خاص - شبكة قدس: تمرّ الساحة الفلسطينية في لبنان بأزمة داخلية منذ الربع الأول من عام 2025؛ حيث تولّت حكومة نواف سلام زمام أمور الدولة، إلى جانب الرئيس الجديد جوزيف عون الذي أجرى بدوه تفاهمات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لتطبيق خطّة مرتبطة بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيّمات ضمن سياق الشروط الأمريكية-الإسرائيلية المفروضة على لبنان.
وعلمت "شبكة قدس" من قيادي بمنظمة التحرير في لبنان أن الرئيس عباس أوكل نجله "ياسر" كممثل خاصّ مسؤول عن بيع عقارات منظمة التحرير في لبنان، بينما أوكل مهمّة تسليم سلاح الفصائل للدولة اللبنانية، إلى قائد جهاز الأمن الوطني اللواء العبد إبراهيم خليل.
وبحسب القيادي في المنظمة، فإن ياسر عبّاس لا يمتلك خبرة سياسية، كونه رجل أعمال، ولا يملك تاريخًا تنظيميًا أو سياسيًا في منظمة التحرير أو حركة فتح، ولم يسبق له الانخراط في أي عمل سياسي، لكن بصفته "رجل أعمال" يشرف على بيع آلاف العقارات التابعة لمنظمة التحرير.
ووفق القانون اللبناني، فإنه لا يحقّ للفلسطيني تملّك عقارات خارج المخيّمات في لبنان، إلا أنّ الفلسطينيين طوال السنوات الماضية ومنذ عقود، لجأوا إلى شراء العقارات عبر "شخصيات لبنانية مقرّبة" وذلك ينطبق على منظمة التحرير. وبعد لقاء الرئيس محمود عباس مع نظيره اللبناني في مايو/أيار الماضي، جرى الاتفاق على سلسلة خطوات تلزم منظمة التحرير بتنفيذها في لبنان، ومنها تسليم السلاح الفلسطيني، وبيع العقارات المسجّلة باسم المنظمة خارج المخيّمات.
وعلى إثر ذلك، دبّت الخلافات بين عدد من قيادات المنظمة بمن فيهم السفير اللبناني السابق، أشرف دبور، مع الرئيس محمود عباس ونجله ياسر، والفريق المقرّب من الرئيس، حيث نتج عن الخلافات إصدار الرئيس قرارًا بإلغاء تكليف السفير أشرف دبور، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، من مهامه كمشرف عام للحركة على الساحة الفلسطينية في لبنان، ومن عمله كسفير في يوليو/تموز الماضي.
وبحسب القيادي (الذي فضّل عدم ذكر اسمه)، فإنه منذ منتصف عام 2025، تجري عملية إقصاء تُمارسها قيادة السلطة الفلسطينية بحقّ القيادات التاريخية في حركة فتح ومنظمة التحرير في لبنان، بذريعة ما أُطلق عليه "تيار دبور"، في إشارة إلى السفير أشرف دبور.
وتابع القيادي: "قبل عدّة أسابيع جرى إبلاغنا بأن الرئيس محمود عباس أصدر قرارًا بإنهاء عمل اللجان الشعبية التابعة لمنظمة التحرير". وتابع: "في أكتوبر الماضي، أجريت عملية الانتخابات الداخلية للحركة في لبنان، قبل موعدها المقرر بنحو عام ونصف، لتمرير عملية الإقصاء للقيادات التي خالفت نهج الرئيس عباس في لبنان".
وأضاف: "تمّ تعيين رياض أبو العينين أمينًا لسر حركة فتح في لبنان، بعد وساطة قادها والده، عضو اللجنة المركزية السابق سلطان أبو العينين، بالتنسيق مع نائب رئيس حركة فتح حسين الشيخ". وقال في السياق: "برزت في قيادة منظمة التحرير وحركة فتح في لبنان شخصيات محسوبة على جهاز الأمن الوطني، سبق أن خضعت لتحقيقات تتعلق بشبهات فساد مالي وأمني".
ولفت المصدر إلى أنهم أجروا مراسلات واتصالات متكررة مع قيادة اللجنة المركزية لحركة فتح، من دون أي جدوى.
وفي إجابته عن سؤال "شبكة قدس" حول عقارات منظمة التحرير، أجاب القيادي: "تملك منظمة التحرير آلاف العقارات في لبنان، تقع خارج حدود المخيمات، وهي مسجّلة بأسماء شخصيات لبنانية كانت لها علاقات سابقة بالمنظمة. وقد جرى بيع معظم هذه العقارات من قبل ياسر عبّاس نجل الرئيس، الذي يعمل حاليًا على تسوية ما تبقى منها، لا سيما تلك التي توفي مالكوها، حيث تتم التسويات مع الورثة".
