شبكة قدس الإخبارية

الصواريخ الفلسطينية تعبث بالوجود الصهيوني (2)

هيئة التحرير

إعداد: خالد الداعوم

القدس وتل أبيب "ضربة في القلب"

في اليوم الاول لشن عملية "عمود السحاب" أطلقت صفارات الانذار الصهيونية في شوارع تل أبيب في سابقة خطيرة عند السياسيين والعسكريين الصهاينة، ويعتبر وصول صواريخ المقاومة إلى تل أبيب أول تغيير استراتيجي في عملية عمود السحاب وفي العمليات التي تواجهها "إسرائيل"، بخاصة أن تل أبيب تمثل البعد الاستراتيجي الآمن لـ"إسرائيل"، وكانت على مدار السنوات بعيدة عن أي هجوم من أية جهة تتعرض لـ"إسرائيل" باستثناء الصواريخ العراقية التي ضربتها في حرب الخليج أو سقوط بعض من الصواريخ المصرية عليها عام 1967، إلا أن ما يجري الآن ووصول صواريخ حماس إليها يمثل تحولا استراتيجيا في سير الصراع الفلسطيني- الصهيوني، إن وصول صواريخ حماس إلى تل أبيب والقدس "تغيير استراتيجي في موازين الردع، من شانه أن يخلق رعبا غير مسبوق للسياسة الإسرائيلية وستوسع النطاق الجغرافي الذي يمكن من خلال الهجمات الفلسطينية إحداث الخسائر لدى الدولة العبرية.

عنصر المفاجئة الذي قامت به فصائل المقاومة الفلسطينية بضرب مدينة تل أبيب و اليوم القدس الحق اضرار اقتصادية بـ"إسرائيل" كتدني سعر صرف الشيكل أمام العملات الأخرى وهدد عمل البورصة، وتعطيل عمل البورصة عن العمل يعني هبوط في سعر الشيكل امام العملات الأخرى و هذا ما حدث في ثاني يوم للحرب، وانخفض الشيكل امام الدولار الامريكي اليوم ليصل الي سعر ال 1 دولار = 3.98 شيكل ، مقابل 3.91 قبل يوم.

المستوطن في الخطوط الأمامية للمعركة

ولنحاول الآن أن نرى مدى فاعلية وجدوى تلك الصواريخ بعد مضى أكثر من 12 سنة على إطلاق أول صاروخ فلسطيني في اتجاه اسرائيل،"الصواريخ الفلسطينية""، رغم انها بدائية وغالبيتها الساحقة لا تلحق أي اذى بإسرائيل، الا انها تعتبر خطيرة جدا، وأثرت على حياة 190 ألف اسرائيلي، وهجرت 3000 شخص من بلدة سديروت خصوصا، الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين حتى الآن أكبر بكثير مما ألحقته بالإسرائيليين، إن كان ذلك من ناحية عدد القتلى والجرحى أو من ناحية الأضرار السياسية والعسكرية والمادية.

وفي أعراف المقاومة – أي مقاومة - على مدى التاريخ فإن خسائرها المادية غالبا ما تكون أكبر من خسائر المحتل الغاصب ، ولكن استمرارها في تهديد أمن واستقرار ذلك المحتل هو الهدف المطلوب ولولاه ما ترك أي محتل بلدا قام باحتلاله ، وهذه هي النقطة المحورية في سيكولوجية مقاومة أي محتل ، أن تقلق راحته وتهدد أمنه وتمنع استقراره وتوصله رسالة متكررة ودائمة بأن استمراره في الاحتلال له ثمن باهظ لن يقدر عليه، ولو نظرنا إلى آثار الصواريخ الفلسطينية من هذا المنظور نجد أنها تحقق ذلك الهدف على الرغم من بدائيتها وضعف أثرها التدميري، بل ربما يكون ضعفها مطلوبا (مثل الحجارة التي كان يلقيها الأطفال إبان الانتفاضة)، فالهدف هنا ليس قتل أعداد كبيرة أو تدمير البنية التحتية لإسرائيل (فذلك قد يستفز عدوانا هائلا لا تقدر عليه المقاومة)، ولكن الهدف هو إحداث حالة مستمرة من انعدام الأمان لدى المواطن الإسرائيلي بحيث يجعله هذا الوضع يراجع مسألة الاستيطان ويعرف أن حياته وحياة أبنائه غير آمنة في وجود الاحتلال، وتظل القضية نشطة وساخنة فلا يتحول الموضوع إلى أمر واقع على الأرض يترسخ مع الزمن.

