استقبل مخيم جنين فجر اليوم أسيره المحرر محمد الصباغ بعد غياب قسري دام 23 عاماً بفرحة عارمة و بهجة طالما انتظرها أهله وأصدقاؤه ويعتبر الصباغ رابع أقدم أسير في الحركة الأسيرة في مدينة جنين حسب الاحصاءات، حيث اعتقل الصباغ في الثالث والعشرين من يناير لعام 1991، ومحكوم بالسجن المؤبد 3 مرات بتهمة المشاركة في مقاومة الاحتلال، ويُعتبر أحد قيادات الحركة الأسيرة، ومن عمداء الأسرى، وهو أعزب ويأتي بالترتيب الخامس في أسرة لاجئة ومناضلة مكونة من 12 فرداً، تسكن مخيم جنين، في جنين المحتلة، شمالي الضفة الغربية.
إنّ المسيرة النضالية للأسير الصباغ بدأت وهو على مقاعد الدراسة، وحكايته مع الأسر بدأت مبكراً معها وهو في عمر الزهور، حيث اعتقل للمرة الأولى بعمر (13 عاماً) فقط وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة خمسة شهور بتهمة رمي جنود الاحتلال بالحجارة، وأتت المرة الثانية حين أعتقل لمدة ثلاثة شهور بنفس التهمة، وهذه هي المرة الثالثة التي يُعتقل فيها ولم يكن حينها قد تجاوز السادسة عشر من عمره، حُكم عليه بالسجن المؤبد، ولم تشفع له طفولته أو صغر سنه أمام عنجهية الاحتلال وبطش جنوده ومحققيه ومحاكماته الصورية.
[caption id="attachment_31879" align="aligncenter" width="300"] المحرر الصباغ كان يقضي حكما بالسجن المؤبد 3 مرات[/caption]آخر أيام الأسر
التقينا الأسير المحرر في منزله بعد حرية طال إنتظارها، فحدّثنا عن مشاعره في آخر أيام من الأسر قائلاً: "في بداية إصدار قرار اختيار قائمة الإفراجات عن القدامى حدث نوع من الارتباك لدينا وبعد اختيار اسمي فرحت كثيرا إلا أنّ شعوري في الأيام الاخيرة اتجاه اخوتي في الأسر كان صعباً للغاية، إضافة إلى أن وداعنا للأسرى لم يكن بسيطاً على العكس لقد كان مؤلماً جداً بعد هذا العمر الذي قضيناه معاً ولا ندرِ متى يكون لقائنا القادم معهم وهم أحرار بإذن الله".
وأضاف "إنني لم أعرف النوم منذ أربعة أيام، كنا ننتظر الإفراج لثلاثة من القدامى في نفس القسم، وللأسف استثني من الخروج الأسير نعمان شلبي من السيلة الحارثية بجنين، وماتت فرحتنا الحية أمامنا".
ووجه العميد الصباغ دعوة لجميع أبناء فلسطين للاهتمام أكثر بالحركة الأسيرة وما تعانيه من قبل إدارة السجون، وشكر كل من استقبله من أهل محافظة رام الله إلى أن وصل مدينته ومخيمه مخيم جنين، الذي لا يستطيع وصف مدى الفرحة في عيون أبنائه لحظة ما وطئت قداماه أرضه؛ على حد تعبيره.
الصبر لـ ٢٣ عاماً
وقال العميد الصباغ: "لم أفقد الأمل ولم تتغير مشاعري ورسالتي وأحلامي وأهدافي، بل على العكس إن سنوات الأسر التي تعتبر جزءا من واجب النضال والتضحية التي جعلتني أكثر ايمانا بقضيتي وعدالتها، وكل أسير يرسم أحلامه بما يتوافق والرسالة التي يؤمن بها وهي حرية شعبه وكرامته وخلاصه من الاحتلال، كما أن سياسة الاحتلال تقضي بتحويل كل دقيقة ويوم في حياة الأسير لجحيم ومعاناة، وطوال السنوات الماضية تجرعت كل أصناف العذاب من عزل وعقاب وحرمان من الزيارات، ورغم ذلك صمدت ولم أستسلم لإرادة سجاني يوماً حتى عندما رُفضت وكانت سلطات الاحتلال تشطب اسمي من صفقات التبادل والافراجات وقررت التحدي ومواصلة حياتي، فأكملت دراستي في الأسر وحصلت على الثانوية العامة والتحقت بالجامعة وواجهت الكثير من العقبات المبرمجة من الاحتلال لمنعي من التخرج من الجامعة، وكنت في غالبية الأحيان أحرم من التقدم لامتحانات نهاية الفصل، ولكن بعد أربعة عشر عاماً من الدراسة الجامعية ."
[caption id="attachment_31881" align="aligncenter" width="300"] المحرر الصباغ يزور قبر أخيه الذي استشهد عام 2002[/caption]وللأسير المحرر الصباغ شقيق شهيد وهو علاء الصباغ كان قد استشهد في قصف لطائرات الاحتلال استهدفه خلال عدوانها على مخيم جنين بتاريخ 26-11-2002، وبهذا الصدد قال الصباغ" :كل الأيام المريرة وسنوات العمر تمضي خلف القضبان لم اشعر بالحزن إلاَّ عندما نجحت قوات الاحتلال في اغتيال شقيقي الشهيد علاء قائد كتائب شهداء الأقصى لحظتها شعرت بألم السجن وتمنيت أن أكون حراً لأودع أخي الذي حرمني الاحتلال من زيارته، ورغم ذلك فإننا نفخر بالشهداء ."