شبكة قدس الإخبارية

حوار من نقطة صفر!

عبدالقادر عقل
تأمل أي فيلم أجنبي حول المطاردة البوليسية أو الأحداث التي يتخللها استخدام السلاح، ستكون مُقتنعاً بالنهاية منذ البداية!، شرطيٌ يقف مرفوع الهامة أمام المسلّح، ويقترب منه بحذر، رويداً رويداً يخطو ويصرخ بالمسلّح: مكانك! ألقِ السلاح!، إرفع يديك مفتوحتين للأعلى!، وينقض الشرطي كالنسر على المسلّح الذي ترتجف أنامله، ويرتعد كيانه خوفاً، وتنتهي الحكاية!. لكن إذا تأملت صورة نهاية معركة الكنيس اليهودي وبطَليها غسان وعدي أبو جمل، لن تقوى على التعبير، ولن تجيد الوصف، فحروف الأبجدية جميعها، ستعتذر، القلم سيطأطئ رأسه، فالحدث ليس مُقتبساً من فيلمٍ معروضٍ في هوليود!. ربما عندما وقف الشرطي الإسرائيلي وجهاً لوجه مع أبو جمل في معركة "النقطة الأقرب من صفر" ، لم يصرخ الشرطي مكانك! ألقِ السلاح!، بل كان هذا الحوار دائراً: الشرطي: هل أنا في حلمٍ؟! إنها نحو 100 سم فقط بيني وبين هذا المسلّح؟! أيها المسلّح لماذا لا تُلقي سلاحك؟! أبو جمل يصمت! ويداه متشبثتان بالساطور والمسدس! وعيناه تصوّبان سِهام نظراتها مباشرة إلى عيون ذلك الدخيل القادم من أوروبا أو أمريكا!. الشرطي: إبن عمك طريحُ الأرضِ، ومزقت جسده بضع طلقاتٍ من الذخيرة الحية، لماذا لا تذهب وتتفقده، لماذا لا تبكي عليه ولا تُولول؟! أبو جمل يصمت! وحركة قدميه توحيان بالرغبة في التقدم أكثر!. الشرطي في حوارٍ مع ذاته: أنا أرتدي الدرع والخوذة، وأمتشق مسدسي جاهزاً، وأحتمي بالجدار بجانب الدرج الرئيسي؟! لماذا هذا المسلّح لا يختبئ في الجهة المقابلة من الدرج؟! لماذا لا يسنِدُ كتفه إلى حافة الجدار كما في الأفلام؟! لماذا لا يمد فوهة مسدسه فقط؟! أي نوعٍ من المسلّحين أنت ؟!. أبو جمل يصمت ويواصل تصويب سهام نظراته مباشرةً إلى الشرطي، وبإحدى يديه يحمل الساطور، وباليد الأخرى يمتشق المسدس!، أما قدميه فتقبّلان الثرى أمام الكنيس، وثابتتان بلا حراك!. 2 الشرطي: انظر لإبن عمك أطلقت عليه الرصاص، وأصوّب مسدسي نحوه، لماذا لا تنظر إليه وتصر على أن ترمقني بنظراتك الحادة؟!. أبو جمل يُعانق إبن عمه بعد أن سقط ممدداً بجانبه!، لم تنتهِ الحكاية بعد، فهي ليست كفيلم أكشن يُبث على قنوات MBC!. في تقاليد الجنازات، على أم الفقيد أن تبكي فلذة كبدها، هكذا يكون أرقى إبداعٍ في أي فيلم من هوليود والسينما العالمية!، لكن في حالة أبناء العمومة أبو جمل، وفي خيمة عزائهما لم يكن الأمر كذلك!. أم الشهيد عدي أبو جمل، تزغرد وتردد الأهازيج الشعبية!، ليس هذا فحسب!، ربما ذاك الشرطي الذي حاور أبو جمل، يقول في نفسه:"أي نهايةٍ هذه، أم هي بداية؟!، ما الرابط العجيب بين الأم المقدسية وبين غزة البعيدة جغرافيا؟!، لماذا تُطيّر زغاريدها لها من القدس؟!".