شبكة قدس الإخبارية

أسرى الحركة الطلابية ...آمال الحرية و آمال التخرج

عبد الرحمن إشتيه

هذا المقال ينطلق من تجربة شخصية, ولا يتوقف عند حدود القضبان التي لا زالت تضع أجيالاً من أبناء شعبنا في مذبحة مستمرة تحصد الأعمار وتطحن المستقبل .

وليس الحديث هنا إلا عن شريحة من شرائح الحركة الأسيرة, وثِقلا هاماً لها بما شكلته الحركة الطلابية كرأس حربة لمواجهة العدو, وما مثلته في استنهاض الوعي الطلابي مشكّلة صحوة امتدَّ أثرها أفقياً وعمودياً، وتمثل في قيادة الجماهير وتصدر وسائل المقاومة, حيث تضم سجون المحتل ما لا يقل عن 300 طالب جامعي بعضهم يقضي أحكاماً بالسجن المؤبد.

لكن وتعميماً للفكرة وابتعاداً بها عن التسطح أو إظهار المسألة وكأنها “فضفضة للمعاناة ” أو ” تمجيد محنة ” فإني أستذكر بداية الموقف التالي : في اعتقالي الأخير التقيتُ بالدكتور أحمد قطامش, وهو مفكر فلسطيني نشأ في اليسار, وقدم عمره بين أسر ومطاردة ونضال ضد المحتل، لا يزال يكرر التعريف عن نفسه _ رغم عمره الستيني _ حين يأتي على ذكر سنوات اعتقاله قائلاً: “أنا سأخرج من الحياة ولا أقول رصيدي عدد سنوات سجني, إنما رصيدي علمي وفكري وما ألفته من كتب وبحوث”.

إذاً فالمعركة معركة إرادة والانتصار فيها ليس مقدار صمودك فحسب, بل نوعية إنجازك، ورغم البعد الإنساني للحركة الأسيرة بشكل عام وأسرى الحركة الطلابية منها بشكل خاص, فإن طرح الموضوع من زاوية المعاناة يعتبر تنبيهاً لضرورة الصمود ووجوب التضحية, وهو اجترار ترفضه عزة الإنسان وكرامته, وبالتالي فإن الطرح هنا تسليط للضوء على شريحة أسرى الحركة الطلابية بما يمثله اعتقالهم من خسائر, وما تمثله الحركة الطلابية من هدف للمحتل بغية إضعافها وإجهاض دورها, والمتابع يدرك أن تركيز الاستهداف ينصبُّ على نشطاء الكتلة الإسلامية والجماعة الإسلامية وجبهة العمل الطلابي على وجه الخصوص.

وعلى الرغم من أن أبناء الحركة الطلابية تقدموا صفوف المواجهة, وقاد بعضهم العمل العسكري المقاوم ضد المحتل وكبّده الخسائر الفادحة، إلا أن الاستهداف شمل حتى العمل النقابي لهذه الكتل الطلابية, بل واستهدف الجامعات والطلبة بشكل عام، معرقلاً دراستهم في ردة فعل منه لكون الجامعات منطلق الزخم الجماهيري لمقاومة المحتل طوال سنين وجوده, إضافة إلى رؤيته الاستراتيجية في تجهيل شعبنا ومحاربة أي تقدم علمي وأكاديمي ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وإذا تحدثنا عن واقع نشطاء الحركة الطلابية في العمل النقابي وأثر الاعتقال عليهم, نجد أن العمل الطلابي بشكله المطلبي ارتقى ليحمل هموم الطلبة ويطالب بحقوقهم ثم ليتقدم صفوفهم في كل ما يخدم قضاياهم ويستثمر طاقاتهم نحو ثوابت فلسطين وهويتها.