النفسية الإسرائيلية بطبيعتها تعيش الهاجس الأمني في كل لحظة بل إن الشعور بانعدام الأمان شيء أساس في الشخصية الإسرائيلية بسبب ظروف تاريخية عميقة الجذور جعلت اليهود يعيشون تاريخهم مصحوبا بحالة من عدم الأمان ، وكانوا يحاولون التجمع في حارات أو تجمعات يهودية بحثا عن الأمان المفقود في المجتمعات التي كانوا فيها ، إذن فالصواريخ ومن قبلها العمليات الاستشهادية تلعب على هذا الوتر النفسي المؤثر والحساس لدي الشخصية الإسرائيلية، ومن هنا نلحظ أن إطلاق الصواريخ يتم على فترات زمنية متفرقة وغير منتظمة، وتطلق بأعداد ليست كبيرة، وفي أماكن متفرقة، كي يشعر المستوطن الإسرائيلي أن ثمة خطر يلاحقه لا يعرف له زمانا أو مكانا ولكنه قادم.

يدرك هؤلاء المستوطنون أن الأرض التي يسيرون عليها ويدّعون ملكيتها منذ آلاف السنين هي في واقع الأمر ليست أرضهم وليست أرضاً بلا شعب كما كان الزعم، وأن أهلها لم يستسلموا كما كان متوقعاً منهم، ولم تتم إبادتهم كما كان المفروض أن يحدث. بل إنهم يقاومون وينتفضون ويتزايدون في العدد والكفاءات ولم يكفوا عن المطالبة بشكل صريح بالضفة والقطاع ، وبشكل خفي بكل فلسطين وبحق العودة لها وقرارات هيئة الأمم المتحدة الخاصة بحق العودة لا تزال سارية المفعول، ولم تُقبل "إسرائيل" عضواً في المنظمة الدولية إلا بعد تعهدها بتنفيذ هذه القرارات، ويساندهم في هذا كل الشعب العربي ، ومسألة العجز العسكري العربي والتفوق العسكري "الإسرائيلي" ليسا مسألة أزلية، وقد أثبتت حرب 1973 ثم المقاومة في لبنان ، وبعدها الانتفاضة أن العرب قادرون على أن يعيدوا تنظيم أنفسهم ويهاجموا المستعمر ويلحقوا به خسائر فادحة.

ثمة إحساس عميق بأن العربي الغائب لم يغب، فالكيان الصهيوني مُحاصر بالفعل ومهدد دائماً هكذا يشعر المستوطنون، سكان الدولة العبرية وهذا الشعور النامي في نفوسهم أصبح يتجول معهم في كل مكان منذ الانتفاضة الاولى ومرواً بالانتفاضة الثانية وبضربات حزب الله وبحرب الرصاص المصبوب وعمود السحاب، فقد أصبح الاسرائيلي في المستوطنة محاصراً وهو قد جاء ليعيش بالرفاه- هكذا وعدهم- تجار الهجرات ومنظمات اليهود، ثمة شعور عندهم أنهم في خطر دائم لا يعرف هل الحافلة أو القطار التي يستقلونها مفخخة أم لا، وهل ثمة ملثم في أحد الدوائر الحكومية جاهز لتفجير نفسه وهل هذا السقف فوق البيت متماسك ويستطيع أن يبطل مفعول صاروخ قد يسقط بأي لحظة، هم يبحثون عن الأمان والرفاه وليس الخوف والحرب.

بعد أن أكتشف اليهود في أصقاع العالم أن "إسرائيل" باتت مكان غير آمن وغير صالح للعيش تراجعت الهجرة الى الكيان، وحتى لا تحطم معنويات السكان في "إسرائيل" من تراجع هجرات اليهود شجعت المنظمات اليهودية على هجرة أصحاب الاوروبيين والروس من غير اليهود وقدمت لهم عروض واقامات وبيوت مجانية، فقد قيل إن 60% من المهاجرين الروس ليسوا يهودأ، وإنما مهاجرين جاؤوا للعمل في "إسرائيل"، وهذا أمر سلبي سيحدث خللاً في التركيب الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.

