مقابلة مع ماكس تيغ مارك (1)
ليزي وِاد: ما الذي يجعل من نظرية رياضية ما شيئاً جميلاً؟
ماكس تيغ مارك: بالنسبة لي؛ من الطبيعي عندما لا يكون هنالك أي علاقة بين شيئين، أن أعتقد بأنهما غير مترابطين. تخيلي لو أنك تتمشين في متحف فني ورأيتِ منحوتة جميلة جداً في إحدى زواياه، وفي الزاوية الأخرى رأيتِ شيئاً آخر وبينهما ستار كبير، ثمّ فجأة أزاح أحدهم الستار لتدركي أن المنحوتتين ليستا إلا جزئين من بناء أعظم. رؤية ذلك الكل يجعلك تفهمين الأجزاء بشكل أفضل.
لقد كانت الإنتظامات الرياضية الجميلة التي تمّ اكتشافها نموذجاً توحيدياً؛ إذ بدلا من تناول توصيف رياضي ما لجزء معين وتوصيف رياضي آخر لجزء ثانٍ، ندرك بوجود بنية رياضية مفردة تشمل جميع الأجزاء ضمنها. لذا، برأيي ستكون نتيجة طبيعية إن كان بالإمكان توحيد كل شيء، لو أن هنالك بنية رياضية واحدة هي ذاتها وقعنا وأن البنى الرياضية التي اكتشفناها من قبل ليست إلا أجزاء من هذه البنية الكلية الجميلة.
ليزي: دقيقة إذا سمحت. ماذا تقصد بقولك إن الكون عبارة عن بنية رياضية؟
ماكس: أنا حالاً أتناول برتقالة وهي مكونة من خلايا. لماذا هذه الخلايا تمتلك الخصائص التي تمتلكها؟ حسناً، لأنها مكونة من جزيئات. لماذا الجزيئات تمتلك الخصائص التي فيها؟ لأنها مكونة من ذرات مركبة بطريقة محددة. لماذا تمتلك الذرات الخصائص التي تمتلكها؟ لأنها مكونة من الكواركات والإلكترونات. ماذا بشأن الإلكترونات؟ ما الخصائص التي تمتلكها؟ ما هو لطيف في هذا الخصوص ان جميع خضائص الإلكترونات رياضية على نحو صِرف. ما هي إلا قائمة أرقام. لذا، وبهذا المنطق، فإن الإلكترون شيء رياضي بحت.
ليزي: تطلق على هذه الفكرة اسم فرضية الكون الرياضي وتقول بأنها أساساً طريقة تفاؤلية للنظر إلى الواقع، لماذا؟!
ماكس: لقد اكتشفنا مرة بعد مرة بأن الكون أكبر مما كنّا نظن. صثدِم الناس عندما ادركوا كم كانت الأرض كبيرة. وصدموا بعدها عندما عرفوا كم هو كبير نظامنا الشمسي، وكم النجوم بعيدة عنّا، وأننا لسنا سوى جزء صغير من المجرة والتي هي واحدة من ملايين ملايين المجرات الأخرى. يثار الآن الكثير من الجدل حول هذا الكون المشاهَد بصفته جزءاً من فضاء أكبر بكثير، مع ما فيه من واقع كمومي متعدد.
إن كان هناك من أجزاء للواقع الذي لا نستطيع مشاهدته سواء بواسطة تلسكوباتنا أو بواسطة رحلاتنا في الفضاء، قد يعتبرها البعض مشكلة وذلك لأننا أساساً محدودين في ما يخص مشاهداتنا. إذا كانت فرضية الكون الرياضي صحيحة، نستطيع، في الحقيقة، أن نعرف الكثير عن أجزاء الكون التي لا يمكننا رؤيتها أو زيارتها، ليس بالتلسكوب ولكن بقلم الرصاص وبكثير من البراعة.
إضافة إلى ذلك، إذا كانت الفرضية خاطئة فذلك يعني أن مستقبل الفيزياء محكوم عليه بالإخفاق. نحن، في النهاية، ذاهبون نحو تجاوز عقبة ليس بإمكاننا المضي قدما بعدها. إن كنت محقاً، لا يوجد عقبة. الطريق أمامنا مفتوح وفهمنا عن مستقبل واقعنا رهينٌ في محدوديته لتخيلنا.
ليزي: أنا لست عالمة رياضيات، لماذا عليّ ان أصدق نظريتك؟
ماكس: علينا تصديق النظريات العلمية إذا كان بمقدورها أن تقوم بتوقعات يمكن فحصها وبالإمكان إثبات خطئها. يجادل بعض الناس بإنه إن كان لديك نظرية تتنبأ بمجموعة أشياء لا يمكنك مشاهداتها فإنها ليست علمية. هذه في الحقيقة وجهة نظر غير صائبة. لسنا لكي تكون نظرية ما قابلة للتخطئة مجبرين على مشاهدة كل شيء تتنبأ به. فقط شيء واحد على الأقل. وإذا كان التنبؤ خاطئاً فلترمِ بالنظرية إلى المرحاض.
الجاذبية مثال عظيم في هذا السياق. تتنبأ نظرية اينشتاين في الجاذبية بما يحدث داخل الثقوب السوداء. هل علينا أن نصرف عنها النظر كحشو فلسفي؟ لا، لأنها نظرية تتنبأ أيضاً وبشكل دقيق بالتأخر في الوقت للأقمار الصناعية في نظام تحديد المواقع GPS. لو كان أينشتاين مخطئاً، لضعنا تماماً اثناء قيادتنا السيارة. ولأنها ناجحة جداً في الأشياء التي تنبأت بها والتي يمكننا فحصها، كنا مجبرين كذلك على التعامل بجدية مع بقية تنبؤاتها.
(1) عالم فيزياء سويدي ويدرس الفيزياء الكونية في معهد ماساتشوستس الأميركي.
النصّ الأصلي للمقابلة نشر في الموقع :
www.sciencemag.org