شبكة قدس الإخبارية

مقابلة خاصة مع المحرر ناجح مقبل... بعد 23 عاما من الأسر يفتح ملفات حياته

هيئة التحرير

لارا يحيى ومصعب شاور

خاص-شبكة قدس: الأخ الأصغر بين أربعة شقيقات، ناجح مقبل ابن الـ (٤٥ عاماً) خرج للحرية حاملا بيديه أحلاما بغد أفضل بعد أن كان اعتقلته قوات الاحتلال وهو لم يتجاوز العشرين عاما، نال حريته في ما سمّي بصفقة "حسن النوايا" الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وهو معتقل منذ ١٠ / ٧ / ١٩٩٠م.

في ٨٦ وببدايات الانتفاضة، كانت الظروف المحيطة به "طبيعية"، كما وصفها، إلا أن نشاطاته الطلابية في مدرسة اليتيم العربي بالقدس المحتلة، كانت هي التي قادته إلى التخطيط للعملية في العام ١٩٩٠، وفي عام ١٩٨٧ عشنا معاني الانتفاضة، في ٢٠ / ٥ / ١٩٩٠، كنت بالأساس مطلوب نتيجة لمشاركتي في الأنشطة الميدانية للمدرسة، في هذا اليوم وقع حادث اعتداء على العمال الفلسطينيين، بمستوطنة ريشون ليتسيون، وتم قتل ٧ منهم.

[caption id="attachment_32875" align="aligncenter" width="300"]المحرر مقبل يقبل رأس أمه بعد 23 عاما من الاسر المحرر مقبل يقبل رأس أمه بعد 23 عاما من الاسر[/caption]

قتل إسرائيلي 

قبلها بأيام كان ناجح وأفراد مجموعته قد قرروا تنفيذ هجوم فردي أدى لمقتل إسرائيلي واحد، هذه العملية التي صادف تنفيذها يوم الاعتداء على العمال العرب، والتي أكتشف من وراءها لأسباب معينة "رفض ذكرها" أدت لاتخاذه قرار بالنزول تحت الأرض.. والاختفاء عن أعين الاحتلال، بعد نحو شهرين من المطاردة اعتقل في العاشر من أيلول العام ١٩٩٠ من قرية كوبر شمال غربي رام الله المحتلة.

لحظة الاعتقال هاجمه جنديان من جنود الاحتلال كتفوه وكان بصحبتهم ضابط، قال الضابط حينها ساخراً "لقد قبضنا على خروفٍ سمين / נעצרתי שומן כבשים"، القاه الجنديان أرضاً، ووجهه إلى الأسفل تشاهد ناجح مراتٍ عدة، وكان يعتقد أنه لن ينفذ من ٢٠ / ٥ وحتى ١٠ / ٧ / ١٩٩٠ عاش ناجح تحت الأرض حتى وإن لم يضطر إلى الفرار نحو الجبال إلا أنه كان تحت أضواء الاحتلال..

"أنا لست بقاتل، نحن في حالة صراع مع العدو، وأي خسائر للعدو تعني إنجازاً لنا وتسريع في عملية التحرير.. نحن لا نحصي قتلاهم، نحن نحصي خطواتنا نحو التحرير، وعلى كل من يقرأ هذا الكلام أن يعي أن قتالنا لأجل الحرية وليس لأجل القتل، نحن من مدرسة فتحاوية تؤمن أن النضال يتمثل في مبضع جراح، وريشة فنان أو كلمة إعلامية، او حتى بالزراعة، الأمر لا يتعلق بالقتل فقط".

من هذه اللحظة بدأت مرحلة الاعتقال الحقيقي

كان لحظة الاعتقال الحقيقية بالنسبة لناجح حينما بدأ التحقيق الصعب، ذكر ناجح بأن أساليب التحقيق قديما كانت اعنف مما هو موجود اليوم، لقد كان الأمر أشبه بالجحيم، والأمور التي يتعرض لها الأسير من تعذيب وأساليبه أصعب من أن توصف، حقق معه في ٣ مواقع الأول  مركز تحقيق رام الله، منه للمسكوبية، ومنه إلى بتاح تكفا، كل مركز تحقيق تولى التحقيق بموضوع مختلف، لمدة ٣ أشهر ونصف نال فيها ناجح الاساءات الجسدية والنفسية، والشبح والتعذيب.

 عن أبرز ما يذكره من التحقيق قال لنا ناجح : "أذكر تماماً حين قال لي المحقق هناك سر في تحركاتك، لقد إقتربنا من اعتقالك كثيراً لكنك كنت تغادر قبل وصولنا إليك.. من كان يساعدك؟! ، لكن فعلاً لم يكن هناك من يساعدني، ربما كان هذا دعاء والدتي فقط".

[caption id="attachment_32876" align="aligncenter" width="300"]مقبل قبل أن يعتقل نفذ عملية قتل إسرائيلي في القدس مقبل قبل أن يعتقل نفذ عملية قتل إسرائيلي في القدس[/caption]

دوامة النقل.. دون معرفة الحكم

بعد الثلاثة أشهر نقل ناجح إلى مركز توقيف المسكوبية.. بعد ٣ أشهر أخرى في سجن المسكوبية اكتشف مركز التوقيف أن وجود ناجح غير متناسب مع الأحكام التي تحتجز فيه، ونقل لسجن نابلس القديم المركزي، ورده عن الباب.. كونه ذوي حكم "عالي" .. نقل إلى سجن الجنيد المركزي، مضى عليه ٧ أشهر وهو موقوف.. عرض أخيراً على المحكمة، ونال حكماً بالسجن المؤبد، وأعيد إلى سجن الجنيد.

