شبكة قدس الإخبارية

من التحريض إلى الهدم.. هل تتحول يافا إلى مركز مواجهة جديد؟

photo_٢٠٢٥-١٢-١٧_١٣-٤٠-٤٨

 أكثر من عامين مرّا على حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما زالت المعاناة مستمرة هناك، ورغم أن فلسطينيي الداخل المحتل لم يكن لهم موقف ذو أثر فيما يخص مجرى الحرب، ولكن كثيرًا من المبادرات الفردية لعبت دورًا كبيرًا في دعم صمود أهل غزة من خلال إيصال كميات كبيرة من المساعدات. ورغم كل هذا الهدوء، إلا أنهم أصبحوا الشغل الشاغل لوزراء اليمين الإسرائيلي المتطرف.

شيطنة فلسطينيي الداخل

عكف كثير من وزراء اليمين المتطرف ومن لفّ لفيفهم من الصحفيين والنشطاء على الهجوم والتحريض على الفلسطينيين في الضفة الغربية والداخل المحتل على حدّ سواء، كما ورد على لسان موشيه فيجلين زعيم حزب "زيهوت" اليميني: "يجب أن نبدأ حملةً لتشجيع الهجرة الجماعية لجميع العرب، من الضفة الغربية والداخل المحتل. ما دمنا لا ندرك أننا نتعامل مع أمةٍ طوّرت ثقافةً قاتلةً وأعلنت الحرب علينا، فسنكون عرضةً لهجمات مماثلة في جميع أنحاء البلاد. يجب أن نبدأ حملةً لتشجيع الهجرة الجماعية لجميع العرب في البلاد، من خلال سلة هجرةٍ سخيةٍ لكل من يغادرنا بسلام ويجد مستقبله في مكانٍ آخر".

هدم وتهجير ممنهج في النقب

لم تكتفِ حكومة الاحتلال بهدم قرية أم الحيران عشرات المرات، بل أصبحت كل التجمعات والبلدات البدوية في النقب مستهدفة في ظل حكم بن غفير، الذي يشن حربًا على البدو في النقب، الذي قال: "سمعتُ أن البدو (ليسوا جميعهم، فهناك العديد من الجيران الذين يدعمونهم) يتظاهرون الآن أمام محكمة بئر السبع احتجاجًا على هدم المباني غير القانونية في النقب. لذا، لديّ رسالة لهؤلاء المتظاهرين: لا تُخيفوني، فالبلاد ليست أرضًا محايدة (مع أنكم اعتدتم على العيش هكذا لسبعين عامًا بلا قانون ولا قاضٍ). في عهدي، سياستي هي تطبيق القانون دون تهاون، وليس عبثًا أن يُهدم أكثر من ألف منزل مأهول في النقب".

خنق الصوت الفلسطيني في القدس

التحريض مستمر على سكان البلدة القديمة وعلى خطباء المسجد الأقصى. إيليت لاش، ناشطة يمينية متطرفة، تُحرّض على متجر هواتف بسبب عبارة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة": "المتجر بأكمله عبارة عن أغطية هواتف من جميع أنحاء أرض إسرائيل. ما دامت موجودة، واقفة وتبيع، فلن يكون هناك سلامٌ في أرضنا. الأعداء يُهجّرون. لا شيء سوى النقل".

وكذلك الحنان جورنر، وهو صحفي استقصائي من موقع "الصوت اليهودي"، يُحرّض على الشيخ خالد أبو جمعة بسبب الدعاء لأهل غزة: "ويظل الوجود العربي في الجبل هو المحرك الرئيسي للتحريض العربي في البلاد. لقد كان المسجد الأقصى مركزًا للتحريض الذي تمارسه حركة حماس في السنوات الأخيرة"، على حد زعمه.

كما يتواصل التحريض على البناء العربي في القدس، سواء من وزراء حكومة الاحتلال أو الناشطين والمنظمات الاستيطانية، وعلى رأسها حركة ريجافيم: "هذه المرة، ليس الأمر وادٍ ولا كروم عنب، بل القدس، عاصمة إسرائيل: على أطراف المدينة، على السياج الأمني، شُيّد برج ضخم، ولكن بدون ترخيص. هكذا، دون خطط أو تصاريح. مبنى ضخم من بين العديد من المباني الأخرى. هذه ليست قصة خيالية، بل واقع مُقلق وخطير. انتهت عملية قانونية طويلة بتسوية تعهّد فيها المقاول بهدم خمسة طوابق، بل ودفع كفالة قدرها 100 ألف شيقل. عمليًا، لم يُهدم سوى جزء صغير من الطابق العلوي. لقد حان الوقت لتُدرك سلطات إنفاذ القانون وقوات الأمن الخطر الذي تُشكّله المباني العملاقة التي تُهيمن على الطرق والسياج الأمني، وأن تتضافر جهودها لوقف هذه الظاهرة، تُستعاد السيادة للعاصمة".

