- نحاول أن نصنع في فلسطين نوعاً جديداً من الإعلام ،إعلام مختلف، يصل للناس بشكل أسرع - أعيش في ظل حكومة ووظيفتي أن أنقد هذه الحكومة أو أي شخص مسؤول يتلاعب بأوراق الشعب وحريته - التهديدات التي تصلنا تافهة – بالنسبة لي- لأنها غير رسمية
حاورته: مريم شواهنة.
في ظل البيئة السياسية الخانقة، برز طيف جديد للتعامل مع الأزمات و الحوادث السياسية في الوطن العربي مؤخراً،خاصة بعد الثورات العربية ، وهو الكوميديا السوداء، والكوميديا السوداء فن يتعاطى مع المواضيع التي تعتبر تابوهات ويحرم الخوض فيها وخاصة السياسية منها بشكل ساخر وفكاهي مع الاحتفاظ بجانب الجدية .
هذا اللون من البرامج اكتسح مساحة واسعة في التلفاز والانترنت، ومما لا شك فيه أن هذا الفن منح الجرأة للكثير من الشباب لقول ما يريدونه وهذا يفسر الإقبال الواسع عليه، وأحد هذه البرامج هو برنامج "زينكو"، برنامج فلسطيني سياسي ساخر، يعرض على قناة رؤيا الأردنية، يتناول مواضيع وقضايا شائكة في الحياة السياسية الفلسطينية، وهو البرنامج الأول من نوعه في الساحة الفلسطينية، و يقدمه عبد الرحمن ظاهر ومحمود رزق، ولا يخفى على السامع ما في الاسم من شعبية.
للحديث أكثر عن البرنامج، كان لنا اللقاء الآتي مع عبد الرحمن ظاهر – مقدم البرنامج ومخرجه - .
بداية، من أين جاءت تسمية البرنامج "زينكو"؟
"الزينكو" هو مظهر من مظاهر التكوين الفلسطيني في المخيمات والشتات والمناطق المهمشة، وهو سقف غير ثابت ومؤقت وهش يحمل تحته الكثير من الماسي ومعاناة ومصائب. بالتالي نحن معنيون بكشف هذا الغطاء، لنرى ما تحته ونستبدله بغطاء صلب وقوي.
هل هناك سبب لإطلاق البرنامج في هذه الفترة بالتحديد ؟ وما الفكرة التي تريدون إيصالها للمجتمع الفلسطيني من خلال برنامجكم زينكو"؟
بدأنا في مسلسل (فنجان البلد 1) ثم برنامج (بالشكلوب) والذي كان برنامج شارع ثم حضرنا مسلسل بوليسي (في حضرة العدالة) ثم مسلسل (فنجان البلد2) والذي كان سياسياً ناقدا َأي بقالب الكوميديا السوداء وفي فترة الدورة البرامجية الحالية كنا بحاجة لعرض برنامج مختلف نوعاً ما، فخلال تحضيرنا للبرنامج كان هناك العديد من المحطات والأحداث السياسية فاصطدمنا بالحرب مع غزة وموضوع التوجه للأمم المتحدة والمصالحة وتشكيل حكومة الوفاق، فكل هذه الأمور كانت بحاجة إلى برنامج ليعرض هذه القضايا وغيرها في الساحة الفلسطينية ويشرحها بطريقة تنطق باسم الشارع الفلسطيني وتعبر عن الهموم التي يعاني منها ،فاختيار هذا الوقت بالتحديد كان بسبب الظروف في فلسطين.
برنامجكم "زينكو" معد في قالب الكوميديا السياسية ككثير من البرامج التي ظهرت مؤخراً في الساحة العربية. برأيك، ما سبب التوجه للكوميديا للتعبير عن وجهة نظر سياسية؟ على مبدأ "إذا كبرت مصيبتك اضحكلها"؟ وهل تقديمها في قالب كوميدي أفضل من تقديم المحتوى جافاً للجمهور؟
بالضبط كما قلتِ "إن كبرت مصيبتك اضحك لها"، الناس ملت من عرض وتقديم القضايا السياسية وتحليلها بطريقة جامدة أو تقليدية كالأخبار والبرامج الحوارية التي أصبحت كمؤتمرات القمة العربية بيانات مطبوعة وجاهزة، فأعجبنا أن نخرج من هذا الإطار وننظر للواقع بسخرية، حتى النس في الشارع أصبحوا يمارسون الكوميديا السوداء والسخرية، المواطنون العاديون يتكلمون عن الواقع بسخرية لم يعد هناك حديث جاد عن الواقع الفلسطيني بقدر ما هو تهكمي وساخر. فبما أن الشارع يحب طريقة السخرية، فسننقل له الواقع بها، عدا عن كوننا اعتدنا نقل رسالتنا بهذه الطريقة. فبرنامجنا ساخر أكثر من كونه كوميدياً والفرق بينهما شعرة فالساخر يقدم شيئاً جاداَ مع شيء كوميدي ويخلطهما ببعضهما بطريقة تهكمية.
