شبكة قدس الإخبارية

الهارب من الموت.. إياد أبو شخيدم وحكاية ١٨ مؤبداً

لارا يحيى
بدأت الحكاية التي قادت إلى الأسر عندما حاصرت قوات الاحتلال منزل عائلة شحادة، وأطلقت النيران بشكل أهوج، ايقظت كل من في الجوار والجوار البعيد. كانت تحاول القبض على ثلاثة شبان من بينهم الشاب الوالد لأربعة أبناء إياد أبو إشخيدم.. عائلة شحادة شقيقة الوجع بالنسبة لوالدة الأسير إياد.. فولدهم الشهيد سبق وزف مع ابنها حمزة. وصلت الوالدة بعد النبأ إلى المنزل، حيث كانت تصحب أحد الصغار إلى المشفى، سمعت نبأ الحصار وأصوات الرصاص على الطريق، وإمتلأت بالرعب على ولدها .. اكتملت الصورة حين وجدت منزلها يعج بالقادمين، بكت قليلاً واستجمعت قوتها.. كانت تظن أنها ستزفه شهيداً .. صلت صلاة الحاجة لطلب الصبر، وخرجت لإستقبال المهنئين، كان التاريخ حينها هو السادس والعشرين من شهر نوفمبر لعام ٢٠٠٤ .. لكن احدى قريبات العائلة جاءت تبلغ الوالدة بأن إذاعة الاحتلال نفت استشهاده، وأكدت نبأ من استشهاد إياد القواسمي، وعمر الهيموني.. اللذين قضى معهما أبو شخيدم فترة مطاردته. تفاصيل آخر اللحظات قبل إرتقاء الهيموني، والقواسمي، بعد حوالي ١٠ ساعات من محاصرة المنزل، وفي الوقت الذي كان منزل عائلة أبو اشخيدم يعج بالناس.. ذهب أشقاء إياد إلى أقرب نقطة إلى منزل عائلة شحادة دون تأكدهم حتى من أنه فعلاً محاصر.. لقد كان يقودهم إحساسهم به، في حين كان إياد يستمع ورفاقه الاثنين إلى الإذاعات المحلية.. باللحظة التي عرفوا فيها عن احتمالية هدم المنزل على رؤوسهم، اتخذ ثلاثتهم القرار بالمواجهة، ودعوا بعضهم من داخل بئر المنزل، وتزنروا أسلحتهم وخرجوا.. عن ساعات المواجهة والحصار قال إياد لشقيقة فرج: " لقد ايقنا أننا سننال الشهادة.. ولهذا لم نختر أن ننالها تحت الأنقاض". هل اقترب إياد من الشهادة؟! أسبوعان بعد الاعتقال والصليب غير متأكد من استشهاده، أحد اقرباء العائلة كان يعمل في مستشفى هداسا بالقدس المحتلة، بعد تأكيد الصليب للعائلة أنه بخير، وأنه على قيد الحياة، وصل له بالصدفة، وعمل على نقل الرسائل الشفوية من عائلته له وبالعكس.. القدرة على أن تكون محطة نقلٍ للوجع والقوة، نقل القريب له أن قرينيه الهيموني والقواسمي استشهاد، بعد أن أوهمه الاحتلال أنهما بخير، وأنهما بالقرب منه في المشفى.. كشف المستور وطمأن العائلة. فرج شقيق الأسير وأصغر الأبناء سناً (١٤ عاماً) كان المسؤول عن إصطحاب أبناء أخيه الثلاثة إلى الزيارة في سجون الاحتلال، كونه الوحيد المسموح له بالزيارة دون تصريح بما أنه دون السن القانوني بعد.. يروي بحرقة ذكريات الزيارة الأولى التي كانت أول مرة يزور فيها بسجون الاحتلال.. كان شعوره مختلفاً مخيفاً، ومريراً كونه مسؤول عن ثلاثة أطفال مشتاقين بلهفة لوالدهم المصاب، كان إياد يأت إلى قاعة الزيارة بمساعدة اثنين من أقرانه الأسرى كونه لا يقوى على المسير، إياد كانت هذه المرة الاولى منذ ٣ أشهر يلتقي فيها شقيقة، إياد الذي استقبل أخاه وابناءه محتضناً إياهم بعد أن إحتضن الموت لثلاثة أشهر هي الفترة التي استطاع بعدها رؤيتهم، الأخبار المتضاربة عن استشهادة أو تحسن وضعه الصحي.. سقطت أمام فرج حين رأى أخاه قادماً بمساعدة إثنين من أقرانه الأسرى في كل مرة يذهب لزيارته.. منذ بداية العام ٢٠٠٤. أصعب فترات الأسر بالنسبة للعائلة كانت أول ثلاثة أشهر في سجن إياد.. عمليات النقل المستمرة له من سجنه إلى ما يسمى بمشفى الرملة