 ظروف السجن

في نهاية العام ١٩٩١ كان ناجح قابعاً في سجن الجنيد، لقد كان سجن الجنيد في البداية عبارة عن قبر فعلي، كان يمنع إدخال الصحف للأسرى،.. حتى أنها انعدمت أدنى وسائل المتطلبات الانسانية للحياة، لكن سجن الجنيد تميز بوجود جهاز تلفاز في كل غرفة، يحدد القنوات المعروضه عليه الاحتلال، جاء هذا بعد خوض الأسرى خطوات تصعيدية مستمرة لإرغام الاحتلال على توفير هذه "الميزة".

في تلك الأعوام كان إدخال الملابس المدنية ممنوع على الأسرى .. كانت جل ممتلكات الأسير هي لباسين من "مصلحة السجون" يرافقها ما يعرف بالجروانة وهي علبة أو صحن بلاستيكي، بالإضافة لكأس بلاستيكي، وحذاء، بالإضافة لملابس داخلية مصدرها الصليب الأحمر، كانت الألبسة عبارة عن مواد قمعيه، فكرة فرض هذا اللباس كخيار وحيد كان يشعر الأسرى بالأسى، نوعية القماش السيء وعدم تلائمه مع فصول السنة .. كانت ما دفع الأسرى بالنهاية لخوض اضراب لتغيير القماش واللون.

لقد عاصر ناجح ٤ ألوان من ملابس المعتقلات.. لبس في البداية اللون "الكاكي" أو ما يشبه لون زي الجيش البريطاني، تبع لونٌ أزرق، وبعدها البرتقالي، عبر الخطوات النضالية والتصعيد، طالب الأسرى بلون جديد وقماشه جديدة بعدها، عرضت إدارة ثلاثة ألوان كان من ضمنها المقلم طولياً بالأسود والأبيض، رفضه الأسرى وبشدة، لأن إدارة السجون كانت تحاول فرض لونٍ متعلق بممارسة حكومة "المانيا النازية" ضدهم إن صح الادعاء، وهو اللون الذي فرض على اليهود في حينه.

 لقد كانت السجون الحكومة الوطنية بداخل السجون، حتى أنها تحتوي كافة الوزرات الموجودة في الحكومة، كان دستور الحركة هوه ما يحكم السجون فعلياً، يمككنا القول حتماً أن أرقى أشكال الديموقراطية هو ما يحدث داخل السجون، والعملية الديموقراطية التي يمارسها الأسرى كانت الأصدق على الدوام.

السجن المدرسة

حصل ناجح على درجة البكالوريوس أثناء وجودة بالسجن، من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، قال ناجح عن قدرته على تحصيل هذه الدرجة .. قال بعد العام ١٩٩٢ استطاع الأسرى نتيجة للصراع الطويل أن يرغموا إدارة السجون على قبول أن يدخل التعليم إلى السجون، طالب الأسرى بأن يسمح لهم بالدراسة في الجامعات الغربية أو العربية، إلا أن الإدارة فرض التعليم بالجامعة العبرية، ورغم هذا قبل بعض الأسرى ومن ضمنهم ناجح بهذا الشرط، لحبهم في الدراسة، وأملهم بالحرية، ناجح اليوم يدرس العبرية بعد أن تعلمها في المعتقلات.

هناك اليوم وعي أكبر وقدرة على التحرك أكبر، كون قيود الاحتلال قد رزحت، مقارنة مع ما وجهه الشباب الفلسطيني قبل قدوم السلطة.

رحمٌ ضيق

في الانتفاضة الاولى مزق ناجح مقبل وغيره من الشباب هوياتهم، في رساله موجهة لرفض الاحتلال، اعتقل وهو بلا هوية، وفي ليلة ٣٠ / ١٠ / ٢٠١٣ تنسم أولى نسائم الحرية، يوم الأربعاء ٦ / ١١ / ٢٠١٣  حصل مقبل على هوية جديدة وشهادة ميلاد تحمل وسم السلطة الوطنية الفلسطينية، كان الأمر بالنسبة له كمن ولد من جديد لكن هذه المرة كان الرحم أضيق من رحم والدته..، لقد طلب بصدق من موظف الداخلية أن يضع يوم ميلاده في الثلاثين من أكتوبر ٢٠١٣.. فلا يوجد ما يعوض الحرية بحسب تعبيره.

"لقد حاول الاحتلال أن يسرق فرحتنا بالحرية، لكن الاستقبال الرسمي في رام الله المحتلة، كان فوق ما يستطيع أي أحد وصفه، حتى على مدخل المخيم، وقوف النساء وهن يحملن أطفالهم على المدخل، كان مشهد إقشعر له بدني، بكيت بحرقه من هذا الاستقبال العظيم.. عرفت حينها أن الشعب لم يتخلَ عنا يوماً".

إلا أن فرحته كانت ممتلئه بالوجع والغضب، مشاهدة الجدار عن قرب، الاقتناع بأنه موجود، زرع الغصة في قلبه، كان قد شاهده مراراً عبر التلفاز، إلا أن المشاهدة الحية كانت مؤلمة بحق، لكن شيء بداخله هتف بأنه إلى زوال وأن الصغار ورثة الذاكرة الجمعية لن يتركوه أمداً طويلاً.

خرج مقبل من الأسر ووالدته الحاجة مريم جوابرة (80 عاماً)، تحلم اليوم بتزويجه لكنه متمهل يحاول أن يستوعب تطورات الحياة، وجود كل هذه التكنولوجيا، وتغيرت محيطه الأصلي في المخيم.. رغم اقتناعه بأن قلوب أبناء اللجوء لم تتغير.