شبكة قدس الإخبارية

هآرتس تكشف تفاصيل مثيرة لعمليات تهويد القدس والأقصى

هيئة التحرير

كشفت وثائق داخلية لما تسمى سلطة الآثار في حكومة الاحتلال الإسرائيلي كيف تقوم جمعية إلعاد التابعة للمستوطنين بإدارة إحدى الحفريات الأثرية المهمة بالنسبة للاحتلال، وكيف تعتدي على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية الأخرى بما فيها المقابر والآثار الإسلامية.

وفي ملحق أصدرته صحيفة "هآرتس" العبرية اليوم الأحد، يكشف تقرير للصحفي نير حسون بعنوان "على أسوارك يا مدينة داوود"، (وهو الاسم العبري المزيف لحي سلوان جنوب المسجد الأقصى)، كيف تحولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من معارضة لجمعية إلعاد إلى متعاونة معها، وماذا حصل للقبور التي أقيم فوقها مركز لزوار مدينة داوود ومن الذي يمول هذه الاعتداءات.

ومن أبرز ما جاء في تقرير حسون: منذ نشرت الجمعية خطة البناء، أثار البناء الاستياء في أوساط تحالف المثقفين وعلماء الآثار والمهندسين.

ونقل على لسان الشاعر حاييم غوري قوله "إنني غير مقتنع أن إقامة هذا المبنى على هذا البعد من الأقصى من الممكن أن يتسبب بالإخاء بين الشعوب وبين الأديان".

وذكر الكاتب قول المهندس ديفيد كرويانكر الخبير بتاريخ الآثار في القدس "أنا اعرف مخطط القدس منذ نحو 45 عاما، ولم أواجه أبدا خطة تتضمن كل هذه الوقاحة والجموح نحو القتل مثل هذه الخطة".

يقول حسون في مقالته: "من يغادر ساحة حائط "المبكى" (الاسم المزيف لحائط البراق جنوب المسجد الأقصى) عن طريق باب المغاربة ويتوجه شمالا باتجاه الحديقة الاستيطانية سيشاهد جداراً من القصدير مزينا برسومات لشخصيات كاريكاتيرية. ومن خلفه حفرة ضخمة. هذه الحفرة موجودة في المنطقة التي كانت تسمى ذات يوم موقف جفعاتي والتي تم حفرها تدريجيا خلال السنوات السبع الأخيرة. وتعد هذه الحفرية الأثرية الأكبر في مدينة القدس في السنوات العشر الأخيرة. هدف الحفرية كان إقامة مركز تاريخي، مبنى مكون من جزئين سيستخدم كمركز للزوار، ومتحف ومدخل إلى الحديقة الاستيطانية".

ويؤكد أن المبادر إلى المشروع هي جمعية إلعاد وهي جمعية استيطانية تسعى إلى تهويد حي سلوان جنوب المسجد الأقصى.

قصة خلق وتعميق هذه الحفرية أكثر وأكثر إلى داخل ارض القدس هي قصة العلاقة الوثيقة بين جمعية المستوطنين إلعاد وبين سلطات الاحتلال وفي مقدمتها سلطة الآثار، وقد كشفت حفريات موقف جفعاتي عن مواقع أثرية قديمة من بينها بيت سكني من طابق واحد، وقصر كبير من الفترة الرومانية ومطمورة من الذهب منذ عهد البيزنطيين"، يضيف حسون.

ولكن مجموعة من مئات الوثائق الداخلية لسلطة الآثار، التي وصلت إلى ملحق "هآرتس"، أظهرت أن الحفريات كشفت عن شبكة من الروابط المعقدة بين جمعية إلعاد وبين سلطة الآثار. شبكة علاقات لا يمكن التأكد من خلالها من يقود من.

الوثائق كشفت، فيما كشفته، هو التوجه الحاد في سياسة سلطة الآثار – من المعارضة الشديدة لإقامة مبنى في المكان، إلى داعم متحمس إلى مخطط البناء؛ حقيقة أن الحفريات تمت بدون خطة واضحة للحماية؛ ومن خلال احتجاج لكبار علماء الآثار داخل سلطة الطوارئ ومن دون الإدلاء بكل الحقيقة أمام المحكمة العليا حول الأهداف من وراء الحفريات؛ الوثائق تظهر أيضا موضوع تفكيك المقبرة الإسلامية ووجود قبور يهودية في المكان غير صحيح، وكذلك حقيقة أن دافع الضرائب هو الممول الرئيسي لهذه الحفريات وليس جمعية إلعاد.