أقلقت العائلة.. إلا أن محامية ظل ينقل الأخبار المطمئنة.. وظل أقرانه يؤكدون أن لا أحد يملك المعنويات العالية التي يملكها.. عرض إياد على المحكمة الاحتلالية في عوفر بالقرب من رام الله المحتلة، بعد نحو شهر على اعتقاله، وذهبت والدته لزيارته برفقة زوجته، ولم ينل الحكم النهائي، وكان لا زال يعاني من آثار اصابته بثلاثة عشر طلقٍ ناري من آخر اشتباكٍ له مع جنود الاحتلال ليلة إعتقاله في الـ ٣١/ ٨ / ٢٠٠٤ .. في ٢٦ / ١١ / ٢٠٠٧ نشرت المواقع الفلسطينية التالي: " أصدرت محكمة عوفر الإسرائيلية مساء أمس حكما بالسجن المؤبد المركب 18 مرة على القائد القسامي إياد أبو شخيدم (32 عاما ) من مدينة الخليل ، بعد إدانته بالمسؤولية عن العملية الاستشهادية المزدوجة في بئر السبع في عام 2004 والتي جاء ردا على اغتيال الشهيدين القائدين الإمام الشهيد احمد ياسين ، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي... وكان الاحتلال قد اعتقل أبو شخيدم على إثر محاصرة قوات الاحتلال لاحد المنازل في الخليل استشهد فيها مراد القواسمة وعمر الهيموني، بينما أصيب اياد وبعشر رصاصات اعتقل على إثرها." عادت الذكريات للعائلة مرة واحدة.. لقد توقعوا هذا الحكم الجائر إلا أن ١٨ مؤبداً كانت كثيرة.. وفي المحاكمة قبل الأخيرة قال لها.. "شو بتتوقعي يما آخد حكم؟! .. ماذا يتوقع الناس بالخارج.. أجابته بأن الناس تتحدث عن ١٧ مؤبد وهي تخفي ألما بداخلها.. قال إياد :" أنا بقول ١٨ مؤبد بس"، ابتسمت والدته وقالت: "الله يجعلك تكون أعلى مؤبد بالضفة.. المؤبد العالي والمؤبد المنخفض واحد يما"... بيوم الحكم، كان الشعور في المنزل كمن لديهم بيت عزاء.. رغم التوقعات إلا أن الألم لحظتها كان أكبر مما يمكن وصفه او احتماله… كان الأمر صعب على العائلة وعليه هو أيضاً.. "ما يواسينا هو قدرتنا على رؤيته محادثته بشكل مستمر.. احتضانه أحياناً.. فكرة وجوده على قيد الحياة تبقي فينا الأمل". "أتمنى على المقاومة تجديد العهد، وخطف شاليط جديد.. أنا لم أفقد الأمل أبداً بنيل حريته، لقد كنت دوماً مؤمنه أن حريته قريبة، حتى وإن شئتم، لقد تمنيت أن يقدم لحضور فرح شقيقة قبل أيام.. لن يموت الأمل بحريتة..".

she1

 من هو إياد أبو إشخيدم في الثاني عشر من إبريل عام ١٩٧٥ رزقت العائلة بإياد..وكان هو ثاني أطفال عائلة عبد المعطي أبو اشخيدم من مدينة الخليل المحتلة.. وسط الفرح بإستقباله، بدأ الصبي بالنمو وكان حسب والدته الطفل المحبوب ذو الوجه الجذاب للناس، رغم شقاوته، وحدثتنا قائلة : "كان صغيراً بوجهٍ فرح وذكاء جم، وشهامة الرجال".. بعد استشهاد شقيقة حمزة في حارة الشيخ وسط المدينة في 17 تشرين الثاني من العام 2000، بدأت أفكار الانتقام لأخيه تنمو داخله، بدأ يخرج أكثر ويعطي انطباعات بالتفكير بالقادم وماذا عليه أن يفعل كي ينتصر لوطنه… وهو أمر بديهي حسب والدته.. قدم إليها جريحاً في المرة الاولى حيث كان برفقة الشهيد غازي الهيموني الذي قضى برصاص الغدر في ذكرى مجزرة الحرم، ورغم ذلك كان لديها شك في أن يكون منخرطاً بأي عملٍ عسكري… واعتقله الاحتلال لمدة ٧ أشهر في سجن الفارعة وكانت والدته تزوره كل فترة، وهذا الاعتقال كان "الاصعب" بالنسبة لوالدته. الاعتقال الثاني والأخير لإياد بدأ توابعه منذ الأول من رمضان الموافق 17‏/10‏/2004 اقتحمت قوات الاحتلال منزل العائلة بعد قليل من قدوم إياد للإطمئنان على أبناءه وزوجته، دخل ملهوفاً مودعاً دون كلام إطمئن