شبكة قدس الإخبارية

"فرصة ذهبية للاستثمار".. أطماع ترامب الاقتصادية تسبق الحل السياسي في غزة

photo_2025-12-17_21-07-31

غزة - خاص شبكة قدس الإخبارية: بينما يمنّي الغزيون النفس بمأوي أو خيمة قد تنفع في ظل مأساة لا تعرف طريقا للحل، وكارثة إنسانية تتفاقم يوما بعد يوم، تتصارع قوى وشركات أميركية على ما يعتبرونه "فرصة ذهبية" لكسب أرباح وعوائد مالية بمليارات الدولارات، مستغلين معاناة ودمار شعب أنهكته الحرب طوال عامين، وما زال.

وفيما يأمل الغزيون بانتقال اتفاق وقف إطلاق النار إلى مرحلة ثانية، قد تفتح الباب أمام تخفيف معاناتهم، وسط محاولات الولايات المتحدة والوسطاء الضغط على "إسرائيل" للبدء فيها، تتكشف خيوط الاستغلال الأميركي للكارثة في غزة، إذ تجري إدارة الرئيس دونالد ترامب مناقشات واسعة تهدف لاستثمار الحرب وتحقيق أرباح خيالية.

ما كشف عنه تقرير نشرته صحيفة "غارديان" البريطانية، مؤخرا، ويسلط الضوء على تنافس إدارة ترامب وشركات جمهورية لتحقيق عوائد ضخمة تصل إلى ملياري دولار أميركي سنويا من المساعدات وإعادة الإعمار في قطاع غزة. ويسلط التقرير الضوء على فريق عمل خاص بغزة، شكّله البيت الأبيض، بقيادة صهر ترامب جاريد كوشنر، ومبعوثه ستيف ويتكوف.

ويقود النقاشات مسؤولين سابقين في وزارة الكفاءة الحكومية الأميركية، من بينهم شاب يدعى آدم هوفمان، الذي يقترح تعيين "متعهد رئيسي" يحتكر إدخال 600 شاحنة يوميا إلى قطاع غزة، وفرض رسوم بألفي دولار على كل شاحنة مساعدات إنسانية، و12 ألف دولار على كل شاحنة تجارية.

ويعقب المحلل السياسي وسام عفيفة، على تقرير "غارديان، قائلا إن ما يجري حول غزة لم يعد يقتصر على وقف نار أو قوة دولية أو لجنة تكنوقراط، وإنما دخل مرحلة أخطر وهي استثمار الحرب نفسها وتحويل الكارثة إلى سوق مفتوح.

ويقول لـ "قدس الإخبارية" إنه في ظل دمار 3 أرباع مباني غزة، وتقديرات أممية بتكلفة إعمار تصل إلى 70 مليار دولار، فإن هذا الرقم بالنسبة لعالم المقاولات والسياسية، لا يعني مأساة، وإنما فرصة ذهبية. ويضيف أن "المفارقة هي أنه لا مجلس سلام بدأ عمله، ولا آلية دولية شفافة أُقرّت، لكن الخطط التجارية سبقت السياسة".

وينبه عفيفة إلى اسم الشركة الأميركية التي وردت في تقرير "غارديان"، والتي فازت بعقود لإدارة مركز احتجاز سيئ السمعة في فلوريدا، ويعرف بـ"ألكاتراز التمساح"، وهي التي كانت الأقرب للفوز بعقد غزة، بعدما أمّنت موردين ومقاولين فرعيين، وفق قوله.

ويرى عفيفة أن ما يدور بكواليس الخطة الأميركية يتقاطع مع الواقع الإسرائيلي الذي فرضه على قطاع غزة، بحصر شراء السلع من موردين إسرائيليين، ومنع حركة الاستيراد من الضفة الغربية، وفرض رقابة أمنية واقتصادية كاملة، لا سيما حصر الاستيراد بعشر رجال أعمال من غزة، وفق إخطار رسمي وجّه إلى التجار، بالتنسيق مع ما يعرف بـ"مركز التنسيق المدني والعسكري" في كريات غات.

ويلخص عفيفة مشهد غزة بمرور المساعدات عبر موردين إسرائيليين، بإشراف لوجستي أميركي، فيما يغيب القرار السياسي. ويدار القطاع على 3 مسارات متوازية وهم: أمني يُحضّر، سياسي مؤجل، واقتصادي يعمل بكامل طاقته، ويتساءل عفيفة هل ما ينتظر غزة "اليوم التالي" أم استثمار حرب بغطاء لوجستي؟.