1-305658_391809877563268_986048741_n

في الواقع المصطلح الصهيوني كلمة نزوح بالعبرية (يريدا) تعني المرتد، لأن الهجرة هي (عاليا) الصعود، يعني كما لو كان تجربة دينية فالنزوح هو ارتداد عن الدولة الصهيونية، ومن ثّمَّ كان يُعد جريمة كُبرى في الماضي، وكان من ينزح لا يذكر هذا لأصدقائه ويقول أنني سأعود، أما الآن أصبحت مقبولة اجتماعياً، وأصبحت مسألة يتحدثون عنها بصراحة، فمثلاً من أكثر الكتب مبيعاً الآن في إسرائيل كتاب "كيف تحصل على جواز سفر أجنبي" توجد دولة في إحدى الجزر تُسمى (فاندناو) يبيعون، أحدهم أقام مكتب لبيع بعض الأراضي هناك ومن يشتري أرض يُصبح مواطن في هذه الدولة، تقدَّم 2000 إسرائيلي، الـGrean Card وتقدم له آلاف مبالغ كبيرة، يوجد الآن، وذكرت صحيفة الجيروسليم بوست في استطلاع للراي إن 35% من الشباب الإسرائيلي يرغب من الهجرة من إسرائيل وهذه النسبة ارتفعت خلال نصف شهر من 22% الى 35%.

تفيد معلومات مراكز الإحصاء في "إسرائيل" أن العام 2004 كان عام بداية الهجرة المعاكسة من "أرض إسرائيل" إلى الخارج، فقد غادر في العام المذكور ما يزيد على 16.500 إسرائيلي أغلبهم من العلماء والأطباء والمهندسين وذوي الاختصاصات العالية على اختلافها، ممّن يبحثون عن فرص عمل أفضل وأجدى وأمكنة للعيش أهدأ وأكثر استقراراً في أوروبا والولايات المتحدة.

وفي العام 2007 كان نزف الهجرة الإسرائيلية المعاكسة أشد وأخطر، خصوصاً حين طاول الأمر يهود روسيا وأوكرانيا وسائر جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. فبحسب معلومات وزارة الداخلية الإسرائيلية فإن 775 ألف إسرائيلي كانوا تقدموا بطلبات للتنازل عن جنسياتهم الإسرائيلية والاستعداد الجدّي لمغادرة البلد، الأزمة متنامية إذاً بين الشعب الإسرائيلي (خصوصاً الشباب) وقيادته السياسية. ولذلك جاءت نتيجة استفتاء "شبيبة هرتزل"، والذي شمل نحو 3 آلاف إسرائيلي، داخل الكيان العبري وخارجه، لتقول إن 58% من الجيل الإسرائيلي الجديد يريدون الهجرة القطعية والنهائية مع بلدهم.

وأثناء معركة عمود السحاب هدّد الآلاف من مغتصبي "سديروت" بالرحيل الجماعي احتجاجًا على استمرار تساقط الصواريخ الفلسطينية عليها، وكتب سكان منطقة سديروت وثيقة قالوا فيها إن سديروت انتهت، وإذا لم تكن الحكومة قادرة على توفير الحماية للسكان، فإننا سنتركها، هناك (3000) شخص من سكان سديروت وقعوا على الوثيقة.

و كشف "إيلي مويال"، رئيس بلدية مغتصبة "سديروت"، أن 15% من سكانها رحلوا بلا عودة خلال العام الماضي، وقال: إن كل الشواهد تدل على أن من يترك سديروت لأسباب أمنية بحتة، ولا يرجع إليها مرة أخرى.

