نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" على موقعها الالكتروني تقريرا مفصلا تتحدث فيه عن عمل لواء الغواصات في جيش الاحتلال الإسرائيلي من عملية بناء الغواصة إلى تنفيذ المهام التجسسية المطلوب من طاقمها تنفيذها.
واستهلت الصحيفة تقريرها المفصل بشرح عمليات دريب الغواصات والمهام السرية التي تقوم بها وشكل وطبيعة الحياة داخلها، بالقول "قلائل هم الجنود الذين شاركوا بعمليات اعتقال أو بقصف مدفعي أو هجوم جوي ونالوا شكرا خاصا من قائد المنطقة العسكرية او من قائد اللواء ،لكن وفي إشارة للأهمية القصوى التي توليها إسرائيل للعمليات التي تنفذها الغواصات نشاهد وفي أوقات ومرات عديدة قائد سلاح البحرية "رام روتبرغ" ينتظر على رصيف الميناء العسكري في حيفا عودة غواصة ما، وينتظر عودة المحاربين الذين على متنها ليقدم لهم الشكر الخاص على المهمة القتالية او التجسسية الناجحة التي نفذوها".
وتحدثت الصحيفة على موقعها بالقول "إن لغواصة الواحدة تكلف إسرائيل تقريبا نصف مليار دولار أمريكي وتحمل مقاتلين لمسافة آلاف الكيلومترات عن شواطئ "إسرائيل"، واوردت عدة تساؤلات تتعلق بطبيعة عمل الغواصات الإسرائيلي والمهام المنوطة بطاقمها، فما علاقة الصمت بتوجيه الصواريخ ؟ ماذا يفعلون إذا احتاج جنديا عملية جراحية خلال إحدى العمليات؟ من هو الشخص الوحيد المسموح له الاستحمام بشكل يومي؟ ماذا عليك أن تفعل حتى تستمتع بسيجارة على عمق مئات الأمتار تحت سطع المياه؟
وقالت الصحيفة "قلائل من خارج سلاح البحرية من يعلمون أو يعرفون بأمر العمليات التي تنفذها الغواصات فيما اعتاد الجمهور تلقي الأخبار من وسائل الإعلام لمعرفة الشيء اليسير عن نشاطات وعمليات الكوماندو البحري "شيطت 13" على سبيل المثال، الوحدة العسكرية الوحيدة في الجيش الإسرائيلي التي بقيت وستبقى سرية تعيش في الظل وتختفي خلف الظلال هي وحدة الكوماندو البحري " شيطت الغواصات".
وتنقل الصحيفة عن سلاح الغواصات الذي عرف نفسه لمراسل موقع "يديعوت احرونوت" باسم "فيكتور" قوله: "تشعر في مرات عديدة بالغيرة حين تجالس جنود وحدات أخرى يتحدثون ويتفاخرون بما قاموا به وأنت ملتزم الصمت المطبق أو الضحك حين يعربون عن استغرابهم وتعجبهم من العمل خلف الحدود".
انضم هذا الأسبوع مراسل الموقع الالكتروني المذكور لتدريب نفذته وحدة "شيطت الغواصات" على عمق يفوق ضعفي ارتفاع برج "عزريل" في "تل ابيب" ورافق المراسل المقاتلين الذين تم تكليفهم بتدمير "هدف" في عمق البحر فيما هم يتخبطون ويعانون من مشاكل تعتبر على اليابسة تافهة وساذجة مثل كيف يدخنون سجائرهم؟ كيف يواجهون نقصا في مياه الشرب؟ كيف يحافظون على لياقتهم؟ وماذا يفعلون حين يحتاج احدهم علاجا طبيا ؟ علما بان العودة إلى الشاطئ تعني إلغاء التدريب وذهاب مبالغ مالية هائلة أدراج الرياح.
من يحتاج غواصة بشكل عام؟
تقول الصحيفة على موقعها "في البداية علينا التأكيد بان بعض أركان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم ترغب ولم تكن تريد اقتناء الغواصات تلك الأدوات الشنيعة والضخمة التي حسمت الحروب العالمية التي شهدها القرن الماضي واستوعب الجيش الإسرائيلي أول واحدة منها عام 1959 ولم تحظ هذه الغواصات بإجماع متخذي القرار وبقي عدم الإجماع حتى هذا اليوم الذي شنت فيه الغواصات من طراز "دلفين" غالبية الهجمات التي استهدفت سوريا، حيث قالت صحيفة "صندي تايمز" البريطانية إن الهجمات التي استهدفت مخازن الأسلحة في منطقة اللاذقية نفذت عبر إطلاق صواريخ من غواصات إسرائيلية التي كانت تهدف إلى تدمير مخازن صواريخ "ياخونت" المضادة للسفن".
