"عاصمة أوسلو" "رام الله الشقراء" و "عاصمة السراب الفلسطيني" ، كلها اسماء أستخدمت لنعت رام الله العاصمة المؤقتة الدائمة للسلطة الفلسطينية.
مثقفون مستثقفون، ناشطون ليبراليون محزبون يساريون اسلاميون علمانيون نسويون ونسويات فقراء اغنياء، ابن البلد والتايلندي كلهم كائنات تسكن رام الله، العاصمة التي احتارت الكائنات اعلاه في توصيفها بما يليق بأحوالها غير المعقولة.
كمقيمة في رام الله منذ ست سنوات بحكم الدراسة والعمل وبحسب التصنيف أعلاه فأنا "تايلندية" وافدة ابحث عن لقمة العيش وعن هامش استطيع فيه بناء حيز خاص ذاتي أعيشه كما أريد، وصحفية غير ممارسة للمهنة في الوقت الحالي، وضعتني عدة ظروف قريبة من عدد من التصنيفات اعلاه، لست ناشطة ولا مثقفة ولم أخرج يوما بمسيرة وهذه اول تدوينة لي!
ثلاث فقرات في الاعلى هي تعريفات لا بد منها، في العام الماضي صدر كتاب " حلم رام الله: رحلة في قلب السراب الفلسطيني " للصحفي بينجامين بارت الذي عمل مراسلا لصحيفة "لوموند" الفرنسية في رام الله والذي يتحدث فيه بارت عن طبقات استحدثت، وخطط لسلام اقتصادي، وعن مناضلين ومثقفين تخلوا عن المبادئ. من أجل أوهام عامة، ومكاسب خاصة، كما يكتب"هذا البلد المستحيل والمأساوي والعبثي الرائع الذي يشبه بأجوائه روايات فرانز كافكا، ولويس كارول، اسمه فلسطين، أو بالأحرى الضفة الغربية"، ويضيف بارت : "رام الله أقل مجونا من تل أبيب وأقل بهرجة من بيروت، لكنها أكثر إثارة للدهشة من الاثنتين، وهي الآن الفقاعة الجديدة في الشرق الأدنى".
"عاصمة السراب الفلسطيني" كما يسميها المؤلف، التي تتعرض لاقتحامات الاحتلال الليلية، ومحاصرة بالمستوطنات والحواجز، لا تكف عن محاولة الظهور بمظهر الحياة الطبيعية: "منذ عام 2007، تفتتح حانة جديدة أو مطعم عصري كل ثلاثة أو أربعة أشهر"، إنها الزبد التي تحاول إخفاء ما يدور في المدينة، التي يوجد فيها عدة مخيمات للاجئين، والتي يزيد فيها الفقراء فقرا، في حين تتكون فيها طبقات سريعة الثراء، بقرارات فوقية".
كل ما ذكره بارت هو واقع معاش في رام الله، ولا يختلف احد فينا على انها عاصمة شكلية استحدثت لتكون واجهة للسلطة الفلسطينية، ولكن مع كل ما يفرضه هذا الواقع الملحّ الذي يجعلك تنتبه له وتدركه ولو لم تكن تنتمي للتصنيفات المكونة لرام الله، فإنه من العبث ان تتجاهل إرث رام الله التاريخي، فهي مدينة كباقي المدن الفلسطينية وجودها سابق للوجود العبثي للسلطة.
ويكفي أن تكون فيسبوكيا مطلعاً لتلاحظ كيف يتندر من يعارضون النهج السلطوي على رام الله بنعتها على وجه الخصوص "بعاصمة أوسلو"، ويكفي ان تنخرط مرة واحدة في أحدى التجمعات الشبابية للناشطين في رام الله، لتدرك أنهم جزء لا يتجزأ من المظهر الشكلي لرام الله المستحدثة، وانهم ايضا متورطون بما يكفي في تشويه هذه المدينة وتنمطيها.
هؤلاء الناشطون يجدون في رام الله مراتع الصبا، لا يقدرون على العيش خارجها، ولا يقدرون على العيش من دون الهامش الليبرالي الذي وفرته المدينة المستحدثة لنموهم وتواجدهم، اغلبهم منسجم مع "عاصمة أوسلو"، يعمل في مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية، ولكن هي موضة "انتقاد المدينة" التي سوقها بعض الناشطون.
رام الله لها هوية تاريخية يجب إنصافها، فيا ناشطي ومثقفي هذه البلد لا تظلموا هذه المدينة أكثر، ولا تعززوا شكليتها العبثية المشوهة كما أراد لها التمويل الأجنبي أن تكون، التمويل سيختفي يوماَ ما ووجود السلطة مشروط به "والدايم وجه الله"، أنتم أهل البلد والثابت الوحيد فيها.