التفكير بعقلية "الفرصة الاستثمارية" يُشكّل أحد المحددات الرئيسة لسلوك إدارة ترامب، وقد بدا ذلك واضحًا منذ اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، إذ ينظر إلى قطاع غزة، من حيث الأرض من جهة، ومن حيث ما سيترتب عليها من عمليات إعمار واسعة من جهة أخرى، بوصفه نافذة مفتوحة لتحقيق أرباح اقتصادية. وفي هذا السياق، لا يرى ترامب أي طرف أحقّ من الولايات المتحدة وشبكة مصالحها في الاستحواذ على هذه الفرصة والاستفادة من عوائدها.

هذا ما يقوله الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني، الذي يشير أيضا في حديث لـ "قدس الإخبارية" إلى أن الحديث عن الاستثمار الأميركي في ملف إدخال المساعدات إلى غزة، يعد الأخطر، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة وقاسية على مئات آلاف المجوّعين في القطاع، إذ يجري التكسب على حساب حاجاتهم الملحّة للغذاء والدواء ومواد الإيواء المؤقت ومتطلبات الإغاثة الطارئة، في لحظة يحاول فيها السكان بالكاد إعادة ترميم مقومات حياتهم.

ويذكر الطناني أن هذا المسار يقدم نموذجًا صارخًا على وجود شراكة أميركية فعلية في سياسة الابتزاز الإنساني التي يرزح تحتها أهالي القطاع، حيث يُعاد قولبة الحصار بأدوات جديدة، تُعيد ترتيب أولويات دخول الشاحنات إلى غزة وفق اعتبارات المتعهد وهامش الربح المتوقع، لا وفق الاحتياج الإنساني. وهو ما يفسّر منح مساحة أوسع للشاحنات التجارية على حساب شاحنات المساعدات، نظرًا للفارق الكبير في العائد المالي الناتج عن رسوم إدخال البضائع التجارية، بما يحقق ربحًا مضاعفًا للمتعهد الأميركي، ويُراكم أعباء إضافية على كاهل المستهلك المنهك في غزة، الذي يحتاج أساسًا إلى المساعدات لا إلى السلع الاستهلاكية.

ويضيف أيضا أن "الخطر الأكبر يكمن في أن السلوك السياسي الأميركي بات يتحرك انطلاقا من حسابات الربح والخسارة المرتبطة بهذه "الفرصة الاستثمارية"، الأمر الذي يجعل أي حديث عن مسار جدي لوقف إطلاق النار خاضعًا لهذه المعادلة التجارية، لا للاعتبارات الإنسانية أو السياسية"، وهي اعتبارات كان يفترض أن تضمن للشعب الفلسطيني حقه في الحياة الآمنة، وإعادة ترميم مجتمعه، وإعمار قطاع غزة بجدية وفاعلية، وفتح أفق سياسي حقيقي نحو دولة فلسطينية مستقلة، وفق الطناني.

ويؤكد الطناني أن التعامل مع مأساة غزة وتداعيات حرب الإبادة يجري التعامل معها بوصفها بوابة للتكسب الاقتصادي، يُدفع بها إلى الأمام ما دامت تحقق أرباحًا، وقد يُعاد توجيهها أو التخلي عنها إذا ما تراجعت العوائد المتوقعة. وهو منطق يُفرغ أي مسار سياسي أو إنساني من مضمونه، ويحوّل الكارثة الإنسانية إلى مشروع استثماري بحت.

ويستدعي السلوك الأميركي تحريكا جادا للرأي العام العالمي، لحماية أهالي قطاع غزة وأرضهم وحقهم في العدالة، ومنع تحويل معاناتهم إلى مادة استثمارية تُفرغها من قيمتها الأخلاقية والإنسانية، وتمسخ جوهرها، لتتحول إلى مجرد سلع ومشاريع. كما يحمل خطرًا حقيقيًا يتمثل في استغلال سكان القطاع كأيدٍ عاملة رخيصة، وتحويل أراضيهم الساحلية إلى منشآت تخدم رؤية ترامب لـ"غزة–ريفيرا" كمشروع استثماري أميركي، لا كحق أصيل لشعب يسعى للعودة إلى حياة طبيعية وكريمة على أرضه، وفق ما يختم به الطناني.