جمعية"عيمق شافيه" – مجموعة من علماء الآثار الذين ينتقدون الاستخدام السياسي الذي تقوم به جمعيات المستوطنين والسلطات في أبحاث الآثار – تلقت الوثائق في أعقاب التوجه وفقا لقانون حرية الحصول على المعلومات.

منذ بداية الصيف كانت هناك أيام معدودة غاب فيها اسم سلوان عن العناوين الرئيسية في الأخبار. الحي هو احد الأماكن الوطنية الصعبة في القدس. حيث لم يمر يوم تقريبا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة دون رشق بالحجارة، وإلقاء الزجاجات الحارقة أو المواجهة مع قوات الشرطة والاعتقالات الليلية. قبل شهر ونصف فاجأ العشرات من المستوطنين سكان سلوان، عندما قاموا عند منتصف الليل بالاستيلاء على 25 شقة جديدة تم شراؤها من قبل الجمعية بواسطة شركة مسجلة في الخارج. وفي اليوم التالي وصل إلى المكان وزير الاقتصاد في حكومة الاحتلال "نفتالي بينت"، الذي أعلن بشكل احتفالي أن "في مدينة داوود – التي كانت تسمى سابقا سلوان – يوجد اليوم أغلبية يهودية، وهو ما يعني بقاء مدينة داوود إلى الأبد في أيدي دولة إسرائيل أنه حدث تاريخي".

كشف بينت في حديثه الشغف الأساسي لجمعية إلعاد وباقي لجان المستوطنين في القدس: وهو تهويد المنطقة من أجل منع تقسيم المدينة أو على الأقل إبقاء المنطقة في أيدي إسرائيل في حال تقسيمها.

على الرغم من الجهود التي بذلت لعشرات السنين وتوظيف أموال طائلة في مشروع التهويد، وعلى خلاف التصريحات الاحتفالية التي أطلقها بينت، فإن المستوطنين بعيدين جدا من أن يصبحوا أغلبية في سلوان. فبإمكان جمعية إلعاد أن تتباهى وتحتفل بإنجاز آخر، الذي غير طابع ووجه الحي الفلسطيني – وهو مشروع الاستيطان.

تسخين العلاقات

ويتابع حسون "بدأت إلعاد طريقها منذ بداية سنوات الـ 90 كجمعية لتسكين اليهود في حي سلوان وتحولت مع السنين إلى جمعية معظم همها هو تطوير الحديقة القومية والموقع الأثري مدينة داوود التي تسلمت إدارتها. وفي سنوات الأخيرة تبذل الجمعية جهودا كبيرة في مشروع طموح يتمثل بإقامة مركز كبير للزوار على موقف جفعاتي. وحظيت بغطاء من رئيس بلدية الاحتلال في القدس المحتلة، نير بركات، ومن سلطة حماية البيئة والحدائق، التي تدير رسميا ما تسمى "الحديقة الوطنية" في القدس، وكذلك من معظم جهات التخطيط في القدس. ولكن من أجل تنفيذ إقامة المبنى في قلب أكثر المواقع الأثرية أهمية فإنها بحاجة إلى سلطة الآثار.

في العام 1997 كتب المستشار القضائي لسلطة الآثار، "يورام بار- سيلع"، كتابا حادا إلى المستشار القضائي لحكومة الاحتلال آنذاك، "الياكيم روبنشتاين". وقبل ذلك بوقت قصير تناهى إلى مسامع سلطة الآثار أن مدير دائرة أراضي الاحتلال يخطط لتحويل المناطق التي استولت عليها سلطات الاحتلال في سلوان، إلى جمعية إلعاد. فعارض بار – سيلع ذلك القرار بشدة. وكتب بهذا الصدد "خلال السنوات الأخيرة كانت جمعية إلعاد المسؤولة المباشرة عن ارتكاب مخالفات إلحاق الضرر بالآثار والبناء غير المرخص، مما اضطر سلطة الآثار إلى اللجوء إلى الشرطة". وفي نفس الكتاب أشار إلى "موقف السلطة الحازم حول حيوية الحفاظ على مدينة داوود وعدم السماح القيام فيها بأعمال بناء من أي نوع كان، في منطقة مدينة داوود يجب فقط القيام بأعمال الحفريات الأثرية وأعمال الصيانة والترميم".