وهذا بدوره جعل الحركة الطلابية هدفاً للمحتل بالاعتقال والملاحقة .. لنجد بعدها أن من تأخر فصلاً دراسياً يعاني العودة إلى مقاعد الدراسة, إضافة إلى صعوبة المواكبة أكاديمياً، مع ضياع فرصة التميز الدراسي نتيجة الاعتقال, عدا عن صعوبة مواكبة الأجيال وهي تتخرج تباعاً دونه, ثم الأثر البالغ لشهادة جامعية تشتتها فصول التأجيل القسري هنا وهناك كيف يكون مستقبلها في سوق العمل ؟ أو كيف تكون الصعوبة في الدراسات العليا؟ هذا دون ذكر حرمان السفر لغالبية من اعتقل لدى الاحتلال، ومن المفارقة أن تجد طالباً انخرط في عمل عسكري مقاوم وغيبته السجون عدة سنوات يتخرج قبل زميل له، فلا زالت تؤخره الاعتقالات المتقطعة بتهم العمل النقابي كرئيس سابق لمجلس الطلبة أو عضو في الكتلة الإسلامية … كل ما سبق لم يقنع المحتل، بل عاد مؤخراً إلى سياسة تصعيدية لرفع أحكام العمل الطلابي للكتلة الإسلامية، خصوصاً رفع وقف التنفيذ في محاولاته المستمرة للردع بالأحكام الجائرة.

فكيف إذا أضفنا لكل ذلك ضرورة مرور أسرى الحركة الطلابية على سجون السلطة؟ لتؤخرهم عدة أشهر عن دراستهم أكثر مما تؤخرهم سنوات السجن لدى المحتل الغاشم ؟؟!! وبالتأكيد سبب الاعتقال هو النشاط الطلابي البحت وإن كان كل ما سبق هو من طبيعة الصراع مع المحتل, فإن الصمود في مواجهة وسائل استهدافه هو الحد الأدنى, ولن يكتمل هذا الصمود إلا بالإصرار على الإنجاز كما أسلفت، لكن وجب أن تتوفر الظروف الموضوعية لتحقيق الصمود وإنجاز هذه الشريحة من حركتنا الأسيرة, ولا أعتقد إن أي من أسرى الحركة الطلابية يطلب تقديراً على خياره وثمناً لتضحيته … لكن لا أقل من أن يتم استيعاب دور الحركة الطلابية, ولا أقل من أن تركز الجامعات على سلاسة عودة هؤلاء الطلبة إلى مقاعد دراستهم وتسهيل متابعة طلبهم للشهادة الجامعية, بما لا يتعارض مع أنظمة الدراسة وبما يراعي – في ذات الوقت – التأخر الحاصل باعتقالهم.

وأذكر على سبيل المثال, قضية احتساب الفصل الدراسي للطالب المعتقل كيف تزيد من تأخير الطالب, إذ يكفي اعتقال شهر أحياناً لضياع فصل درس الطالب معظمه, وضياع فصل لاحق فاته موعد تسجيله. ثم وجب أن يوجًّه الاهتمام عبر مؤسسات الأسرى الرسمية والخاصة نحو قضية الطلبة المعتقلين ونشطاء العمل الطلابي والنقابي منهم, والاهتمام لا يقف عند الجانب الإعلامي فقط، بل يعني المتابعة والتفعيل , وحين يُصرُّ الاحتلال على حرمان أسرانا من حقهم في التعليم الجامعي حتى داخل السجن, وحين تطرح المحاكم الاسرائيلية رفع الأحكام على العمل النقابي, فالأصل أن تواجه هذه الخطوات بخطوات قانونية وإعلامية ضد المحاكم وعلى المستوى الدولي، كإظهار لجريمة أخرى من جرائم المحتل في مجال الاعتقال التعسفي. وبالتأكيد إن تجمع الأكاديميين في أوروبا وأمريكا واتحادات الجامعات سيزداد إصراراً على المقاطعة الأكاديمية للكيان المحتل حين يتم وضعهم في صورة أسرى الحركة الطلابية.

ويبقى التأكيد مرة أخرى إن السياق هنا سياق معاناة لها أثرها، وممارسة احتلالية تنجح في قمع حريتنا دون أن تنجح في وأد إصرار شعبنا وتحديه نحو الإنجاز بطلب العلم في مسيرة طلبه للحرية والتحرير