شبكة قدس الإخبارية

أطفال اليرموك: رجعونا لفلسطين أو ارمونا في البحر

شذى حمّاد

لم يعد الشيبس، الشوكلاتة، والشاورما على قائمة الطعام المفضلة لأطفال مخيم اليرموك كباقي الأطفال، فيا حسن حظهم لو استطاعوا تناول العدس هذا اليوم، ويا فرحتهم الكبرى لو كان غدائهم المعكرونة.

 فالحصار المطبق على المخيم منذ ثلاث سنوات لم يترك في قوائم طعام منازل اليرموك سوى "عشبة أجر العصفور، البقدونس، والعدس"، كما لم يعد من السهل الحصول على السلة الغذائية من وكالة إغاثة اللاجئين،  بسبب رصاص القناصة.

[caption id="attachment_59949" align="alignleft" width="225"]أطفال لا تعدو أحلامهم بأكثر من أطفال لا تعدو أحلامهم بأكثر من "ساندويش" يسد رمقهم[/caption]

الموت جوعا

"في فلسطين وانتو بتحاربو الإسرائيليين، في حدا بموت من الجوع؟، ليش إحنا في اليرموك بنموت من الجوع؟"، تسأل الطفلة شهد رضوان (10) أعوام المحاصرة ووالديها داخل مخيم اليرموك.

على ساحل بحيرة طبريا، كان يجب أن تكون  شهد الآن تلعب وشقيقها محمد (11) عاما قرب بيت جدهم الذي ما زال يحملون مفاتحه، إلا أن التاريخ لم يأت كما يريد الفلسطينيين، فقذفهم إلى مخيمات اللجوء وصولا لمخيم اليرموك حيث يتربص الموت بالفلسطينيين، بخياريه الجوع أو الرصاص.

تقول شهد: "حياتنا مو حلوة، بدنا نطلع من المخيم، بدنا نشوف أهالنا، بدنا نعيش بأمان مثل زمان". يوم أو يومين وستعود المياه لمجاريها، هكذا اعتقد رضوان والد شهد مصرا على الصمود في المخيم حتى لا يذوق ويل التهجير الثاني، فهجرت عائلته بعد اشتداد الحصار ليبقى وطفليه وزوجته في المخيم.

"محرومين من كل أشي، حتى الأكل، بوكل باليوم مرتين وما بشبع"، تقول شهد التي لا تأكل سوى الحشائش والعدس كباقي المحاصرين في مخيم اليرموك منذ ثلاث سنوات، مضيفة، "كل يوم بنوكل عدس، الصبح والمسا، مشتهية أكل ساندويشة همبرغر، مشتهية كل الأكلات ما عدا العدس والمعكرونة والحشيش".

وتتابع،" بدنا نرجع لفلسطين أو يرمونا في البحر، ما بدنا نضل في المخيم، تعبنا كثير"، لا طبيب تراجعه شهد إن مرضت كما لا مدرسة جيدة، ولا مكان للعب، "لما نمرض بنضل شهر وإحنا تعبانين، ما في طبيب ولا في أدوية".

[caption id="attachment_59950" align="alignleft" width="400"]محاولات للخروج من أجواء الموت ومظاهر القتل بالموسيقى محاولات للخروج من أجواء الموت ومظاهر القتل بالموسيقى[/caption]

الموت بالبرد

كما لا أجهزة تدفئة في منازل مخيم اليرموك، وهربا من قرص البرد تبقى شهد وشقيقها ملتفين بالأغطية، فيما يواصل والدهم العمل على الدراجة في المنزل والتي تعمل كمولد كهربائي تمكن من صناعته،" بابا بتعب وظهره بوجع، وبروح يجبلنا مي من بيتسحم، وما بنروح معه خوف من القذائف والرصاص".

منزل عائلة شهد تعرض للقصف مرات عدة، دمرت كافة المنازل التي حوله فيما بقي صامد بجدرانه الهشة ونوافذه المغطاة بأغلفة بلاستيكية والتي تتخلل منها أصوات الرصاص والقذائف التي تتساقط يوميا على المخيم وفي محيطه.

 تجيب شهد على سؤالنا إن كانت تخاف من أصوات الرصاص،" أنا ما بخاف، الشعب الفلسطيني ما بخاف، واليوم إلي ما بكون فيه طخ، بنتفاجئ وبنصير نسأل ليش ما في طخ اليوم؟!".

رغم أصوات القصف المتواصل، والأمعاء الخاوية، لا وقت للهو ولا لوقت للفراغ، فحياة شهد وشقيقها محمد كله دراسة رغم مدرستهم المدمرة وغياب أساتذتهم المتمرسين، ليتكمن الشقيقين الحصول على أعلى العلامات في مدرستهم، تعلق شهد،" بدنا نضل صامدين لحتى ربنا يفرجها".

"الخبز كيف شكله؟ لساته مدور ولا تغيير؟" يسأل محمد رضوان (11) عاما، مضيفا،" مشتهي الشورما، ومشتاق أكل الشوكلاتا، بنوكل بس شوربة سبانخ وسلك وكله أثر على صحتنا"، مؤكدا أنه ورغم ذلك حصل على معدل 100% في مدرسته.

[caption id="attachment_59951" align="alignleft" width="400"]أطفال المخيم ينسون شكل الخبز.. ويتمنون العودة لفلسطين أطفال المخيم ينسون شكل الخبز.. ويتمنون العودة لفلسطين[/caption]

ينسون شكل الخبز!

محمد يتابع الأحداث والمستجدات في فلسطين، ويعرف تاريخها وجغرافيتها، "بحب رام الله وأراضيها الخضرة وبحب الكهرباء إلي بضل شغالة فيها، كل فلسطين حلوة، أحلى من أي أرض بالعالم"، متابعا،" بشوف كل يوم الأخبار، بس أنا بدي أموت في فلسطين بدل ما أموت من الجوع في المخيم".

أيهم أحمد عازف البيانو ومدرب الموسيقى لأطفال المخيم ومن ضمنهم محمد وشهد المواظبين على الغناء، بين إن حتى تعلم الموسيقى بات بالأمر الصعب والمعقد، فالأسر أصبحت تخاف على أطفالها وتمنعهم من الخروج خوفا من القصف، كما أن ظهور أحزاب متشددة دينيا تحرم الموسيقى بات يثير خوف الأهالي.

وبين أن الموسيقى هي مصدر الأمل الوحيد لأطفال المخيم وأهاليهم، فهم يضيفوا لونا آخرا للحياة السوداوية التي باتوا يعيشونها أسرهم، مشيرا إلى أنه يدرب الأطفال على شكل مجموعات تحتوي كل مجموعة على طفلين وذلك بعد منع التجمعات.

أما رضوان والد شهد ومحمد فيقول إن الحياة في اليرموك باتت أعقد بأعقد، " خوفي على أولادي فقط، أنا أحيا وأصبر لأجلهم فقط لأمن لهم حياتهم"، مضيفا،" نحن لا نطالب بمساعدتنا، نطالب أن نعيش كما يعيش الآخرين".

وأكد رضوان على أن الأحداث ما زالت في تصاعد مستمر، متوقعا أن لا تهدأ الأزمة قبل عام 2020،" كل كلام الإعلام والمسؤولين كلام فارغ لا قيمة له".

وعن صموده في مخيم اليرموك رغم الحصار، قال رضوان،" ما بترك بيتي إلا لما أرجع لفلسطين، أموت في بيتي شرف لي، فمن خرج من المخيم وهاجر للبنان يعيش حياة صعبة للغاية".

https://soundcloud.com/shatha-hammad/el4ptnihm8rv#t=0:11