وعلى الرغم من الكلمات الحازمة، تحولت سلطة الآثار في السنوات الأخيرة إلى شريك كامل لإقامة المبنى الضخم موضع الخلاف، على قمة التلة التاريخية للقدس. وذلك خلافا للسياسات المعلنة حول موانع البناء في التلال الأثرية متعددة الطبقات.

يقول حسون "كان بالفعل من الممكن ومنذ سنوات 2001-2002 التعرف على التغيير في مواقف السلطة من جمعية إلعاد من خلال الاطلاع على البروتوكولات الداخلية للسلطة، كذلك تجاه عملية البناء، ففي حزيران من العام 2001 عرضت جمعية إلعاد خطة لتطوير موقف جفعاتي وبناء موقف كبير تحت الأرض ولوبي، لصالح الحديقة الاستيطانية، حيث تبخرت المواقف الحازمة، ولم ترفض سلطة الآثار الخطة بشكل نهائي. وفي ختام النقاش تقرر: "يجب رؤية الصورة الكاملة لعملية التطوير في المنطقة". وبعد سنة من ذلك، وفي نقاش داخلي، أمر مدير السلطة شوقاه دورفمان (الذي توفي قبل أربعة اشهر) ببدء الحفريات في المكان. وفي إجمالي النقاش كتب من الجانب الأول أنه "في حال اكتشاف آثار مميزة لن نسمح بالبناء إطلاقا"، ومن الجانب الآخر يتم في هذه المرحلة "إلحاق المكتشفات الأثرية بالمبنى" حسب أقوال البروفيسور رافي غرينبيرغ – رجل منظمة "عيمق شافيه" الذي فحص بشكل نقدي كومة وثائق من التقارير المرتبطة بالموضوع – واستكمل دورفمان الانقلاب بتقريب وجهة سلطة الآثار باتجاه اللجنة وباتجاه المبنى. للتفريق بين حفريات أكاديمية، بطيئة ومحسوبة، هدفها الوحيد هو إغناء المعرفة العلمية. حفريات الإنفاذ هي في مقياس حفريات سريعة هدفها إخلاء الآثار من اجل التمكن من تطوير المنطقة. "عندما دخل شوقاه دورفمان إلى المفاوضات حول الحفريات قال فعلا وافقت على البناء، وأنا استخدم صلاحياتي من أجل تغيير طبيعة هذا الموقع". وبقي الآن أن نتجادل على السعر وعلى ماذا سنزيل وماذا سنبقي" حسبما قال دروفمان".

ومن اللحظة التي بدأت فيها الحفريات في العام 2003 تعزز التعاون بين سلطة الآثار وجمعية إلعاد. واستمرت في السنوات اللاحقة المفاوضات بين الجمعية والسلطات. وفي العام 2005 تم عقد جلسة عند مهندس بلدية القدس، المهندس اوري شطريت (الذي ادين بتلقي رشاوي في قضية هولي لاند). حيث طلب شطريت من أعضاء الجمعية "السماح بتنفيذ المشروع". وبعد تأخير أكثر من ثلاثة أشهر تقابل رؤساء السلطة مع مدير إلعاد، ديفيد باري، ومع احد رؤساء الجمعية دبير كهانا (الذي يشغل اليوم مدير عام وزارة شؤون القدس). ودار النقاش حول من سيتحمل المسؤولية عن الآثار التي سيتم العثور عليها تحت المبنى، مما يشير أنه لا يوجد شخص لا يرى أن المبنى سيقام. في هذه المرحلة من المخطط هو إقامة موقف ولوبي، خطة متواضعة نسبيا أعدها المهندس موشيه سفيديا. في العام 2007 ، وبعد توقف طويل، تجددت الحفريات بكامل طاقتها برئاسة الدكتور دورون بن عامي ويانه تسحنوفتس من سلطة الآثار.

