، فإضراب عام 2014 الذي خاضه الإداريين من أجل إنهاء سياسة الاعتقال الإداري ووضع حد لها، إذ كان أحمد أصغر الأسرى الذين خاضوا الإضراب.
أوضح أحمد أنها كانت فترة صعبة على الجميع، وعليه بالذات عندما أخبره والده بقراره أنه سيسانده في الإضراب وهو ما لم يتفق به أحمد مع والده، حاول إقناعه العدول عن رأيه لكن والده أخبره أنه إذا لا يريد أن يضرب هو في كلتا الحالتين يساند الأسرى.
انضم أحمد ووالده إلى الإضراب في اليوم السادس ليدوم إضرابه 57 يوما، استمر حتى نهاية الإضراب لأنه كان يفكر دوما بوالده الذي يسانده فلو أراد أن ينهي إضرابه سيشعر أنه خذل والده الذي يسانده، تم نقل أحمد ووالده إلى المستشفى خلال تلك الفترة، وكان وضعه الصحي صعبا، لأن الماء والملح كانت وجبتهم الوحيدة رغم كل المحاولات التي اتبعتها إدارة السجن لكسر إضرابهم.
في أخر جلسة محكمة له تم حكمه أربعة أشهر، وبعد تقديم محامي مؤسسة الضمير استئناف تم تخفيض الحكم إلى شهرين، وهو ليس الاستئناف الأول الذي قدمه محاميه إذ كانت كلها تقابل بالرفض، لم يكن أحمد يتوقع أن يفرج عنه بل وصل إلى مرحلة أن يتوقع أن يتم تمديد اعتقاله في اليوم المفترض أن يفرج عنه.
أحمد حر
[caption id="attachment_61731" align="alignleft" width="300"] أحمد لم يصدق عند خروجه من الأسر انه حر بسبب تكرار التجديد له[/caption]جاء قرار الإفراج الذي لم يصدق أحمد ما جاء فيه، لأنه كان يتوقع أن يأتيه قرار تمديد أخر، وهو ما لم يحصل لكن تأخرت عملية الإفراج عنه وهو ما جعله يظن كذلك، وعندما اقتربت اللحظة الحاسمة التي سيودع فيها والده السعيد الحزين، فعندما كان ينظر إليه كان يبتسم له، وحين يدير ظهره كان حزين وفي عينيه دمعه يحبسها رغما عنه.
يقول أحمد:" كنت أتمنى أن أخذ والدي معي، لكن أنا على يقين أن أبواب السجن لن تبقى مغلقة على أحد، أتمنى لكل أسير أن يفرح كما فرحت عندما التقيت بعائلتي".