هل يحاول برنامجكم بعثرة الأوراق الرثة التي امتلأت بغبار الفساد؟ وهل يتخطى مفهوم البرنامج مرحلة النقد وصولاً لمرحلة التغيير في الواقع الفلسطيني؟
الهدف الرئيس من برنامج "زينكو" إعطاء جرعات تدريجية للمجتمع ليفكر بمصائبه بشكل أكبر و يحلل المشاكل وأن يفكر بحل لها أيضاً وبالتالي "زينكو" ليس مجرد عرض ساخر لمدة نصف ساعة من أجل الترفية، أبداً هو ليس ترفيهياً، هو برنامج يكشف قضايا عميقة وقضايا فساد ويبعثر أوراق امتلأت بالغبار حتى يكشف ما تحتها أو حتى تقرأ ما كُتب عليها فعندما يكون على الأوراق غبار تقوم أنت بإزالته حتى تتسنى لك رؤية الذي كتب عليها، وظيفتنا أن نعرض للناس ونستفزهم لأن يفكروا بالمصيبة التي نعيشها، حتى يحاولوا تدريجيًا أن يرددوا بضميرهم الداخلي النوايا للحل والتفكير الجاد لحل هذه المشاكل وإحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
طرحتم مواضيع حساسة وشائكة في الحياة السياسية الفلسطينية: المصالحة ،التراشق الإعلامي، حالات التناقض السياسي والتخوين للأحياء والأموات، المزاودة على الشهداء، على إثر ذلك وجهت إليكم اتهامات بالتحير وتوجيه النقد لجهة ضد أخرى، ماهو تعليقك؟
في الواقع هذا سؤال مهم، لأن الكل يعتقد أن البرنامج موجه من طرف ضد آخر. يوجد ثلاث نقاط رئيسة أريد الاشارة إليها. أولاً: أنا أعيش في الضفة الغربية وبالتالي أعيش في ظل حكومة ووظيفتي أن أنقد هذه الحكومة أو أي شخص مسؤول يتلاعب بأوراق الشعب وحريته، وأن أسلط الضوء عليه –وكما يقولون- أن أشرح الفساد الذي يمارسه. ولأن حكومة فتح في الضفة فقد كان حظها أن أُطلق البرنامج في عهدها، فلا يجوز أن يوجه الموضوع لطريق أننا ننقد حركة فتح فهذا توجه أو ادعاء غبي. فإذا يريد أحدهم أن يسألني لماذا لا توجه نقدك لحكومة غزة؟ سيكون ردي: أنا لم ارَ تصرفاً خاطئاً لحكومة غزة حتى أنقده وأنا كذلك لا أعيش في غزة حتى أرى ما تقوم به حكومتها وأي شخص يراسلني من غزة ويقول لي أن هناك تجاوزات سأقول له: آسف يا صاحبي، لا أعيش في غزة ولم أرَ بأم عيني. نحن وجهنا نقدنا للطرفين، وبعض الحلقات كان نقد لطرف واحد، فأي تصرف خاطىء للحكومة من واجبي عرضه في البرنامج ولو أنا (عبد الرحمن ظاهر) تصرفت تصرف خاطىء فمن حق الناس علي أن أعتذر لهم في البرنامج وأنقد تصرفي وبالتالي نحن سياستنا النقد لأياً كان ومهما كان توجهه.
