الشهيدان شحادة الشهابي وخالد البكراوي - لاجئان من مخيم اليرموك وأبناء قرية لوبية المهجرة قضاء طبريا.
تواصل معي أحد أصدقاء الشهيدين شحادة الشهابي وخالد البكراوي بناء على رغبة منه ومن أهالي الشهيدين من أجل أن أقوم بطباعة ملصقات لهم وتصوريهم من داخل ساحات المسجد الأقصى، والصلاة عليهم صلاة الغائب.
عصراً غادرت مقر عملي شمال مدينة القدس وتوجهت الى مركز المدينة، الأزمة المرورية هذا اليوم على غير العادة والسبب في ذلك ما يسمى بعيد العرش اليهودي، عدة شوارع يغلقها الإحتلال من أجل مرور متدينيه لممارسة طقوسهم الدينية، قمت بركن السيارة في منطقة واد الجوز بسبب هذه الأزمة، ومن هناك انطلقت إلى المطبعة في البلدة القديمة، قمت بطباعة صور الشهيدين خالد وشحادة على الملصقات واتجهت إلى المسجد الأقصى من خلال باب الساهرة وهو أحد أبواب البلدة القديمة، ثم مررت بطريق المجاهدين، وهنالك بدأت أحدّث خالد وشحادة عن المكان واطمئنهم بأننا اقتربنا من الوصول: عدة دقائق وسنكون جميعاً داخل ساحات المسجد الأقصى.
وصلت باب شرف الأنبياء وهو أحد أبواب المسجد الاقصى، وكالعادة يتواجد على خارجه أفراد من شرطة الإحتلال الإسرائيلي، أوقفني أحدهم وطلب بطاقتي الشخصية، فقمت بإعطائه إياها.
الشرطي: ما هذه الصور التي تحملها؟
أجبته: صور لأصدقائي توفوا قبل أيام.
هنا نظر الضابط المسؤول إلي وتبين أنه "عربي" وأمر بحجز البطاقة الشخصية حتى يضمن خروجي من نفس الباب الذي دخلت منه، وأمر الشرطي بإحضار الصور له.
حين رأى صورة خالد بدأ بالقراءة: خالد المخيم، خالد استشهد تحت التعذيب.
نظر إلى الصورة الأخرى وقرأ ما كُتب عليها أيضاً: في نضالك من دمشق إلى العراق ثم لبنان فالجولان .. الآن تنهي ترحالك في القدس، الآن تنعتق روحك وتتحرر، الآن تعود إلينا ونعود إليك، أهلا بك بطلاً وشهيداً، الثائر الحر: شحادة الشهابي.
أكمل قائلا: الشباب شهداء، شكلهم من سوريا؟
أجبته (مع إحساسي بالعجز من منعه عن حمل صورهم بيديه القذرتين): الشباب من فلسطين ولاجئيين بسوريا من وقت النكبة اذا سمعت عنها بما انك المفروض "فلسطيني".
تبسم وقال: النظام السوري ديكتاتوري، فوت صوّر بس مش تعلقهن جوا.
أجبته: نعم صحيح وإسرائيل دولة ديمقراطية لم تطرد شعبا من أرضه وتحتله وتقتل ابناءه!
دخلت إلى ساحات المسجد الأقصى وبدأت بالإعتذار لخالد وشحادة: سامحوني لأني مقدرتش أمنعه أنه يحمل صوركم، لأني مقدرتش أمنعه من أنه يقرأ الكلام يلّي على صوركم.
نظرت إلى صورة خالد ورأيته مبتسماً، فشعرت أنه هو وشحادة قد غفرا لي ذلك، تجوّلنا بساحات المسجد حتى وصلنا قبة الصخرة المشرفة، دخلنا سويا إليها وصلينا معاً، لكن الصلاة هذه المرة كانت مختلفة لأنها كانت بإمامين اثنين، وأنا كنت المصلي الوحيد خلفهم.
نزلنا إلى المغارة التي عرج منها الرسول محمد (ص) إلى السماء، ثم ذهبنا إلى المسجد القبلي، قمت بتصويرهم عدة صور وغادرنا المكان.
[caption id="attachment_29283" align="aligncenter" width="259"]
الشهيد خالد البكراوي - (الصورة من أمام قبة الصخرة في ساحات المسجد الأقصى).[/caption]
[caption id="attachment_29284" align="aligncenter" width="232"]
الشهيد شحادة الشهابي - (الصورة من أمام المسجد القبلي في ساحات المسجد الأقصى).[/caption]
نبذة قصيرة عن الشهيدين:
عام 1998 قام الشهيد شحادة الشهابي بتسلق مبنى السفارة الأمريكية في دمشق وإنزال العلم الأمريكي عن المبنى احتجاجاً على الضربات الأمريكية العسكرية للعراق في عملية ما تسمى ب "ثعلب الصحراء"، فقامت المخابرات السورية بإعتقال الشهيد شحادة والتحقيق معه على إثر ذلك.
فيديو يظهر فيها الشهيد شحادة الشهابي وهو يقوم بإنزال العلم الأمريكي عن السفارة الأمريكية في دمشق
عام 2003 قرر الشهيد الشهابي هو ومجموعة من الشبان المشاركة بالدفاع عن العراق حين قررت أمريكا شن حربها عليه، وبعد إحتلال العراق عاد الشهيد إلى سوريا فأعتقلته المخابرات السورية على الرغم من أنها هي من سهّلت خروجه هو ومن كان معه، فتعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي ومن ثم تم الإفراج عنهم بعد فترة.
