شبكة قدس الإخبارية

الوجوه الصفراء في اليرموك تعلن قدوم الأسوأ

شذى حمّاد

خاص- قدس الإخبارية: ازدادت الوجوه الشاحبة في مخيم اليرموك اصفرارا، معلنة أزمة جوع جديدة باتت تقترب من الأمعاء الخاوية لتحصد أرواحا تواجه بأجساد عارية رصاص وصواريخ تنهال عليها من حيث لا تدري.

ففي شهر نيسان 2014 تخطى الفلسطينيون في مخيم اليرموك المحاصر وسط العاصمة السورية دمشق، أزمة جوع تجاوزت الـ(15) شهرا استشهد خلالها (180) فلسطينيا بسبب الجوع، بعد أن وصل فيها سعر كيلو الأرز (100) دولار فيما وصل ثمن كيلو السكر (150) دولار ما جعل الأهالي يأكلون في وجباتهم الثلاثة نبتة "أجر العصفور" السامة.

ولتضاعف أزمة مخيم اليرموك خفضت الأنوروا  مساعدتها بذريعة انعدام التمويل، وأصبحت تمنع كل عائلة مجموعة من المواد الغذائية البسيطة كل أسبوع، وبعد تعقد الأمور وارتفاع محاولات القنص التي حصدت عشرات الأرواح، لتصبح العائلات تأخذ سلة مواد غذائية بسيطة  كل شهر ونصف.

أزمة جوع تكشف عن أنيابها

أحد الأهالي المحاصرين في مخيم اليرموك وعازف البيانو أيهم أحمد (27) عاما أوضح لـ شبكة قدس، أنه ومنذ أكثر من أربعة أسابيع لم يستطع أهالي المخيم الحصول على سلة المواد الغذائية من الأنروا بسبب ارتفاع حالات القنص والتي قتلت مؤخرا أحد الفلسطينيين أثناء ذهابه لإحضار طعام لأفراد عائلته.

 وبين أن الدواء باتت شحيح أيضا كالغذاء، حيث يتفقر مشفى فلسطين والهلال للمستحضرات الطبية الضرورية بنسبة (90)%، مشيرا إلى أن الجرحى يتم نقلهم للمشافي الميدانية لتلقي العلاج، " الكثير من الأهالي توفوا بسبب نقص الأدوية"، كما  يعجز الأهالي عن تكفين شهدائهم كما يجب لعدم وجود الأكفان ويتم تكفينهم بقطع السجاد والأعلام.

أزمة الجوع المقبلة على المخيم ستكون أشد من الأزمة الماضية كما يحذر أيهم، ويعلق،" أمامنا شهر وربما أقل وسيرتفع سعر كيلو الرز ليصل الألف دولار ونعود لنعتمد على الحشائش فقط"، فتجار الدم كما يصفهم أهالي المخيم لن يلبثوا حتى يخفوا بضاعتهم من المواد الغذائية الضرورية وما أن تشتد الأزمة حتى يكشفوا عنها مجددا بأسعار خيالية كما حصل بأزمة الجوع السابقة.

ويردف أيهم ساخرا،" هذه المرة سنعتمد على البقدونس ليصبح وجبتنا الرئيسية بدل أجر العصفور، فهذا هو موسمه".

أيهم يعمل "حلاوة الأرز" في بعض الأيام ويوزعها بشكل تطوعي على الأطفال في المدارس والذين يخرجون من منازلهم دون تناول الفطور لسوء الأوضاع المادية في المخيم، ويقول أيهم - وهو أب للطفلين أحمد وكنان – "أنا لا أتحدث باسم سياسي بل باسم أطفالي وأطفال المخيم، فنحن لا نريد سوى أن نوفر الأمن لهم".

10913446_422385344584982_2009049720_n

الأزمة ستكون أشد من الماضية

وأوضح أيهم أن أزمة الجوع المقبل عليها المخيم ستكون أشد وقعا على الأهالي، فلا أمن في المخيم واغتيالات مستمرة، فيما أصبح الأهالي يخشون من السرقة التي ارتفعت في الآونة الأخيرة،" 180 فلسطينيا ارتقوا في أزمة الجوع السابقة بعد أن كانوا بصحة جيدة قبل أن تبدأ الأزمة السورية وإطباق الحصار على المخيم، كانوا يأكلون اللحوم والبروتنات وفجأة وجدوا أنفسهم مجبرين على أكل "أجر العصفور" فقط"، متابعا،" ماذا يحصل لنا الآن إذا دخلنا بحصار جديد سيتدهور بشكل كبير؟"

إكرام الضيف في سوريا بات قتله، فالفلسطيني الآن بات ملاحقا من كافة أطراف الصراع في الأزمة السورية ليصبح شعار اللاجئ الفلسطيني "أنا مش صامد أنا علقان"، ويعلق أيهم والذي هجرت عائلته بالقوة من مدينة صفد المحتلة،" من مر بأزمة الجوع، وأكل أجر العصفور، لا مطالب لديه سوى الخروج من المخيم"، ويضيف،" فليخرجونا من المخيم ويلقوا بنا في صحراء النقب، وليعلم الجميع أن اللاجئ إذا مات ستموت القضية الفلسطينية".