على الجميع وخرج قبل مداهمة الاحتلال لمنزلهم بساعات.. على وجه الفجر اقتحم الاحتلال المنزل، واخرج العائلة من البناية الخاصة بها وانطلق بداخلها عابثاً مخرباً، وحشرهم في "بيت درج" بمبنى مقابل، وانتهى الامر باعتقال نجل آخر للعائلة وهو رجب عبد المعطي ابو شخيدم (31 عاماً في حينه، ونال حكماً بالسجن لـ ٢٤ شهراً)... وتفجير منزل المطارد إياد … وهذا لم يكن آخر اقتحام. بعد ٤٠ يوماً من المطاردة اعتقل إياد في الوقت الذي كانت عائلته لا تعرف أين هو!، وفي أول عرض لإياد على المحكمة بعد ٣ أشهر ونصف أردات والدته احتضانه،إلا أنها في البداية لم تعرفه فقد كان بحالة يرثى لها، عندما أدركت أنه ولدها بدأت بتقليد حركات له قائلة : انت يا ُيما بطل .. إنت رفعت راسنا.." زوجته بكت حتى أفرغت ما بجعبتها من دموع.. إلا أن فخر العائلة لم ينتهِ.. اليوم بعد ١٠ اعوام على الاعتقال، وضعه الصحي افضل من السابق، إلا أن أيام البرد الشديد تذكره بألمٍ في يده سببه قضيب بلاتين زرع له في هداسا لمداواة إصابه غرسها الاحتلال في قلبة قبل يده، يوم الاعتقال..  الزيارة والمعاناة الدائمة  قالت أم رجب والدة الأسير إياد: "يوم الزيارة لا نوم ولا راحة، اضطرارنا للإستيقاظ قبل الفجر بساعات والخروج إلى حافلات الصليب الأحمر، كالمسافر من بلدٍ إلى بلد مرهق جداً… زرت إياد في ٩ سجون حتى اليوم.. والمأساة تكتمل بسبب المنع الأمني لكل أفراد العائلة أنا الوحيدة بينهم التي لم يشملها المنع الأمني.. "  أطفال إياد ووالدتهم أين هم في هذه الحكاية  اعتقل إياد مخلفاً ثلاثة أطفال أكبرهم روضة ٨ أعوام وأصغرهم حمزة شهرين المسمى على اسم الشهيد شقيقه، والذي نال التسمية وأباه مطارد.. يتوسطهم أسيل (٦ اعوام) وهديل (عامان) وكبروا في بعد أبيهم أعواماً وأعوام.. يزوره الأطفال منذ كانوا صغار جداً وقريباً ستحرم روضة من هذه النعمة.. ستضطر للإكتفاء بمراسلته، والحديث إلى صوره، أصغرهم حمزة المسمى على اسم عمه قال لي باسماً.. أحب زيارة أبي، لولا انها متعبة بعض الشيء، يعطيني الحلوى ويرسل لي الهدايا، أشعر بالفرح حين أراه. الجدة تعاملهم وكأنهم أبناءها وزيادة، يقضون عندها وقتاً طويل، إلا أنها لم تخف خلف ملامحها الحزن عليهم وشقاءهم بعيداً عن والدهم.. قالت: " بعد انقضاء فترة حكم عمهم رجب الذي كان قد اعتقل قبل والدهم، خرج وعاد لأطفاله شعرت بقلة الحيل والفرح في آن.. كنت سعيدة بعودة ولدي، لكن بداخلي ألم لا يخفى على أطفال إياد". الزوجة الممنوعة من الزيارة لأغراض أمنية تقررها "اسرائيل" لم تزل مشتاقه.. وتنتظر عودته رغم كل شي. اعتصامات الصليب أشارت والدة إياد إلى أنها لا تنقطع عن الذهاب لهذه الاعتصامات كل اثنين، وانها تتلهف لرؤية متضامنين جدد معتبرة أن لا أحد يستطيع شرح مالهذه الاعتصامات ووقوف الناس الى جانب أهالي الأسرى من دور في تعزيز شعورهم بأن الحرية قريبة، وأنهم وأبناءهم ليسو وحيدين، وقالت بالعامية :"اما لما يكون في اعتصام ما فيه ٢ او ٣ .. بيخطر على بال الأسير بلحظتها.. إحنا مش على بال حدا".. ما نتهت حكاية إياد الذي فر من الموت المحقق بأعجوبة.. نجى وترك خلفه صديقان عزيزان كانا له القربى في آخر ٤٠ يوم من الحرية.. كانوا رفاق الدرب، إلا أن الحكاية لم تنته والبرد يضرب في ذراعة، والزنزانة تصغر عليه.. ولا يبدو آخر لهذا النفق الطويل.. إنها لمعجزة أنه خرج حياً من هذه المعركة. *ساعد في إعداد التقرير / مصعب شاور، وأحمد فرج الله