شبكة قدس الإخبارية

الحواجز في الضفة الغربية.. منظومة سيطرة شاملة وسياسة عقاب جماعي

photo_2025-12-25_15-12-19
بيسان الخاروف

خاص شبكة قدس الإخبارية: الابتعاد عن الحواجز والطرقات الطويلة المحفوفة بالإغلاقات لا يكفي وحده للشعور بالاطمئنان. فثمّة صدمة نفسية تتسع كلما ابتعد الفلسطيني عن المكان، إذ يبقى طابور المركبات المكدّسة في بطون الطرقات، على حاجز يفصل شمال الضفة عن وسطها أو وسطها عن جنوبها، عالقًا في الذاكرة.

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يعيش الفلسطيني واقعًا أشبه بسجن كبير، مع تصاعد غير مسبوق في أعداد الحواجز والبوابات العسكرية على مداخل القرى، ونصب السواتر الترابية، ما أدى إلى شلّ الحركة وتقطيع المدن عن بعضها البعض.

ضمن هذه المنظومة، لا يقف الحاجز عند الإسمنت والجندي فقط، بل يمتد إلى الفضاء الرقمي عبر نظام المراقبة المعروف بـ«الذئب الأزرق» (Blue Wolf)، وهو نظام إسرائيلي للتعرّف البيومتري على الوجوه، يُستخدم في الضفة الغربية، خصوصًا في مدينة الخليل.

ويحوّل هذا النظام وجه الفلسطيني إلى وثيقة تفتيش دائمة، تُفحص عبر تطبيق هاتفي، ويُصنَّف المرور وفق ألوان: الأخضر للعبور، الأصفر للمراقبة، والأحمر للاستيقاف. هنا، تنتقل العلاقة مع الطريق من سؤال «إلى أين تذهب؟» إلى حقيقة أكثر قسوة: «نحن نعرف أين تذهب»، ليغدو العبور قرارًا إلكترونيًا، وتتحول الكاميرا إلى حاجز صامت لا يحتاج إلى جندي.

أخطر أدوات السيطرة

وفي مداخلة للمحلل السياسي ساري عرابي، قبيل اعتقاله من قبل قوات الاحتلال صباح اليوم الخميس، يؤكد أن الحواجز العسكرية الإسرائيلية تُعدّ من أخطر أدوات السيطرة على حياة الفلسطينيين، إذ لم تعد تقتصر على تنظيم الحركة، بل تحوّلت إلى وسيلة منهجية لتقطيع الجغرافيا الفلسطينية وشلّ الحياة اليومية.

ويوضح أن الفلسطيني يُحاصر داخل مساحة محدودة، حيث قد تتحوّل المسافة بين قريتين متجاورتين إلى رحلة تستغرق ساعات أو أيام بسبب حاجز أو بوابة حديدية، ما يقيّد الوصول إلى العمل والتعليم والأراضي الزراعية، وحتى الخدمات الأساسية.

ويضيف أن هذا الواقع يفرض ضغطًا نفسيًا واقتصاديًا متراكمًا، ويخلق شعورًا دائمًا بالاختناق والملاحقة داخل الوطن، في ظل انتشار الحواجز الدائمة والطيّارة، والطرق الالتفافية، والمستوطنات، التي تعمّق العزل بين القرى والمدن الفلسطينية.

وبحسب عرابي، فقد تصاعدت هذه القيود بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر، مع تكثيف إغلاق البوابات الحديدية وتصاعد اعتداءات المستوطنين، ما ضاعف من حالة انعدام الأمان، وحوّل الضفة الغربية فعليًا إلى مناطق معزولة، ضمن سياسة ضغط وسيطرة وجودية على الفلسطينيين.

من جهته، يؤكد صلاح خواجا من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن الضفة الغربية تشهد تصعيدًا غير مسبوق يستهدف تفكيك الحياة الفلسطينية و«قتل روح المجتمع»، عبر تكثيف الحواجز والبوابات العسكرية وتصاعد الاعتداءات. ويوضح أن عدد الحواجز والبوابات العسكرية بلغ نحو 914 حاجزًا وبوابة، في إطار محاولة لتحويل الضفة الغربية إلى منظومة أمنية مغلقة من الكانتونات والمعازل، تعزل القرى عن المدن، والمدن عن بعضها البعض، ضمن سياسة ممنهجة تعود جذورها إلى مشاريع السيطرة منذ عام 1967.

ويشير خواجا إلى أن مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر شكّلت نقطة تحوّل خطيرة في سياسات الضم والاستيطان، مع تسارع واضح في شرعنة البؤر الاستيطانية، حيث اعترفت حكومة الاحتلال خلال ثلاث سنوات فقط بـ69 بؤرة، ليرتفع العدد الإجمالي إلى أكثر من 130 بؤرة. كما تم خلال عام 2024 إنشاء أكثر من 52 بؤرة جديدة، في وقت بلغ فيه متوسط إقامة المستوطنات منذ عام 1967 وحتى 2022 نحو سبع مستوطنات سنويًا.

ويضيف أن البؤر الاستيطانية الرعوية سيطرت حتى نهاية عام 2024 على أكثر من 14% من أراضي الضفة الغربية، أي ضعف ما تمت السيطرة عليه منذ عام 1976 وحتى عام 2022، مؤكدًا أن هذه المستوطنات تسببت بتهجير 33 تجمعًا بدويًا، ضمن سياسة ضم زاحف تحظى بغطاء سياسي وأمني كامل.

اجتماعيًا، يبيّن خواجا أن إجراءات الضم في مناطق شمال غرب القدس، مثل بيت إكسا والنبي صموئيل، تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي ومنع الزواج ولمّ الشمل، في سياسة تهدف إلى الحد من النمو السكاني الفلسطيني. وبذلك، يواجه الفلسطينيون واقعًا يشبه السجن الجماعي داخل مدنهم وبلداتهم، حيث يكفي إغلاق بوابة واحدة لشلّ الحركة وتعطيل الحياة بالكامل دون أي كلفة على الاحتلال.

ويختم خواجا بأن الحواجز والبوابات تحوّلت، بالتوازي مع التوسع الاستيطاني، إلى أداة عقاب جماعي يومي، تعمّق عزل الفلسطينيين وتشلّ حياتهم، إذ تعيق وصول الطلبة والمعلمين إلى المدارس والجامعات، وتعرّض معلمين في مناطق جنوب الخليل للاعتداء أثناء سيرهم لمسافات طويلة. كما طالت هذه الإجراءات عمل سيارات الإسعاف، ومنعتها من اجتياز الحواجز، ما تسبب خلال السنوات الماضية بوفاة نحو 22 امرأة حامل مع مواليدهن، نتيجة منع الوصول إلى المستشفيات.

في الضفة الغربية، لا تنتهي الحواجز عند نقاط التفتيش، ولا تُرفع حين تُفتح البوابات. فهي تواصل حضورها في الذاكرة والجسد، في التوتر الدائم، وفي الحذر الذي يرافق الفلسطيني حتى في المساحات المفتوحة. فهنا، لا يُقاس الطريق بطوله، بل بعدد المرات التي يُعاد فيها إنتاج الخوف، ويُعاد تعريف الحركة بوصفها امتيازًا لا حقًا، في وطنٍ بات العبور فيه تجربة يومية للاختبار والنجاة.