أجد سعادة لا بأس بها عندما أقوم بتفسير حملات السلطة "الفلسطينية" وأجهزتها الأمنية والإعلامية المضادة بناء على إحدى مصطلحات الدكتورعلي شريعتي – منظر الثورة الإيرانية- مختصرة بذلك الكثير من مناظرات النقاش والانجرار إلى خطابات لا تسمن ولا تغني من جوع. مرة أخرى نجد أنفسنا أمام منظومة أمنية وإعلامية تتفنن في تطبيق كل آليات "الإستحمار" على الشعب.
كلما حاولتُ تجاهل أبا مازن ومنظومة أوسلو الأمنية وسياسة العمالة والتي تسمى ظاهرياً باسم "التنسيق الأمني" وجدت ورثة الجنرال الأمريكي دايتون يقومون بالواجب ويدعونني لعدم تجاهل منظومة الإستحمار السياسي، ولمن لا يعرف ما هو الإستحمار السياسي فهو مصطلح أطلقه الدكتور علي شريعتي في كتابه «النباهة والاستحمار»، وعرفه بأنه: "تزييف ذهن الإنسان ونباهته وشعوره وحرف مساره عن النباهة الإنسانية والنباهة الاجتماعية فردا كان أو جماعة".
يقول الدكتور علي شريعتي: إنه لمن سوء الحظ أن لا ندرك ما يراد بنا، فيصرفوننا عما ينبغي أن نفكر فيه من مصير مجتمعنا أو أفكر فيه أنا من مصيري كإنسان، إلى أن نفكر في أشياء نحسبها راقية جداً وعظيمة ومشرِّفة، فيصيبون الهدف دون أن نشعر! ومن أجل هذا قلت في مكان آخر: "إذا لم تكن حاضر الذهن في "الموقف" فكن أينما أردت، المهم أنك لم تحضر الموقف، فكن أينما شئت: واقفاً للصلاة أم جالساً للخمرة، كلاهما واحد". وهكذا السلطة تقوم بإلهائنا بالجزئي "مشاريع كيري وجولات المفاوضات والاعتراض عليها" عن الكليّ "التهجير، النقب، إضراب الأسرى، صفقات التنازل". وحديثاً أضيف إلى هذه القائمة ما حدث في مظاهرة الأربعاء الماضي والتركيز الشديد على الشتائم التي صدرت من بعض المتظاهرين.
أكاد أجزم أن تلك الآليات أصبحت تدرس في أكبر مراكز المخابرات العالمية لما لها من فعالية شديدة في حرف النقاش الشعبي الجماعي العام عن مساره الصحيح وجعله يتركز في جزيئات كان من المفترض تجاوزها منذ أمد بعيد، لأننا وبكل بساطة لا نعيش في المدينة الفاضلة، وكل لديه أخطاء يجب أن يتحمل عواقبها بما في ذلك رئيس نظام أوسلو الأمني والذي يطلق عليه لقب "الرئيس".
لن أخوض ذاك النقاش المتعلق بالألفاظ التي تداولها البشر في مظاهرة رفض المفاوضات يوم الأربعاء الماضي وسأكتفي بإحالة الشتائم وما رافقها من رفض ودفاع إلى تحليل فريدوي بحت، قد ينجح في كشف مكامن الخلل ومحدودية الرؤيا التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني وطرح علاج جذري لتلك الحالة والتي إن استمرت سوف تودي بنا إلى الهاوية.
لكن أن يصل الحد في الحملات المضادة القائمة على مبدأ الإستحمار الاجتماعي والسياسي إلى من فجر بأمعائه معركة الحرية في سجون الاحتلال الإسرائيلي ونجح هو وزملاؤه في انتزاع الحرية انتزاعاً وليس استجداءً هنا يحب أن لا نتعامل مع الموضوع وكأنه نقاش وتبادل للآراء تحت مبدأ "حرية التعبير عن الرأي في بلد قمعستان"، وإنما يجب أن لا يكون هنالك مجال لمن هو جالس في بيته أو مكتبه مستمتعاً بتبريد المكيفات أن يقود معركة مزودات على الشيخ خضر عدنان لمجرد لمشاركته في المسيرة الرافضة للمفاوضات.
