شبكة قدس الإخبارية

أرض الصومال.. مسار إلغاء "سايكس بيكو" فما التالي؟

ESTINIANS-TRUMP-1763281158
محمد القيق

لطالما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تغيير وجه الشرق الأوسط، وساهم ترامب في تصريحات مماثلة في رسم المشهد الذي بات مستندا إلى سيطرة على الموارد الطبيعية والممرات المائية وكذلك خلق كيانات تعتبر حارسا أمنيا ضمن المشروع، وبهذا يتم نسف الوحدة العربية بل وتهشيم مؤسساتها وإنشاء الحلم الأمركي الإسرائيلي "جامعة دول الشرق الأوسط".

فجاء اعتراف إسرائيلي منفرد باستقلال "أرض الصومال" عن الصومال في تحدٍ للمنطقة بأسرها وتأليب الدول على بعضها وخلق فوضى ممنهجة لتنفيذ الأهداف الرئيسية لجعلها محور ومرجعية وشرعية هذه الدول. 

هو مشروع إسرائيل الكبرى الذي يعتمد على مسارات عدة:

•⁠  ⁠إحداث فوضى لتقسيم دول كما هو الآن من جديد في السودان وليبيا وسوريا ولبنان، وهذه السياسة متعمدة من الإسرائيلي والأمريكي بأدوات عربية وتسمى "الأيادي القذرة"؛ لبث الفتنة والفوضى والنزاعات لتقسيم الجغرافيا لصالح زيادة ست دول على خريطة المنطقة العربية والإسلامية، وهذا ما أكده مرارا المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا ولبنان حينما قال "حدود سايكس بيكو خطيئة ويجب علاجها"، وهذا يعني التوسع الإسرائيلي وتقسيم الدول وإضعافها.

•⁠  ⁠⁠تشكيل فزاعات أمنية "داعش" لجمع تحالفات دولية لمواجهتها، وهذه الحالة تعتمد على اختيار مناطق النفط والغاز والثروات بحيث يتم السيطرة على هذه المناطق من حركات مسلحة مدعومة أمريكياً وإسرائيلياً تمهيدا لجعلها تحت حكم ذاتي لإعلانها دولا لاحقا كما حدث في العراق، وكما يحدث الآن في الشرق السوري والشرق الليبي، وهذه السياسة تضمن شرعنة دعم هذه الحركات كما قسد في سوريا، وكذلك تضعف الدولة الرسمية من خلال اقتطاع أهم الجغرافيا فيها التي تضم الموارد مع إبقاء الكتلة البشرية عبئاً على الدولة لتصبح متسولة على أعتاب البنك الدولي، بالتزامن مع تنشيط خلايا تنظيمات المخابرات في مناطق سيطرة الدولة لبث الفوضى وجعلها منشغلة في كذبة محاربة الإرهاب، وهكذا يتم اقتطاع جغرافيا وسيطرة على موارد وإبقاء الدولة الممزقة نفسها تحت فتنة وفقر وفوضى.

•⁠  ⁠⁠استحداث فكرة نصرة الأقليات، وهذه معادلة أمريكية إسرائيلية تهدف بالإضافة للسيطرة إلى الاستحواذ أيضاً على جغرافيا الممرات البرية والمقاطع الحيوية وبوابات التوسع الجغرافية كما يحدث في جنوب سوريا وتلميحات السيطرة في جنوب لبنان، واستقدام روايات مزورة للتاريخ لتنصيب المشهد عليها، وهذا ما تحدث به عديد المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين وهو السلام من خلال القوة، وأن المنطقة العربية هي عبارة عن قبائل ولا سلام فيها بالمعنى المروج له بقدر ما هو استحواذ وسيطرة وفرّق تسد وإشغال يومي ومنهجية إفقار.

منذ سنوات كانت صفقة القرن التي تضمنت الحديث عن إسرائيل الكبرى وخطة الضم وسرقة الجولان السوري المحتل ونقل سفارة أمريكا للقدس وتمهيد شطب القضية الفلسطينية توازيا مع اتفاقيات أبراهام والتطبيع المجاني، فظن البعض أن دونالد ترامب يطرح خطط سلام في المنطقة ولكنها في حقيقتها إلغاء الحدود الوطنية ودمج كيانات وتقسيم دول وتوسيع إسرائيل وإلغاء قضية فلسطين، لتصبح المنطقة بعد الهندسة النهائية مسيطر عليها بقوة الجغرافيا والممرات المائية والجوية والعتاد العسكري وإسناد واستحداث ست دول على حساب سوريا ولبنان والسودان وليبيا والصومال واليمن.

وما يتم تمريره وتخطيطه هو إسرائيل الكبيرة وتحتها دول جديدة مدعومة منها على أرضية الأقليات ومناطق الثروات الطبيعية والقيود الأمنية لدول أخرى، وهكذا تصبح إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد.

هذا يعني أن إسرائيل وأمريكا لديهم مخطط يتضمن عملا عسكريا وآخر يحتوي على فتنة طائفية وثالث فيه حرب أهلية؛ وكلها مسارات ستقلب المنطقة رأسا على عقب وتصبح بلا جامعة دول عربية ولا حدود وطنية، وهذا تفهمه دول مهمة كما تركيا وإيران وروسيا والصين، فإضعاف تأثير هذه الدول بل وخلق التهديد على حدودها مباشرة وبالمجمل شطب نظرية عالم متعدد الأقطاب بالتوازي مع حملة أمريكا على دول أمريكا الجنوبية؛ يعني منهجيةً وتوقيتا وساعة صفر وأولويات.

 وبالتالي في ظل الجنون الميداني في تغيير قواعد اللعبة في المنطقة تصبح السيناريوهات أكثر تعقيدا وأقلها البقاء على هذا التوتر، أما أبعدها ومستحيلها فهو استقرار وسلام مبني على احترام اتفاقيات سابقة أو مشهد قائم.