الموقف تحول إلى سوق تجاري

 يوجد موقف جفعاتي على بعد حوالي 20 مترا من أسوار البلدة القديمة. ويفصل بينه وبين السور طريق ضيق المعروف كطريق محصن. من أجل التمكن من الحفر بدون إلحاق الضرر باستقرار الشارع اضطروا في إلعاد وسلطة الآثار إقامة جدار خرساني ضخم يقوي جدران الحفرة الآخذة بالاتساع. في العام 2008 التمس سكان المنطقة الفلسطينية، مع حركة السلام الآن، ضد إقامة الجدار الخرساني والحفريات، بادعاء انه كان يجب الحصول على ترخيص بناء من أجل إقامة الجدار وأن الحفريات تمت بشكل مخالف للقانون. وأضاف غرينبيرغ أن الجدار يغطي أيضا الطبقات الأثرية التي هي إحدى العناصر الهامة في قطع الحفريات الأثرية العلمية.

وردا على الالتماس ادعت سلطة الآثار التي تعارض أيضا خطة البناء في الموقع طالما لم يتم استكمال الحفريات الأثرية. إلا أن ممثلي السلطة لم يخبروا المحكمة أنه تم في هذه المرحلة منح المصادقة من قبل السلطة لخطة سفيديا للبناء.

ادعاء آخر تقدم به السكان وهو أن موقف جفعاتي يقع في المنطقة المفتوحة الأخيرة الوحيدة في سلوان والتي كان يجب على السلطات استغلاله لصالح السكان الذين يعانون من نقص في المباني العامة والتعلمية. وفي إحدى الوثائق، التي أرسلت للمحامي بار- سيلع، يوضح جون زليغمان، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير منطقة القدس في سلطة الآثار أن "هذا ليس صدفة أن مالك المنطقة (جمعية إلعاد) هي المبادر والممول للحفريات الأثرية في المنطقة التي بحوزتها".

يقول غرينبيرغ "المغزى من ذلك هو أن المنطقة الخاصة هو فقاعة مغلقة لا تنطبق المعايير عليها. إن هذا سخافة، "المنطقة ربما تكون خاصة" ولكن الآثار هي ملك للدولة. ومن أجل هذا بالضبط أقيمت السلطة، من أجل حماية الآثار. وإذا كانت غير قادرة على فعل ذلك في المكان الأكثر أهمية، لماذا هي موجودة إذن؟".

منحت قاضية المحكمة العليا عدنا اربيل موافقتها على ردود السلطة وصادقت على الحفريات وعلى الجدار.

أخلت الخطة المتواضعة نسبيا التي وضعها سفيديا مكانها لخطة مكلفة للمهندس آرييه رحميموف. وأصبح الحديث يدور عن إقامة مركز تاريخي – مبنى من 7 طبقات و- 16 الف متر مربع. حيث سيخصص الطابق الأرضي لعرض الموجودات الأثرية ، وفوقها موقف وفوقه مبنى يضم بوابة الدخول للحديقة القومية، مكاتب، صفوف، متحف، قاعات وحوانيت تذكارات ومطاعم. كل هذا على تلة أثرية وعلى بعد 20 مترا من جدار البلدة القديمة.

في العام 2008 عرض أعضاء من إلعاد أمام مسؤولين في سلطة الآثار الخطة الجديدة. وتظهر البروتوكولات صدمة المسؤولين في كل ما بتعلق بالمخطط المكلف. ويقتبس عالم الآثار زليغمان "هناك تغيير جذري على ما اتفقنا عليه"، ويلاحظ يوفال باروخ أحد كبار المهندسين ويشغل حاليا مدير منطقة القدس في السلطة، "أن هذا مخطط لسوق تجاري"، ".. هل العظمة والجرعة الصحيحة هي صحيحة؟ .. وهل نحن بحاجة إلى مبنى بهذا الحجم؟" ويضيف دروفمان: "في الماضي كان الحديث عن مبنى متواضع بغرض وقوف السيارات، والآن يعرض مبنى ضخم".