فيما تجري الرحلات الجوية عبر طائرات تجسس دون طيار يمكنها الوصول إلى السودان وإيران وفيما يمكن للجيش شراء كتيبة دبابات كاملة أو عددا من الطائرات المقاتلة بثمن غواصة واحدة يستمر النقاش والجدل حول حجم سلاح البحرية بصفته سلاحا تكميليا وليس سلاحا للحسم.
وتنقل الصحيفة عن قائد الغواصة "احاي تكوماه " التي انضم إليها مراسل "يديعوت" قوله "إنه من المقرر أن يستوعب سلاح البحرية خلال الأشهر القليلة القادمة غواصة رابعة من إنتاج ألمانيا فيما سيستوعب اثنتين إضافيتين حتى عام 2017، وحتى ذلك الحين لدي جوابا ساحقا للمشككين ومكيلي الاتهامات المشككة بالأهمية الإستراتيجية للغواصات "أدعو هؤلاء لمشاهدة الانجازات الميدانية التي حققناها ومعرفة ماذا أحضرنا، وماذا فعلنا، إياكم والارتباك من الهدوء الذي يظهره هذا (الأنبوب) ويقصد الغواصة".
وفيما يتفاخر قادة أسلحة المشاة والمدرعات بالمناورات والتدريبات التي نفذوها استعدادا لحرب لبنان الثالثة يفضل قائد الغواصة الذي عرف نفسه باسم العقيد "غال" إعطاء جوابا عاما وغامضا حول الدور المتوقع للغواصات "نعم سيكون لنا مساهمتنا الهامة في الحرب القادمة ونحن نستعد ونتدرب لأداء دورنا ومهامنا المتوقعة في تلك الحرب وسيكون دورنا كما العادة سريا ولن يتحدث عنه احد".
صمت التوربيدات
يقول مراسل الصحيفة "إن النزول للمياه العميقة فور مغادرة الميناء يعتبر الجزء الأكثر حساسية خلال التدريب ويتم عبر سلسلة لا منتهية من الأوامر والتعليمات المنتظمة التي يرددها بأعلى الصوت جميع الجنود والضباط كل واحد وفقا لوظيفته وموقعه وكل عملية تشغل يتبعها تقرير إجباري يتعلق بالضغط على المفتاح وفتح ما هو مغلق او حرف دفة القيادة بشكل غير دقيق تستوجب إعادة الضابط المسئول لتقريره".
ويضيف "حين يتقلص الغلاف المعدني للغواصة على عمق مئات الأمتار بسبب الضغط الجوي يمكن للهدوء ان يكون خادعا وبعد إفراغ خزانات الهواء الضخمة وتعبئتها بدلا من الهواء بمئات الأطنان من مياه البحر تأخذ الغواصة بالغرق "الغوص" كثقل هائل وهنا تبدأ المهمة الهادفة إلى تعقب وتدمير سفينتين معاديتين وهنا في هذا التدريب عبارة عن سفينتي صواريخ من طراز "دبور" تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي".
ويتابع "يمر أحد الجنود كل عدة دقائق حاملا في يده مصباح يتفحص به سقف الغواصة الذي يعج بالأسلاك والساعات والصمامات حتى يتأكد من عدم وجود أي تسرب للمياه ويعتبر مشغل جهاز "السونار" عين وأذن الغواصة في حال غياب أو إطفاء الرادار ويقوم رجال السنوار بتحليل وحل لغز الموجات الصوتية المرتدة من كل عظمة أو شيء في المياه وفقا لبعده ومداه ونوعه ولتقريب المسالة وفي باب المقارنة يشبه عملهم قيام رجل ما بتشخيص وتحديد جميع أنواع السيارات في العالم وهو مغمض العينين وذلك استنادا لسماع صوت المحرك فقط".
ويقول المراسل "حتى لا يتم إزعاج رجال السنوار تبقى الغواصة دون حراك فيما يكتفي الجنود بتمرير الأوامر الضرورية والحيوية فقط فيما بينهم ويتم إطفاء حتى مكيف الهواء وحين يتم تحديد الأهداف يقوم قائد الغواصة بإعلانها اهداف معادية ويقوم ضابط التسليح بإعطاء الحل الذي يحقق تدمير الأهداف مثل صواريخ وتوربيدات صامتة لا يصدر عنها أي صوت لكنها قاتله تصل أهدافها في الوقت المتوقع الذي قد يبدو للمتفرج دهرا كاملا".