وعن متابعة وحضور الشخصيات السياسية لمخيم اليرموك، أوضح أيهم أن شخصيات عديدة قدمت لحدود المخيم  وذهبت، وقليل منها من دخل المخيم، إلا أن الأهالي لم يعودوا يكترثون لحضور أي منهم وخاصة أن وعوداتهم كلها ذهبت أدراج الرياح ولم يطبق أي منها على أرض الواقع.

وطالب أيهم والذي درس خمس سنوات في كلية الموسيقى، أن يمنح وغيره من المثقفين الفرصة ليرتقوا بالوضع وليطرحوا حلولهم وينفذوها.

10934446_422385844584932_77724230_n

المياه في المخيم

أكثر من (140) يوم ولا مياه في منازل مخيم اليرموك، على الرغم من وجود آبار المياه، عن ذلك يروي أيهم أن استخراج المياه من الآبار يحتاج لمضخات تعمل على السولار، فيما يصل الآن سعر لتر السولار الواحد إلى ألف ليرة سورية.

ويبين أيهم أن إحدى الجمعيات الفلسطينية اتخذت على عاتقها تزويد الأهالي بالمياه بشكل مجاني، وتفتح أبوابها ثلاثة ساعات يوميا أمامهم لتعبئة حاجتهم من المياه، ويروي أيهم أنه يذهب يوميا مستخدما التكتك ليعبأ المياه لأسرته وأهله،" أقوم بدفع التكتك فلا يوجد مال لتشغيله، وأضطر لذلك لأحصل على المياه مجانا، فلو أردت شرائها فسأحتاج لـ (10) آلاف ليرة سورية.

وأشار أن إحدى المؤسسات الفلسطينية وفرت مياه لـ (12) يوما ولكن ومع انقطاع التمويل عنها أوقفت عملها.

لا تدفئة في منازل المخيم

ربما يكون الشتاء رحيما على الفلسطينيين المحاصرين في مخيم اليرموك وخاصة أن الأعشاب تنبت به وتصبح وفيرة وقليلة التكلفة، إلا أن برده القارص لا يرحم من فيه في ظل عدم وجود التدفئة في المنازل.

يوضح أيهم أن لا وجود للوقود في المخيم، كما أنه لا يوجد أشجار يقوم الأهالي بتكسيرها والتدفئة بها، مشيرا إلى أنهم أصبحوا يحطمون أثاث منازلهم لتدفئة أطفالهم خوفا أن يموتوا بدا،" الشتاء الماضي حطمت غرفة الضيوف، وهذا الشتاء سأحطم غرفة نومي التي كلفتي أكثر من (150) ألف ليرة وذلك لأدفأ أطفالي".

10934346_422385187918331_631725341_n

الخروج من المخيم هو الحل

 "(99.3)% من أهالي المخيم يريدون الخروج من المخيم، وأغنية "يا مهجرين عودوا" لم تعد تحاكي واقعنا" يقول أيهم، مشيرا إلى أن الوطن السوري حمل مخيم اليرموك (40) عاما رأى خلالها الفلسطيني ما لا يرغب يوما أن يراه،" نريد وطن يحترم الإنسان، لا يوجد هنا أي مقومات صمود، فخروجنا من المخيم هو الحل".

ويروي أيهم أن معاملة الفلسطيني في سوريا أصبحت سيئة جدا، حتى أن التجار يرفضون بيعهم،" عندما تتمكن البلدات المجاورة من إدخال المواد التموينية يرفضون بيعها للفلسطيني، لتصبح كلمة" فقط لأهل البلدة" من أسوء الكلمات التي يسمعها الفلسطيني".

وأكد أيهم على أن الفلسطينيين كان لهم الفضل الأكبر في بناء مخيم اليرموك وجعله ساحة اقتصادية مهمة في العاصمة دمشق، وكان لهم حال لا تغلق فيها، ويضيف،" خلال الأزمة الفلسطينيون أظهروا نخوتهم كانوا ينقلوا المصابين السوريين رغم الخطورة المترتبة عليهم، كما فتحوا منازلهم واستضافوا العائلات السورية بكل رحابة صدر"، معلقا،" إلا أننا لم نتعامل بهذه الطريقة أبدا".

مخيم اليرموك جرحه نسيان الفلسطينيين له كما أشعل ألمه تجاهل السياسيين للأزمة التي يمر بها وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس،" أطفال مخيم اليرموك يعلمون عن فلسطين الكثير فهم تشربوا الألم الفلسطيني منذ ولادتهم" وتساءل أيهم،" كيف سيستمر تعلقهم بفلسطينيتهم وهم يرون رئيسهم يتنكر لهم".