في مثل هذا اليوم من عام 2004 اعلن فريق الأطباء في مستشفى "بيرسي دو كلامار" العسكري قرب العاصمة الفرنسية "باريس" توقف قلب صاحب الكاريزما السياسية والعسكرية الأكثر شهرة على مستوى العالم العربي إن لم يكن الدولي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي "ياسر عرفات".
عرفات الذي نقل إثر إصابته بمرض غريب بدات اعراضه تظهر وبمستوى عالي على جسم الرئيس عرفات في نهايات شهر أوكتوبر من عام 2004، حيث فشلت كل محاولات تشخيص المرض الذي أصابه وهو محاصر في مقاطعته بمدينة رام الله فقرر الأطباء نقله وعلى وجه السرعة إلى العاصمة الفرنسية باريس ولقي ذلك ترحيبا من قبل الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" الذي كان يعتبر من الأصدقاء المقربين لعرفات.
[caption id="attachment_32711" align="aligncenter" width="300"] الرئيس عرفات يرقد في المـشفى بعد سقوط طائرته في صحراء ليبيا عام 1991[/caption]40 محاولة اغتيال
بحسب مصادر مقربة من الرئيس عرفات لـ40 محاولة اغتيال اضافة إلى عشرات المرات التي نجا فيها من الموت المحقق سواء في ارض المعركة او في حوادث قدرية، حيث بدأت "إسرائيل" تتعقب عرفات منذ بداية العام 1964 حتى وفاته و كانت أول مرة تفكر "إسرائيل" فى اغتيال عرفات عام 1964 حين كانت حركة فتح في بداية طريقها حيث راقب الموساد في تلك الفترة شقة سكنية بمدينة "دريمشتات" في المانيا الغربية لاحظ دخول وخروج قادة المستقبل الفلسطينيين منها واليها لكن اسمين من هؤلاء القادة اشعلوا الضوء الاحمر في الموساد "خليل الوزير" الذي حمل لقب "ابو جهاد" وستطاله فيما بعد يد الاغتيال الاسرائيلية على الارض التونسية وياسر عرفات.
شغل "رافي ايتان" في ذلك الوقت قيادة محطة "الموساد" في اوروبا وتوجه "ايتان" في يوليو 1964 الى رئيس الموساد "مائير عاميت" وطلب منه إصدار أمر لقيساريا وهو الاسم الحركي لوحدة الاغتيال الاسرائيلية بالموساد حسب المصادر الاستخبارية الغربية الطلب منها اقتحام الشقة وقتل جميع من فيها وراسل ايتان رئيس الموساد بالاسم الحركي المعروف حينها وهو "ريمون" وقال له يوجد لدينا إمكانية لن تتكرر للوصول الى الهدف (المقصود به ياسر عرفات) يمكننا التنفيذ بسهولة .
كان عرفات عام 1965 في العاصمة السورية دمشق، فقامت وحدة 504 بتجنيد جاسوس وخطط لتفخيخ سيارته لكن العملية لم تنجح لأسباب ميدانية وتنفيذية وفي وقت لاحق حين اعتقلت السلطات السورية ياسر عرفات وولدت فكرة تجنيد سجناء جنائيين وخارجين عن القانون لاغتيال عرفات داخل السجن السوري وأيضا هذه الخطة لم تخرج لحيز التنفيذ وأطلق سراح ياسر عرفات بعد ذلك فى سقطة اخرى للموساد .
وحينما جاءت نكسة يونيو 1967 أرغم ياسر عرفات على القتال بشكل مفاجئ خلال جولة ميدانية في القدس الشرقية و لكنه سرعان ما هرب من قادة "الشاباك" انفسهم .
[caption id="attachment_32713" align="aligncenter" width="300"] أول محاولة اغتيال تعرض لها كانت عام 1964[/caption]عرفات... صاحب ألف روح
اما بعد نكسة يونيو 1967 تحولت عمليات عرفات ورجاله من عمليات هواة الى عمليات قاتلة ولكن "إسرائيل" ولمدة ستة أشهر لم تكن تعرف مكان وجوده حتى جاء العميل "غروتيوس" الاسم الحركي لأمد عناصر الشاباك الإسرائيلي والذي كان ينتمي لحركة فتح، حيث سلم لمسؤوليه في الشاباك معلومات أفادت بأن قيادة عرفات نقلت الى البلدة الاردنية الكرامة حينها قرر الجيش التوغل في البلدة وتصفية عرفات ورجاله ولكن كما هو معروف تعقدت العملية وقتل فيها 28 جنديا إسرائيليا ونجح عرفات بالهرب من البلدة في الثواني الأخيرة.
فى عام 1968 بعد نجاح الجبهة الشعبية بقيادة عرفات اختطاف طائرة شركة العال الاسرائيلية فكر "الموساد و الشاباك" معا في تصفية عرفات بطرق تعد أكثر غرابة فى التاريخ.
وكانت الخطة الأكثر غرابة هي محاولة اغتيال عرفات عن طريق التنويم المغناطيسي عن طريق طبيب نفسي فى سلاح البحرية الاسرائيلي يدعى "بنيامين شاليط" و على ما يبدو أن فكرة المراهنة على تنويم شخص ما وربط مصير عملية هامة بهذا الشخص أمرا غريبا ولكن هناك منظمات استخبارية أكبر بكثير من الموساد مثل "السي أي ايه" و"الكي جي بي" ـجرت في تلك الفترة تجارب عديدة على التنويم المغناطيسي.