ثانيا: ليس معقولاً أن أوزع الانتقادات بالتساوي حتى يصبح برنامجي عادلاَ وناجحاً – كما طلب مني البعض-، أنا لدي قضايا لا يهمني إن كانت تمس منظمة التحرير أو فتح أو حماس أو السلطة أو الشعب فأنا سأطرح هذه القضايا إن كانت بحاجة لطرح دون أن اقول هذه 50% نقد لفتح وهذه 50% نقد لحماس حتى لا أُتهم أني متحيز ضد فتح، هذا موضوع غبي جداً ولن أتصرف بناء عليه. حدثت أخطاء من بعض الناطقين باسم فتح ومن يمثلونها وأنا انتقدتهم، فلا يتهمني أحد أني أتهم حركة بأكملها، فأنا أنتقد أشخاص، ويكون انتقادي أنه كيف تكون ناطقاً باسم فتح وتتصرف بهذه الطريقة اللامسؤولة والمثيرة للفتن؟؟ ولكل مقام مقال فنحن في وقت نسعى فيه لتوحيد الجهود وأنت كل جهودك موجهة لإثارة الفتنة، فأنا أنتقد موقع الشخص وليس الحركة ولو أخطأ مسؤول من حماس فسأوجه نقدي له وسأقول له: من حق الحركة عليك أن لا تستغلها لتتصرف تصرفا لا يعبر عن وجهة نظرها وأنت ممثل لها.
ثالثا: من غير الممكن أن نوجه نقدنا لمشروع المقاومة أياً كان يمثله، نحن ندعم المقاومة بكل وسائلها وأساليبها، فإذا كان أحدهم لا يقبل بمشروع المقاومة للشعب الفلسطيني فلسنا مضطرين لأن نصطف لجانبه أو بالعامية "أمسحله جوخ" أو أن أكسب نقاط على حساب مشروع المقاومة، فمن يمثل المقاومة سأقف إلى جانبه بكل ما أوتيت من قوة. من سيتهمنا بأننا منحازون لطرف، نحن آسفون نحن منحازون لطرف المقاومة المشروعة التي ما زال الشعب الفلسطيني متمسك بها، والتي لا يمكن أن تحل القضية إلا بها.
هناك من يقول أن "زينكو" تقليد لبرنامج "البرنامج" الذي قدمه الإعلامي باسم يوسف ما ردك؟
أبداً أبداً، أولاً: برنامج باسم يوسف ليس الأول من نوعه، سبقته برامج كثيرة في نفس الإطار، نحن ضمن مدرسة البرامج التلفزيونية الساخرة، برنامج باسم يوسف الذي كان على مستوى الوطن العربي تميز في طروحاته وبنيته وكان مُتابعاً، جانب أنه وجدت برامج قبله لا يعيبه فلا يمكننا القول لباسم يوسف أنك قلدت برامج أمريكية أو أوروبية أو حتى عربية، فنحن نحترم أنه أعد برنامجاً في إطار جديد في الأسلوب ضمن النقد الساخر، فنحن نعد برنامجًا فلسطينيًا ضمن إطار المدرسة نفسها الموجودة من القرن التاسع عشر.
ثانيا: إن أراد أحدهم القول بأنا مقلدون لباسم يوسف فنتمنى أن نقلد ونجيد، مع العلم أنه ليس تقليداً وهو في إطار مدرسة عامة للنقد الساخر.
عندما وضعتم فكرة "زينكو" هل كان رأيكم أن المجتمع الفلسطيني خرج من مرحلة الانقسام والتعصب للفصائل ليتقبل النقد؟
لا، نحن كنا متأكدين بأننا سنواجه مشاكل لأن ثقافة الانقسام لا تزال موجودة على مستوى القيادات وعلى مستوى الشعب، لذلك في بعض الحلقات تهكمنا على موضوع المصالحة، وبالغنا في طرح المشكلة، فقلنا أن نبقى منقسمين ولنحب بعضنا هكذا أفضل من أن نبقى نتحدث عن المصالحة ونحن نكره بعضنا، فاعلم أنك حماس وأنا فتح أو العكس ونحب بعضنا على هذا الأساس فلكم حزبكم ولي حزبي. فالبرنامج كان مغامرة لي ولصديقي محمود ولقناة رؤيا بصفتها قناة عربية، فعرض برنامج كهذا يحتاج إلى قرار جريء من إدارة الفضائية، فالفضائية مرتبطة بمصالح وعلاقات عامة مع مسؤولين وجهات مسؤولة، بالتالي عليها أن تراعي ماذا يمكن أن يؤثر البرنامج على هذه العلاقات. كانت مغامرة لكن إذا لم نبدأ لن يبدأ أحد لا أتحدث عني وعن محمود أقصد بشكل عام، فنحن بحاجة لمن يبدأ ليُكمل الآخر حتى لو لم يتقبل الناس الموضوع وحتى لو كنا كبش الفداء.