وبحسب القيادي، فإنه "لا توجد معلومات واضحة حول مصير الأموال الناتجة عن بيع هذه الممتلكات، والتي تُقدّر بملايين الدولارات. وكان قد جرى الترويج سابقًا لأن هذه الأموال خُصصت للتخفيف من الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، غير أن ما تبيّن لاحقًا، بعد اجتماع الرئيس محمود عباس مع الرئيس اللبناني في مايو/أيار 2025، أن بيع العقارات جاء بتوجيه من الرئيس، ضمن تفاهمات مع الدولة اللبنانية تتعلق بتسليم السلاح الفلسطيني والعقارات. ويتولى الإشراف على هذا الملف كل من ياسر عباس، بصفته ممثل الرئيس الخاص، وقائد جهاز الأمن الوطني اللواء إبراهيم خليل، اللذين يقومان بزيارات متكررة إلى لبنان ويقيمان في فنادق من فئة خمس نجوم".
وعن مصير سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيّمات، قال القيادي في المنظمة إن غالبية الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لم تُسلّم سلاحها داخل المخيمات، لارتباط ذلك بمطالب تتعلق بالحقوق المدنية في لبنان، مثل حق العمل والتملك. في المقابل، كانت حركة فتح الفصيل الوحيد الذي سلّم سلاحه، ما أدى إلى تراجع شعبيتها بين اللاجئين الفلسطينيين.
ولفت القيادي إلى أنّ الرئيس عباس كان قد أبلغهم أن مقابل هذه التنازلات المرتبطة بالسلاح والعقارات، سيحصل الفلسطينيون على حقوقهم في لبنان، لكنه استدرك قائلًا: "منذ نحو سبعة أشهر، لم يحصل اللاجئ الفلسطيني في لبنان على حقوقه، بل فُرضت قيود إضافية، من بينها منع الفلسطينيين من العمل في مجال التمريض داخل المستشفيات الواقعة خارج المخيمات". وبذلك، أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية تخسر تدريجيًا مكانتها الشعبية والتمثيلية بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وكان السفير الفلسطيني السابق في لبنان، أشرف دبور، قد نشر خلال في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي عبر صفحته على "فيسبوك" تفاصيل بيع مبانٍ تابعة لمنظمة التحرير قبل لجنة مكلّفة من "الشرعيّة الفلسطينيّة"، وأنه بعد تأكّده من صحّة خبر البيع، فوجئ بعرض مبلغ 500 ألف دولار عليه من أحد أعضاء اللجنة، على أنّه "هديّة". وعلى أثر ما نشره دبور أثيرت تساؤلات جوهريّة حول غياب القوانين والأنظمة الناظمة لبيع الأملاك الفلسطينية العامة، ومن يملك حقّ التصرّف بثمنها، وأين أُودِعت الأموال، وهل دخلت الخزينة العامّة أم حُوّلت إلى حسابات خاصّة، إضافة إلى غياب الإعلان الرسمي عن تفاصيل الصفقات ومعاييرها وآليات الرقابة الماليّة.
وحمّل دبور القيادة الفتحاويّة، المركزيّة والثوريّة، مسؤوليّة سياسيّة وأخلاقيّة عمّا آلت إليه الأوضاع، محذّرًا من خطورة الصمت والتغاضي عن الفساد، ومطالبًا بتفعيل مبدأ المحاسبة. مؤكدًا عزمه التوجّه إلى القضاء الفلسطيني واللبناني، وتقديم دعوى رسميّة مدعّمة بالوثائق، مع التزامه بعرضها داخليًا ضمن أطر الحركة حفاظًا على خصوصيّتها، داعيًا إلى تصويب المسار وحماية المال العام وكرامة القضية الفلسطينيّة.
وعلى إثر ما نشره دبور من تسريبات حول بيع أملاك منظّمة التحرير الفلسطينيّة في بيروت، تزامنًا مع استمرار عمليّات المنظّمة في تسليم السلاح الفلسطيني في الساحة اللبنانيّة، يتفاقم الغضب الفتحاوي في الأوساط التنظيميّة والشعبيّة على حدّ سواء. ويعبّر هذا الغضب عن حالة استياء متصاعدة من مسار يُنظر إليه على أنّه تفريط بالممتلكات الوطنيّة وبعناصر القوّة السياسيّة والأمنيّة، دون شفافيّة أو مساءلة واضحة. وتُحذّر مصادر فتحاويّة من أنّ استمرار هذا النهج يفاقم الشرخ الداخلي، ويهدّد مكانة الحركة ودورها التاريخي في تمثيل الفلسطينيّين والدفاع عن حقوقهم، في ظلّ مطالب متزايدة بفتح تحقيقات جدّيّة ومحاسبة.