الصواريخ الفلسطينية تشكل قوة رعب فلسطينية للدولة الاسرائيلية

هناك ثابت قبل أن نتحدث في معادلة الرعب وتوازن الرعب وهي أن الدولة الاسرائيلية لم ولن تستطيع بكل منظومته وقوته أن يوقف إطلاق صاروخ واحد بالرغم من تصاعد الاغتيالات والهجمات ضد قادة المقاومة الفلسطينية وضد الشعب الفلسطيني، فستبقى جذوة المقاومة بكل أدواتها ترعب الكيان الصهيوني وتؤثر على كل أدواته، حتى نصل تدريجيا الى حالة قوة الردع ومن ثم مرحلة الهجوم لا الدفاع، فكلما استمرت المقاومة الفلسطينية في عملها وتطوير اسلحتها وتطوير كوادرها ستبقى حالة الرعب في المجتمع الاسرائيلي وسيبقى الاقتصاد الاسرائيلي يخسر وستبقى موجات الهجرات المعاكسة وربما تزداد.

توازن الرعب يتحقق في عملية عمود السحاب

فشل العدو في تحقيق انتصار على المقاومة يعوض هزيمته في صفقة تبادل الأسرى، ويجهض انتصار المقاومة، ونتائجه وقد أدى التصدي البطولي للمقاومة إلى تكريس قواعد اللعبة التي فرضتها المقاومة، والقائمة على معادلة توازن الردع، والرعب التي أفقدت العدو قوته الردعي، وتجلى هذا الفشل الصهيوني المدوي في مسارعة نتانياهو إلى طلب الوساطة المصرية للعودة إلى التهدئة، وبالتالي تمكن المقاومة من تثبيت معادلة توازن الردع، وذلك في مشهد يذكر بما حصل في لبنان قبل الانسحاب العسكري الصهيوني عام 2000، عندما استطاعت المقاومة عام 1993، وعام 1996 فرض معادلة توازن الرعب واجبار العدو على توقيع اتفاق تفاهم نيسان بتحييد المدنيين على الجانبين، والاقرار بحق المقاومة في مقاتلة جيش الاحتلال، وتجلى هذا الفشل في تمكن صواريخ المقاومة من الوصول إلى معظم المستوطنات الصهيونية في جنوب فلسطين المحتلة، ودون ان تتمكن منظومة القبة الحديدية من اسقاطها، وهو ما دفع الصحف الصهيونية إلى ان تهزأ من هذه المنظومة، "الحرب كانت كارثة وطنية تلقت فيها إسرائيل ضربة قاصمة" هذا الكلام كلام مُرٌّ أقرَّ به رئيس الموساد السابق مائير داغان في خطاب وجهه لإيهود أولمرت، هو الحضيضُ بعينه، هذه هي الصورة الحقيقية التي خلفتها العمليات الواسعة التي شنتها الدولة العبرية منذ تموز في لبنان ولغاية معركة عمود السحاب فكان وقعها على الكيان الصهيوني كضربة قاضية لم يشهد لها مثيلاً في تاريخ وجوده، لم ينتهِ جحيم الصهاينة ، فجُعبة المقاومة لم تفرغ بعد، والاسلحة والصواريخ التي كانت تضرب بالأمس وتؤثر هذا الكم الكبير من التأثير مختلفة اليوم وستختلف غداً.

خاتمة

في يومٍ من الأيّام قال رجُلٌ كهلٌ كبيرٌ في السِّنِّ عارفٌ بزمانه ومكانه وعصره "لو حمل كلُ واحدٍ منا دلواً من الماء ورماهُ على فلسطين المُحتلّة لزالت إسرائيلُ من الوجود"، بالفعل، أثبتت ثلةٌ قليلةٌ من المجاهدين المغامرين أن المقاومة قدّمت بديلاً جدياً لتحرير الأرض وللدفاع عن الأوطان بدلاً عن المفاوضات العقيمة المُذلة التي طالما فرضها الإسرائيلي على دول وشعوب المنطقة، بدءاً من أطول وأعنف حراك جماهيري عرف بانتفاضة الاقصى أحيا فيها الشعب الفلسطيني الأمة، إلى سلسلة المعادلات على مدى السنوات التي فرضت توازن رعب جديد، إنجازات هائلة ما تزال ترتعد لاستذكارها فرائص الإسرائيليين، وفي جُعبة المُقاومة ما هوَ أعظَم.

الجزء الأول، اضغط هنا