وأنا أشكر قناة رؤيا لمبادرتها وإعطائها فرصة لإنتاج برنامج من هذا النوع برغم كل العواقب التي من الممكن تواجهها. فالقنوات الفلسطينية المحلية والفضائية ترفض رفضاً باتاً عرض هذه البرامج لأنه يؤثر على علاقتها ومصالحها .
في حديث سابق لك مع جريدة الحياة اللندنية، تحدثت عن أنكم تتناولون كل الأخبار مع التركيز على الاستشارة القانونية فيما يخص المحتوى الخارج عن القانون وأنكم تتناولون مواضيع لا تتخطى أي سقف قانوني. فلماذا إذن تعرضتم للتهديد والمضايقات؟
أن تكون جريئًا في طرح المواضيع لا يعني أن تتجاوز القوانين التي تحكم حرية التعبير عن الرأي، بالتالي لا يمكن أن أسمح لنفسي بالبرنامج أن أجرح شخص او أن أؤدي لإحداث فتنة طائفية أو فتنة بين الناس أو أقوم بعرض أخبار كاذبة، فهذه كلها مخالفات قانونية، لا تدخل في إطار حرية التعبير عن الرأي، فنحن حريصون أن يكون البرنامج صادقاً وأن نطرح محتوى جريئاً جداً مع الحفاظ على الاستشارة القانونية التي تضمن أن يكون المحتوى كله ضمن بنود القوانين المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الوطنية الفلسطينية ،فلا يمكن أن نتجاوز القانون لأننا نؤيده .
والتهديدات التي كانت تصلنا هي تافهة – بالنسبة لي – لأنها غير رسمية، فالتهديد غير الرسمي هو غير قانوني أصلاً، وحتى التهديد الرسمي مرفوض قانونياً فما بالك في غير الرسمي! التهديدات غير الرسمية تصلنا من أشخاص مجهولين لذلك لا نستطيع مقاضاتهم وإن عُرفوا سيتعرضون للمساءلة بالقانون وليس "بالبلطجة وحركات الشوارع". ففي فلسطين ودولنا العربية بشكل عام – للأسف - هناك جهتان أو خطان تتعرض فيهما للتهديد: خط رسمي يهددك بالقانون أو يدعي أنك تجاوزت القانون والخط "الأزعر" وهو خط خارج عن إطار الرسمية.
التجربة التلفزيونية للبرامج الناقدة أفضل؟ أم أن "اليوتيوب" حر أكثر؟
التلفزيون مهم وكذلك اليوتيوب. فالتلفاز منبر لكل الأسرة ويصل لشرائح المجتمع كافة، بغض النظر عن كونه يصل بوقت وتاريخ محددين لكنه يصل لكل الأفراد، للفتاة والشاب والطفل وللذي يعمل بصالون الحلاقة وللذي يعمل بشركة وللذي يعمل بمجال الإعلام أصلاً..شرائح المجتمع مهمة بالنسبة لنا ويجب أن يكون لنا منبر فضائي لنصل إليهم عبره.
أما اليوتيوب –بنظري- فهو أرشيف للعمل، فالمواطن بإمكانه أن يشاهد الحلقة متى شاء دون الارتباط بزمن ومكان معين وليس إن لم تشاهده "راحت عليك" كأيام "التليفزيون الأردني". فأنتِ لم تشاهدي مسلسل "فنجان البلد 1" فبإمكانك ان تشاهديه على اليوتيوب وتعيدي نشره أو تركزي فيه وتدرسي محتواه.
هل ستكون نهاية "زينكو" أن يمنع من الإستمرار في العرض كما حدث مع عماد الفراجين ومسلسل (وطن ع وتر )؟
لا أحد يجرؤ أن يمنع "زينكو"من العرض، يمكن أن نوقفه نحن لتغيير الاستراتيجية وبنية الحلقة، واحد فقط يمكن أن يمنع "زينكو" من العرض وهو ربنا –جل وعلا-؛ فصوتنا هو صوت الناس وأي شخص يحاول أن يتلاعب بصوت الشعب فليتحمل النار التي ستلحق به.
نحن بحاجة لبرامج ترينا الحقيقة المرة والواقع المأساوي الذي نعيشه خاصة نحن - الشعب الفلسطيني-، فقد اكتفينا من البرامج التي تصور لنا الواقع وردياَ مشرقاَ، هو لن يكون كذلك إن لم نعرف مشكلاتنا وسوياً نفكك وجودها ونخفيها للأبد، وأول خطوات حل المشكلة الاعتراف بها، فإنكارها سيزيد الطين بِلةَ.