ولأن كل إناء بما فيه ينضح ...ألم يكن من الأجدر بثوار ومزاودي الفيس بوك وتويتر تنظيم مظاهرات أكثر زخماً وحشداً رفضاً ليس فقط للمفاوضات التي قد تكون نتيجتها النهائية ترحيلنا من البلد دون سابق إنذار، وإنما مظاهرات لا تنتهي إلا بإلغاء اتفاقية أوسلو على الأقل. إن لم تعجبك التصرفات التي وردت من المتظاهرين عليك أن تقدم النموذج البديل بطريقة عملية وليس الاكتفاء بمزودات تضر بشخصك أنت لا شخص الشيخ خضر عدنان.
لا تطلب من أي كائن على هذه المعمورة أن يتقبل حجم الاتهامات والشتائم التي تطلقها حضرتك على الشيخ خضر، لأنك وبكل بساطة لم تخض إضراباً عن الطعام لمدة 66 يوماً، ولم تعتقل من وسط أطفالك وزوجتك في منتصف الليل، ولم تجرب معنى الحكم الإداري، ولست موجوداً في أي من فعاليات رفض نظام أوسلو، ولو كنت موجوداً لما تجرأت على إصدار هذا الكيل الهائل من الإتهامات والشتائم.
إحالة الأمور إلى شخص دون آخر وتحميله المسؤولية، ليس خطأعابراً، بل جريمة لا تحمد عقباها على المدى البعيد، كأن يطلب 11 مليون فلسطيني من شخص واحد أن يتحمل ضبط ما حصل في المظاهرة، دون أن يبدي أحدهم الاستعداد لخوض نقاش عملي يعالج ما بدر عن المتظاهرين "إن كان بحاجة إلى معالجة".
عزيزي المزاود، إن كنت من خبراء الإعلام الإجتماعي وبالتحديد اليوتيوب كان من المهم قبل إطلاق شتائمك أن تلقي بالاً أنه وفي اللحظة التي بدأ فيها الشيخ عدنان بالحديث بدأ عناصر الشرطة بالضرب على التروس لإصدار صوت للتشويش على كلمة الشيخ وأهم ما فيها "بأن المشكلة ليست مع محمود عباس ولا مع الفقرا المساكين هدول، بل مع نهج أوسلو"، وبالطبع بما أنك أيضاً خبير سياسي فإسقاط نهج أوسلو يعني ضمناً إسقاط الرئيس محمود عباس وكل ما له علاقة بأوسلو.
السحيجة والمزاودون حصلوا على فرصة ذهبية لإعلان الولاء الذي يوصف بأنه ولاء غبي وأعمى لمنظومة القمع الأمنية وتأييدهم اللاعقلاني للمفاوضات، متجاهلين بذلك أن تلك المنظومة هي من ساهمت في إراقة دماء أربعة شهداء في مخيمات قلنديا وعسكر، وبالطبع الدور قادم علينا لا محالة، لأن تلك المنظومة مصممة لاستئصال كل ما له علاقة بفكرة التحرير ويندرج تحت تلك الفكرة وجودك سالماً في بيتك. تلك المفاوضات التي سمحت بمصادرة أرضك وأرض أجدادك جيرانك لإقامة مستوطنات معاليه أدوميم وأفراتا وأرئيل، والتي سمحت بوقوفك ساعات على الحدود بين الأردن وفلسطين منتظراً إشارة من مجندة صهيونية لتسمح لك بالعبور.
ربما يساعدنا علماء الاجتماع والاستخبارات في تفسير ردة الفعل على شتائم المظاهرة بإعلان التأييد الكامل لواحدة من أخطر آليات تهجير الشعب الفلسطيني "المفاوضات".
أخيراً، التظاهرات ضد أوسلو والمفاوضات التي لم تعر أي اهتمام لدماء الشهداء لا تحتاج إلى تصاريح للوصول إلى المقاطعة، فمن لا يحسب حساباً لدماء الشهداء لا يستحق أن يُطلبُ منه الإذنُ لللتظاهر ولإخراج الغضب على من سهلوا الطريق لاستباحة المخيمات وإراقة دماء الشهداء. المقاطعة ليست مزاراً مقدساً ليمنع الوصول إليه، المخيمات هي مزارنا المقدس الذي يحرم على الأمن الفلسطيني وجيش الإحتلال "الإسرائيلي" دخوله.. ما دون ذلك فهو مباح دخوله.