مقاتلون بسراويل قصيرة
وتنقل الصحيفة عن نائب قائد الغواصة الذي عرف نفسه بـ ملازم أول"بن"، قوله "يشكل هذا الجزء سواء خلال التدريب أو في الواقع جزءا بسيطا من عمليات ونشاط مقاتلي الغواصات ولا زالت الطريق نحو الهدف طويلة ومجهدة ومليئة بالمفاجآت والمعضلات الصعبة وفي بعض الأحيان تكون مشكلة حياة أو موت، نحن مستقلين بشكل كبير جدا وفي بعض الأحيان نبقى لفترة طويلة جدا دون اتصال مع القيادة الساحلية ونتمتع باستقلال ذاتي ونتخذ القرارات بأنفسنا".
وأضاف "حدث أن قطعت أصابع احد الضباط نتيجة إغلاق احد الأبواب على يده خلال مهمة طويلة كما حدث ان مرض احد الجنود، كما اضطررنا في احد المهام ان نبلغ احد المقاتلين نبا وفاة والده وشرحنا له ماذا تعني إعادته للشاطئ وفضل الجندي بعد ذلك الاستمرار بالمهمة ولم يحضر جنازة والده".
ويتابع "حدثت أعطال ميكانيكية خطيرة مثل تسرب سوائل معقدة وقرر القائد مواصلة المهمة وفي العادة يرافقنا طبيب في المهام البعيدة والطويلة وهناك غرفة عمليات صغيرة داخل الغواصة ويتمتع بصلاحية تحديد نوع إصابة الجندي والأمر بإخلائه واجهنا حالة أصيب فيها احد الجنود بالالتهاب الزائدة الدودية واضطررنا إلى قطع المهمة والعودة للساحل" قال نائب قائد الغواصة".
ولزيادة الأمان والاحتياط يخضع الجنود قبل الإبحار لفحص طبي بما في ذلك فحص الأسنان بهدف منع أية مشاكل خلال الإبحار قدر الإمكان.
ويقول قائد الغواصة "ويمكن للمرء أن يشعر بتوفير الطاقة في كل زاوية من زوايا الغواصة وفقط الطباخ هو الشخص الوحيد المسموح له بالاستحمام كل يوم وذلك لأسباب تتعلق بالصحة العامة ويتم طهي الطعام في أواني "طناجر" كهربائية لمنع انفلات ثاني اوكسيد الكربون لفضاء الغواصة المحصور نتيجة إشعال النيران للطهي فيما تعتبر فترة الاستحمام قصيرة جدا ولا تتعدى 2-3 دقائق فقط ولا تتم الا بمصادقة القائد فقط لذلك نرتدي دائما خلال مهامنا ملابس مدنية وسراويل قصيرة و "تي شيرت" وصنادل مفتوحة حتى نتعرق بأقل درجة ممكنه وتقليل الحاجة للاستحمام وغسل الملابس، وحتى نوفر في استهلاك المياه نقوم بتنظيف أواني الطهي بمياه البحر التي يستجلبها صنبور مياه خاص".
هل يسمح التدخين؟ الجدول الزمني للتدريب ليس سهلا بالنسبة للمقاتلين اذ يمكنهم ان يحصلوا على 3-4 ساعات كل أربع وعشرين ساعة من النوم فقط خلال التدريب وخلال العمليات الحقيقية قد يبقون مستيقظين لمدة 48 ساعة متواصلة.
وأشار قائد الغواصة "غال" إلى الأحاديث الشخصية والنفسية التي يجريها الجنود خلال المهام الطويلة وهي محادثات كما كانت تجري في الماضي قبل الفيسبوك و "السمارت فون" التي يتركونها خلفهم على الساحل ولا مكان لها على متن الغواصة.
أما المدخنين فيمكنهم التدخين في غرفة صغيرة ومغلقة كما يمكن للجنود الاستمتاع بمشاهدة الأفلام عبر جهاز DVD وهناك بعض الجنود يحضرون الكتب لقراءتها خلال الرحلة الطويلة.
وأخيرا تخدم ثلاث حمامات "مراحيض" عشرات الجنود والضباط وفي واحد منها فقط يمكن للجنود قضاء حاجتهم بشكل كامل وعلى الرغم من جزيرة التكنولوجيا القائمة داخل الغواصة لا يزال الضباط ينظرون لخرائطهم الورقية المفروشة على طاولة القيادة والتوجيه مستخدمين المنقلة والفرجار وقلم الرصاص.