إلا أن هذه الصدمة مرت سريعا واستمرت سلطة الآثار بدعم المشروع وتعميق الحفريات. في العام 2009 وصل المخطط إلى اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء وهناك تمت إضافة شرط له: إعداد ملف للحفاظ على الموقع قبل المصادقة النهائية على المخطط. آثار هذا البند قلق أعضاء إلعاد لأنه يعني أنه طالما لم تستكمل الحفريات ويتم التقرير بشأن ما يمكن الحفاظ عليه من بين المعطيات الأثرية، لا يمكن إعداد ملف الحفاظ ولا يمكن المصادقة على مخطط البناء. الأمر الذي يعني تأخير سنوات لتنفيذ المشروع. إلا أن أعضاء سلطة الآثار تبرعوا بالمساعدة.

كم من العظام أو القبور؟

وفقا للحسابات التي أجراها غرينبيرغ، فإن حفريات موقف جفعاتي هي الحفريات الأكبر التي تمت في القدس على الإطلاق. فقد تم لغاية اليوم القيام بـ 2000 يوما من الحفريات، وفقا لحساباته. ولغرض المقارنة، الحفريات الأثرية الأسطورية في متسادا بإدارة يغئال يادين استمرت 350 يوما فقط. المعدل الوسطي لفصل الحفريات العلمية ( الذي تم إعداده من قبل مراكز الأبحاث الجامعية) تستمر ليس أكثر من 30 يوم حفر في السنة. أي أن الحفريات في جفعاتي تعادل 65 فصل حفر أكاديمي. وحسب ادعاء غرينبيرغ، الحفريات تتم في معدل سريع.

أظهرت الوثائق أنه في شباط 2008 كشف مدير الحفريات الدكتور دورون بن عامي، إلى مدير منطقة القدس باروخ، عن وجود عظام في المنطقة. في حين ورد ذكر القبور في الوثائق بعد ذلك بثلاثة شهور. وكتب باروخ بمذكرة داخلية: "طلبت منه وقف الحفر في المناطق التي تم العثور على العظام فيها، وطلبت منه الحفاظ على الهدوء إلى أن يتم جمعها" وتبين من المذكرة أن باروخ تأثر بوجود عظام متفرقة ومتناثرة في المكان، حيث تبين أن الحديث يدور عن ما لا يقل عن مئة صندوق من العظام. وأشار باروخ "فوجئت من الأرقام". ووفقا لتقديرات بن عامي، التي ظهرت لاحقا في المذكرات، أنها بقايا لعشرات من البشر. ومع ذلك أكد بن عامي أن ليس لديه معلومات انثروبولوجية لتقدير ذلك. وأشار أيضا أنه فيما عدا أحداث متفرقة، لم يتم إيجاد هياكل عظمية كاملة بما يبدو أنه قبر، بل عظام متناثرة، كما لم يتم اكتشاف معطيات أثرية تشهد على وجود قبور منظمة. على أية حال لقد تم إخلاء صناديق العظام وبعد حفظها لمدة طويلة داخل أوعية في منطقة الحفريات تم إعادة دفنها.

إخلاء العظام البشرية من مواقع الحفريات الأثرية ليس امرأ استثنائيا. طالما لا يتم الحديث عن عظام يهودية – أو ما تعتقد أوساط متدينة أنها يهودية. مثل هذه المواقع تتحول بأغلبها إلى مناطق مواجهة عنيفة بين المتدينين المتطرفين وبين علماء الآثار. وتبين من الوثائق التي وصلت إلى "عيمق شافيه" تبين أنه في موقف جفعاتي تم الكشف عن قبور ادعوا أنها يهودية، إلا أن الأمر لم يصل إلى علم الجمهور. وفي نهاية نقاش تم في العام 2006 قال بن عامي: "اطلب الإفادة عن العثور على قبور يهودية في المنطقة وحسب علمي تم العثور على قبور في الجزء الذي بدأنا الحفر فيه الآن". فيما عدا موضوع انه بإمكان نشطاء عترات قديشا العثور على هذه القبور، فإن لها أهمية علمية. يقول غرينبيرغ "احد الأسئلة الهامة هي فيما إذا كان في القدس في القرن التاسع إحياء مشتركة يهودية- توراتية- إسلامية، وهل تم الكشف في المكان مقبرة يهودية إسلامية؟".