وفى عام 1973 جاءت فرصة على طبق من فضة للموساد والجيش الاسرائيلي ليس لاغتيال ياسر عرفات فقط بل جميع قادة منظمة التحرير التي نظّمت في ذلك الوقت احتفالا كبيرا في بيروت وقبل الاحتفال بساعة تقريبا اجتمعت القيادة في مكتب قريب وهنا بدأت طائرات "الفانتوم" الاسرائيلية التدريب على قصف المكتب ولكن في يوم التنفيذ غطت سحابة كثيفة الهدف ومع هذا اتخذ سلاح الجو قرارا بإرسال الطائرة على أمل أن تفتح باب الفرصة حين يحين الوقت وتسمح الظروف للطائرة برؤية أفضل وكانت الأوامر للطيارين تؤكد عليهم تنفيذ القصف فقط في حالة مشاهدة الهدف لكن حانت الساعة الموعودة ولم تفتح نافذة الفرصة المرتقبة وهنا حاول الطيارون الهبوط أسفل الغيوم وحينها ترائى لهم الهدف واسقطوا قنابلهم لكن وبسبب اسقاط القنابل من ارتفاع منخفض لم يكن بالمقدور توجيهها فسقطت على سطح المبنى ولم يصب سوى سائق ابو جهاد الذي وقف خارج المبنى يدخن سيجارته ونجا عرفات "صاحب الألف روح"، على حد وصف الموساد، مرة اخرى".
[caption id="attachment_32714" align="aligncenter" width="282"] الاحتلال خطط منذ العام 1968 باغتيال عرفات بطريقة غير تقليدية[/caption]خطة "واجد واجد" لاغتيال عرفات
وفى عام 1982 اصدر رئيس الوزراء الاسرائيلي "مناحم بيجين" أوامره بإلغاء خطة "واجد واجد" لاغتيال عرفات بسبب إمكانية إصابة أشخاص رفيعي المستوى الدبلوماسي العالمي فى هذه العملية.
وفى حرب لبنان الأولى كان عرفات أحد أهم أهداف هذه الحرب وفورا مع تقدم القوات الاسرائيلية نحو بيروت أقام رئيس أركان الاحتلال "رفائيل ايتان" قوة مهام خاصة أطلق عليها الاسم الرمزي "السمك المملح" مهمتها مساعدة رجال الموساد في تعقب وتحديد مكان عرفات وقتله و لكن جميع المحاولات التي استهدفت قتل عرفات فى هذه الحرب باءت بالفشل.
وتوالت محاولات اغتيال عرفات منذ عام 1984 و حتى عام 2001 و لكن تميزت تلك المحاولات بأنها ثأر من رئيس الوزراء الاسرائيلي "ارييل شارون" الذي واصل كراهية عرفات طيلة السنوات الماضية رأى به جزء من المشكلة وليس جزء من الحل وبدأت مع بداية عام 2001 النقاشات داخل اسرائيل والمتعلقة بالسؤال ماذا نفعل مع عرفات.
وأدت تخوفات "إسرائيل" فى هذه المرحلة من قتل عرفات الى ان توصلوا لإقناع الدول الأوروبية بأن عرفات ليس الرئيس الشرعي للسلطة الفلسطينية.
واصل قادة الاحتلال التفكير طوال الوقت ماذا يفعلوا بعرفات وكان هناك انقساما في الاراء هناك من اعتقد بضرورة قتله علنا وهناك من اعتقد بقتله سرا بشكل لا يربط مقتله بإسرائيل وهناك من اعتقد بإبعاده وطرده.
وعلى مدار 13 يوما مكثها عرفات في مستشفى "بيرسي" الفرنسي حاول طاقم كبير من الاطباء والخبراء إنقاذ حياته ويتضح من التقرير الكبير الغريب الذي نشر لاول مرة في كتاب الحرب السابعة للكاتبين "عاموس هرئيل" و"آفي سخاروف" بأن الاطباء والخبراء وقفوا عاجزين أمام المرض الغريب الذي أصيب به ياسر عرفات.
الاغتيال بالسلاح النووي
وتشير التقارير الى انه وفي يوم 12 اكتوبر عام 2004 حين كان عرفات محاصرا وبعد اربع ساعات من تناوله لوجبة العشاء أصيب باوجاع في البطن واسهال وغثيان وحالة من القيء وإحساس عام بالسوء واستمرت الحالة وبعد عدة ايام ظهرت حالة من اليرقان وبعد فحص "الكتراساوند" لبطنه ولم يكتشف سببا محددا للمرض لكن لوحظ تدهور في وضعه وانخفاضا مستمرا في عدد الصفائح الدموية.
وخلال وجوده في المستشفى ثارت شكوك حول تعرضه لتسمم على يد جهات معينة فأجرى الاطباء سلسة واسعة من الفحوصات الدم والبول وفحوصات السموم الطبية وسموم المعادن الثقيلة بما في ذلك فحص وجود عنصر السيزيوم والكروم والكوبلت وغيرها من العناصر الى جانب مواد مشعة يمكنها تسبب حالة من التسمم الاشعاعي وجميع الفحوصات كانت سلبية لكن عنصر البولونيوم الذي سبب الوفاة حسب نتائج التحقيق الأخيرة لم يجري فحصه لكن لا يمكن اتهام الاطباء بهذا حيث وصلت المعلومات المتعلقة بامكانية استخدام هذه المادة للقتل فقط عام 2006 بعد تسميم الكسندر ايتفيتتكو العميل الروسي السابق الذي قرر توجيه الانتقادات العلنية للرئيس بوتين.
"يديعوت احرونوت" العبرية/ ومصادر خاصة