عام 2011 كان الشهيد الشهابي من المشاركين في مسيرة العودة في الجولان السوري المحتل، هذه المسيرة التي تحولت إلى مجزرة بسقوط 11 شهيداً ومئات من الجرحى، وكان عددُ من هؤلاء الشهداء من لاجئي مخيم اليرموك فتم تشييع جثامينهم الطاهرة بجنازة حاشدة قدرت بحوالي نصف مليون مشارك وكان الشهيد الشهابي من المشيعيين لهم، حينها قال له صديقه رشاد الهندي: ياريتنا منهم، أجاب شحادة: شو بعرفك بركي استشهدنا، ما بتعرف الله شو كاتبلنا!
في السنة الأخيرة عام2013 لحياة الشهيد وقبل استشهاده بأسبوعين بمنتصف شهر أيلول الحالي، قام صديقه رشاد بالإتصال عليه وحاول إقناعه بالسفر إلى ألمانيا بسبب الحصار والقصف الذي يتعرض له مخيم اليرموك، أجاب الشهيد: مش طالع، اليرموك خيمتنا الأخيرة، اذا طلعت بكون بعدت كتير عن فلسطين!
بعد هذه المكالمة بأسبوعين فقط سقط شحادة الشهابي شهيدا على أرض مخيم اليرموك جراء القصف الذي تعرض له المخيم من قبل نظام الممانعة السوري ليرتقي إلى السماء!
[caption id="attachment_29285" align="aligncenter" width="302"]
الشهيد شحادة الشهابي - (الصورة من داخل المغارة التي عرج منها الرسول محمد(ص)).[/caption]
أما الشهيد خالد محمد البكراوي أو (خالد المخيم) كما يطلق عليه أصدقائه، قدّم للمخيم ولأهله ما لم يقدمه غيره من أعمال تطوعية واجتماعية وسياسية مما اكسبه شعبية وسط أهالي المخيم. كان خالد ناشطا فلسطينيا بالعمل الإغاثي و أحد مؤسسين فريق جفرا الإغاثي و التنموي، فكان عوناً لكل محتاج في الأحياء المحيطة لمخيم اليرموك، كما كان محاضرا تنمويا في مركز دعم الشباب التابع لمنظمة الأمم المتحدة " الأونروا ".
عام 2011 في مسيرة العودة شارك فيها الشهيد وحاول اجتياز الشريط الشائك في الجولان المحتل عام 2011 فأصيب برصاصتين من الرصاص الحي من العدو الصهيوني في قدمه. عرف عن خالد المخيم معارضته للنظام السوري، فأُعتقل خالد في 19/1/2013 من قبل النظام السوري وسُجن في الفرع الامن العسكري في دمشق وبقي تحت التعذيب والأسر مدة 8 أشهر حتى نال حريته رغما عنهم بإستشهاده بتاريخ 11/9/2013.
كتب أحد أصدقائه في رثائه هذه الكلمات:
"اليوم يرحل خالد وهو مسكون بوجوه مئات الشهداء الذين شيعهم بصوته العالي المعروف عنه خلال المظاهرات ... لم أعلم حتى الآن كيف كانت تنام دمشق وصرخات تعذيب خالد تحوم في أزقتها؟ رحل خالد المحب الودود تاركاً خلفه حبيبته المنتظرة أن يخرج ليخطبها .. اليوم يرحل خالد وترافقه جدائل حبيبته برحلته الأبدية أتخيلها تقص جدائلها لتزين بها وجهه الغالي .. معلنة حداداً لا ينتهي .. وكيف تشفى عاشقة من حب خالد .. اليوم ترحل يا طفلي وتترك لي مئات الأسئلة بلا أجابة كيف لكفن أن يستطيع أن يدثر ضحكتك الصاخبة؟ كيف أستطاع الجلادين حوارك؟ ألم يروا أثار رصاص العدو بجسدك؟ ألم ينتابهم الفضول؟ ألم يسألوك ماهذه الندبات في جسدك؟ ام عذبوك بها يا صغيري! نجوت من الغرق بإحدى معسكراتنا ياصديقي وكنا بجانبك ونجوت من رصاص الأسرائيلين وكنا بجانبك ..
اليوم ترحل وحيداً في أقبية الذئاب محاطاً بصراختك .. ونحن بعيدون عنك ..لم يبقى لي إلا أن أخاطب تراب سوريا ودمشق ..اليوم ياتراب دمشق نترك فيك أجمل مافينا ...اليوم ياسوريا وهبتك فلسطين أجمل شبابها كي تعرفي كم نحبك ..نم ياحبيبي عليك ضفائر شعري ..عليك السلام ..".
لم يستشهد حين أصابه العدو الصهيوني برصاصاته، واستشهد على يد نظام "الممانعة"!
[caption id="attachment_29286" align="aligncenter" width="302"]
الشهيد خالد البكراوي - (الصورة من داخل المغارة التي عرج منها الرسول محمد(ص)).[/caption]
يا شحادة ويا خالد لعلكم الآن تتمكنون أخيرا من مشاهدة فلسطين من السماء التي لطالما حلمتم بالعودة إليها، لعلكم تشاهدونها بهدوء بعيدا كل البعد عن قذارة هذا العالم!