وقال أحد المسؤولين في سلطة الآثار لملحق "هآرتس": "لا يوجد حفريات إضافية لها كل هذه الموارد والاهتمام كما هو لمثل هذه الحفريات، وتنفيذها يتم ببطء بالقياس لما يمكن أن يتم عمله، حيث كان من الممكن الانتهاء منها خلال ثلاث إلى أربع سنوات".

تضمنت الوثائق كذلك العديد من الشكاوي المتكررة والمختلفة لمسؤولي سلطة الآثار الذين وجهوا انتقادات للسرعة التي تتم فيها عملية الحفر وان الحفريات تتم دون الأخذ بالحسبان المحافظة على الموقع. في حزيران من العام 2012 قال رعنان كسلو، رئيس إدارة المحافظة على المواقع الأثرية في السلطة في نقاش علني: "لغاية اليوم لم تقم جمعية إلعاد بدمج أو تمويل مهندس من قبلها في المشروع ، لذا فنحن نرافق بشكل عملي الحفريات فقط في نقاط محددة وليس كطاقم ثابت لمدير المحافظة على المواقع الأثرية كما نقوم بذلك في مواقع حفر أخرى. وذلك لأن جمعية إلعاد تتجاهل طلباتنا ولا تصادق على التقديرات التي ترسل لها. عمليا يؤكد هذا أنه لم يترافق مع الحفر الحفاظ على الموقع". وبعد ثلاثة اشهر من ذلك انضم بن عامي لعملية الانتقاد: "لا يوجد موقع كهذا بهذا الحجم لا يتم فيه أعمال للحفاظ على الموقع بشكل دائم حيث تم القيام بأعمال للمحافظة على الموقع لعدة أيام فقط، وجميع مطالبنا للقيام بهذه العمليات لم يتم الاستجابة اليها من قبل إلعاد".

 يحاول مدير الحفريات بن عامي والمسؤولين عنه في السلطة المرة تلو الأخرى المطالبة بإبطاء وتيرة الحفر. ولكن أفردا إلعاد ما زالوا يحافظون على ذلك. فعلى سبيل المثال في العام 2007 اقترح زليغمان وقف الحفريات طوال فصل الشتاء، بسبب التكاليف الباهظة وبسبب الحاجة لتوظيف جميع الجهود التي تم كشفها. ورفض باري، مؤسس ومدير عام إلعاد الاقتراح بوقف العمل في الشتاء وقال حسبما ورد في البروتوكول: "يجب استغلال فصل الشتاء والذي تقل فيه حركة السياح للتسريع من وتيرة الحفر". وفي نهاية الأمر تغلب رأي باري وزادت وتيرة الحفر واستمرت في الشتاء أيضا.

دوائر الفلوس

الادعاء الذي تم تداوله عبر البريد الإلكتروني، والذي بموجبه قيل أن إلعاد هي الكل بالكل، وكذلك صاحبة الرأي، يعود كخط ثاني في جميع الوثائق. الجمعية تملك كروتا قوية في قضية موقف جفعاتي: هي صاحبة الأرض وهي ممولة الحفريات. الأرض كانت في الأصل بملكية فلسطينية وتم الاستيلاء عليها من قبل الجمعية في العام 2002. بخصوص التمويل، فإن الصورة معقدة. صحيح الوثائق تصادق أن إلعاد تمول الحفريات وبمبالغ كبيرة. ولكن تبين أيضا منها أنه يبدو أن إلعاد تستخدم ذلك عمليا كقناة لنقل الموازنات الحكومية لصالح الحفريات وتقريبا هي لا تدفع شيئا من جيبتها الخاصة لهذا الغرض.