وبلغ التحريض ذروته فيما يخص قبر الشهيد عز الدين القسام، حتى بات حديث وزراء وأعضاء كنيست قاموا بزيارة للمكان بهدف هدمه. يقول إيتسيك كرويزر، عضو كنيست ورئيس كتلة عوتسما يهوديت: "عند تولّي منصب رئيس لجنة الداخلية وحماية البيئة، وعدتُ بأن يكون أول نقاش لي حول إزالة قبر الإرهابي الكبير عز الدين القاسم، المدفون في مدينة نيشر. لقد حان الوقت لإزالة هذا العار الوطني، وكان من الأفضل لو تم ذلك قبل ساعة. ولن نتوقف لحظة حتى إزالة قبر الإرهابي نهائيًا". أما عميحاي إلياهو، وزير التراث لدى الاحتلال، فيصرّح: "قبر القسام ليس مجرد قبر، بل هو مزارٌ للإرهاب على أرض إسرائيل. نصرٌ رمزيٌ للقتلة على المقتولين. بصقةٌ في وجه كل من سقط في سبيل تقديس الله منذ عام 1919 وحتى يومنا هذا. لا مكان في دولة إسرائيل لإرث النازية".

يافا

تسبب اعتداء عدد من المستوطنين على امرأة فلسطينية في مدينة يافا بسخط كبير لدى سكان المدينة الفلسطينيين، وخرجوا في مظاهرات كبيرة أثارت استفزاز النشطاء والوزراء في حكومة نتنياهو، وتشهد مدينة يافا في الأسابيع الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في حدّة الخطاب التحريضي والممارسات التي تستهدف الفلسطينيين في المدينة، ما يعيد إلى الواجهة سؤالًا قديمًا متجدّدًا: هل تقترب المدينة من لحظة انفجار جديدة؟ وبين سياسات التضييق، وتصاعد الاعتقالات، ومحاولات خلق واقع أمني متوتر، تبدو يافا وكأنها تُدفع دفعًا نحو مرحلة أكثر احتقانًا قد تمتدّ شرارتها إلى مناطق أخرى في الداخل الفلسطيني. في ظل هذا المشهد المضطرب، يصبح من الضروري قراءة المؤشرات المتسارعة وفهم ما إذا كانت يافا تقف على أعتاب انتفاضة محلية، أم أمام فصل جديد من سياسات الضغط والسيطرة.

تعلّق إيليت لاش الناشطة اليمينية المتطرفة على الأحداث في يافا: "أي يافا؟ يافا خاصتنا؟! ترحيل". وينشر الحنان جورنر، الصحفي الاستقصائي في موقع "الصوت اليهودي"، مقالًا عن المظاهرات يُحرّض فيه على عدد من الشخصيات البارزة في المجتمع العربي: "على كل من يعتقد أن هناك شيئًا عفويًا في الانتفاضة العربية في يافا أن يولي اهتمامًا لسلسلة المحاضرات لشباب يافا، التي تلقيها شخصيات بارزة من الفصيل الشمالي المحظور...".

 أما أور بيالكوف، الباحث في "حروب إسرائيل"، فيُحرض مباشرة على العرب في يافا: "إرهابيون في قلب يافا. يجب توضيح الأمر لسكان يافا بأن القانون في يافا صارم". كما يهاجم فيجلين العرب في يافا وغيرها من المدن العربية في الداخل المحتل: "وهكذا أصبحت يافا، وبعدها اللد وعكا والرملة والبلاد كلها، غزة. إذا لم نستعد الحكم اليهودي الكامل الآن، وقبل فوات الأوان، فإن المذبحة القادمة لن تأتي من الجنوب فقط، بل من الداخل...".

وتستمر المظاهرات في يافا، ويستمر التحريض على سكانها الفلسطينيين، بالتوازي مع مزيد من السياسات العنصرية من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تجاه العرب عمومًا وبدو النقب خصوصًا، حيث أصبحت زياراته الاستفزازية ومرافقته المستمرة للشرطة في أعمال الهدم "للبناء غير القانوني" شبه أسبوعية.

في المجمل، تبدو يافا اليوم أمام مفترق طرق حساس؛ فالتوترات المتصاعدة ليست معزولة عن واقع سياسي وأمني أشمل، بل هي انعكاس مباشر لسياسات تدفع المدينة نحو مزيد من الاحتقان. وبين مجتمع عربي يسعى للحفاظ على وجوده وهويته، وحكومة متطرفة تمضي في خطاب وممارسات تزيد الفجوة اتساعًا، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل تنجح الجهود في منع الانفجار؟ أم أن الشرارة التي تتجوّل في المشهد ستجد طريقها في النهاية إلى الاشتعال؟.