لا توجد الهيبة في بيوت العظماء فقط .. بل هناك أناس صنفوا تحت قائمـــة "عاديون" ولكنك حين تدخل عتبات منزلهم تشعر بتلك الهيبة تسري كما القشعريرة في جسدك .. وبيت الأسير فهد أبو صبيح احد تلك البيوت .
لم يكن البيت فارها أو فخم البناء أو الأثاث لكنه فخم الفكر والتربية فهذا المكان احتضن ميلاد فهد بتاريخ 11/6/1987 لينشأ في عائلة بسيطة محافظة، حيث كان الأخ الأكبر لثلاث شقيقات وشقيقه الأصغر " احمد "، أنهى المرحلة الأساسية من تعليمه المدرسي بتفوق وكذلك كان حاله في الصف الحادي عشر إلا انه قرر أن يوقف دراسته دون إبداء أي اسباب مقنعة ويتجه ليبحث عن عمل، ترك دراسته النظامية الا ان الله قدر له الحصول على شهادة الثانوية العامة في احد الاعتقالات قبل ان تمنع ادارة مصلحة السجون اجراء الامتحانات داخل المعتقلات.
والده الذي يعمل موظفا في مؤسسة حكومية بدأ حديثه عن فهد ببعض الجفاء الذي سريعا ما انقلب الى بكاء ، ابو الفهد كان يخفي ألمه وحرقته لغياب ابنه بستار الجفاء هذا ، كيف لا وفهد ابنه الاكبر الذي طالما حلم بان يراه شابا يفرح بوجوده جانبه الا انه ومن عمر التاسعة عشر وهو يتعرض للاعتقالات المتتالية ، فقد اعتقل اول مرة في العام 2006 ليمضي حكما بالسجن لمدة عشرين شهرا ، وتكرر الاعتقال في العام 2008 لمدة ستة شهور ادارية ، ومرة اخرى في العام 2010 لمدة سنة اخرى في الاعتقال الاداري ، وكان الاعتقال الاخير في 28/2/2013 ليبقى حتى اللحظة موقوفا بعد انعقاد اثنتي عشرة جلسة محاكمة له .
ابو الفهد سرد لنا سنوات اعتقال فهد وتوقف عند الاعتقال الاول كثيرا .. كيف يكمل دون بكاء وهو يتحدث عن وفاة والدة فهد اثناء اعتقاله دون ان تراه او يودعها، وهذا ما حصل في الاعتقال الثاني حينما توفيت جدته لوالده ايضا والتي عرف عنها حبها الشديد له وتعلقه بها ، واجهش بالبكاء عندما وصل الاعتقال الثالث فبعيد الافراج عن فهد بوقت قليل توفيت اخته والتي استطاع في هذه المرة ان يودعها بعد ان منحها كل ما يملك من مدخرات ومخصصات اسرى لعلاجها ,، ولكن ارادة الله كانت اسبق فتوفيت .
شقيقته " الاء " قالت بان فهد كان بمثابة الصديق لها حيث كان حنونا جدا عليها وعلى اخواتها ، وكانت تعتبره في مقام والدها خصوصا في حال غياب الاب الذي تكرر بسبب السفر لعلاج الام تارة والشقيقة تارة اخرى .
شقيقه الوحيد " احمد " فكر طويلا في كلماته قبل ان ينطقها ، احتضن صورة اخيه وقرر ان يختصر حديثه فقال :ماذا اخبركم .. فهد كان صديقي وكنت مرافقه الأول في كل تحركاته ، ثم صمت .... والصمت أبلغ .
في بداية العام 2013 قام فهد بخطبة " صفاء " وبعد تحديد موعد العرس اعتقل العريس وبقي امر اتمام الزواج معلقا بيد محاكم الاحتلال الصهيونية فهي وحدها - بارادة الله - من سيحدد الموعد القادم للزفاف، واغرورقت عينا أبو فهد بالدموع حينما تحدث عن صفاء، لا ذنب لها في ان تضيع جزءا من عمرها في انتظار المجهول ، قال ابو فهد ذلك ، اما صفاء فقد كان رأيها مختلفا .
صفاء الخطيبة ورغم تلك الدمعات التي انهمرت مجبرة بعد بكاء أبو الفهد قالت بأنها ستنتظر فهد مهما طالت فترة اعتقاله أو قصرت وأضافت بأنها فخورة بارتباط اسمها ومصيرها بشاب مثل فهد .
والدة صفاء وحين سؤالها حول رأيها في واقع ابنتها وخطبتها وزواجها مجهول الزمن قالت بأنها أضافت فهد إلى أبنائها منذ جاء إلي بيتها خاطبا وأنها تؤيد رأي ابنتها بل ونشجعها على انتظاره فهو يضحي بعمره لأجلنا جميعا واقل الواجب وفاء خطيبته له .
فهد قصة من قصص المعاناة الفلسطينية بامتياز .... شاب فلسطيني رفض الإذلال فدفع الثمن من حريته ودمعات اهله وفراق شريكة العمر القادمة ...
بقلم سوزان العويوي فريق دعم الاسرى الاعلامي ::فداء