حفريات بنسق كبير كهذا على مدار سنوات طويلة هو عمل باهظ جدا. غرينبيرغ وأنه ويدار، العاملة في "عيمق شافيه" ومديرة الحسابات أداروا حسابات مختلفة وتوصلوا إلى كلفة تقديرية بحوالي ثلاث ملايين شيكل في السنة. إلعاد تمول الحفريات منذ العام 2007 (قبل ذلك كانت تمول من قبل شركة حكومية تدعى شركة تطوير شرقي القدس). ووفقا لتقديرات غرينبيرغ فإن مجموع حفريات إلعاد في مدينة داوود تصل إلى نحو 10% من ميزانية مشاريع سلطة الآثار. ولكن الوثائق تظهر أن الأموال التي تقوم إلعاد بنقلها إلى سلطة الآثار من اجل تمويل أعمال الحفر هي بمعظمها أصلها أموال حكومية. وفي معظم الأحيان لا تدخل في حسابات الجمعية بل يتم تحويلها مباشرة إلى سلطة الآثار. التي تسجل لصالح ديون إلعاد لدى السلطة. في السجلات المحاسبية يظهر أن "نقل قنوات إلعاد". على سبيل المثال في السنوات 2011 إلى 2013 حولت الوزارات الحكومية المختلفة 26.3 مليون شيكل لسلطة الآثار كتمويل غير مباشر مقابل الحفريات ومخططات التطوير لشركة إلعاد. كما لا يرى مدراء الحسابات في سلطة الآثار أيضا الأموال التي تصل من إلعاد كأموال خاصة للجمعية. وتظهر في وثائق حسابات الجمعية كمن يمول الحفريات، ولكنها تعتبر كجهة حكومية".

من الصعب الفهم من هذه الوثائق، من هي تلك الوزارات التي يصل منها التمويل. الفحص اظهر أن وزارة الثقافة والرياضة (التي هي وزارة هيئة سلطة الآثار) قامت بتحويل المبلغ الأعلى – 11.5 مليون شيكل، وصلت على ما يبدو من وزارة السياحة، عن طريق الشركة الحكومية للسياحية وكذلك مبلغ 7.3 مليون شيكل من مصادر حكومية إضافية لم يتم الكشف عنها.

يجمل غرينبيرغ "مخزون الآثار في القدس محدود جدا". ما بقي يشكل جزءاً صغيرا مما كان ويجب المحافظة على ذلك بأي ثمن". يجب الحفر ببطء قدر الإمكان وليس تحت الضغط. يجب عدم التصرف وكأننا ما زلنا في العام 1967 نحضر مع الجرافات ونزيل حطام حي المغاربة (الحي حيث يوجد اليوم حائط المبكى) وكأنه لا يوجد اهتمام لأي شخص في هذا المكان إلا من قبل إلعاد وسلطة الآثار".

رد سلطة الآثار: "السلطة هي الجسم المهني والقانوني الدائم بكل ما يتعلق بإدارة الحفريات الأثرية. الحفريات في موقف جغعاتي، التي تدار من قبل طاقم كبير من علماء الآثار المهنيين، مستمرة منذ حوالي 11 سنة. الحديث يدور عن الحفريات الأثرية التي تمت في البلاد واستمرت لأطول وقت. اكتشف في المكان بقايا مثيرة، والتي تلقي الضوء على فترات طويلة من تاريخ.

بالنسبة لخطة بناء المركز التاريخي: قرار سلطة الآثار حول هذا الموضوع تمت مناقشته بحضور رؤساء الهيئات المختلفة، ومن بينها مجلس السلطة". وتم دمج العديد من الاستشارات في هذا الإجراء من قبل علماء آثار كبار ومن مؤسسات أكاديمية مختلفة.

وحول موضوع إزالة الطبقات: من الجدير ذكره أنه من طبيعة الحفريات الأثرية، هو إزالة الطبقات الترابية وتفكيك مباني. بشكل عام ، فإن هذا الموضوع هو من صلاحية مدير الحفريات المطلقة. وعلى الرغم من ذلك، ففي حفريات جفعاتي، على الرغم من أن معظم الحفريات التي قامت بها السلطة في المناطق ذات الحساسية الأثرية الخاصة، فإنه يتم نقاش إزالة أي طبقة أو تفكيك بقايا مباني ذات قيمة نادرة من قبل طاقم من علماء الآثار والمرممين من السلطة. وهذا ما تم القيام به فيما يتعلق بالحفريات في موقف جفعاتي. وأي قول آخر حول هذا الموضوع هو غير صحيح.

المصدر: عربي 21