شبكة قدس الإخبارية

الأمن الداخلي تحت النار: كيف يدير الاحتلال الفوضى في قطاع غزة عبر الاغتيالات والوكلاء؟

1765706237-2058281760
رامي أبو زبيدة

يأتي استهداف الاحتلال الإسرائيلي المتكرر للأجهزة الأمنية في قطاع غزة ضمن سياسة مدروسة، لا يمكن فصلها عن عقيدته الأمنية القائمة على تفكيك منظومات الضبط الداخلي، وإنتاج بيئة فوضى أمنية محسوبة العواقب. فالاحتلال يدرك أن ضرب الاستقرار الداخلي لا يحقق مكاسب آنية فحسب، بل يراكم نتائج استراتيجية متعددة: إرباك المجتمع، تحميل المقاومة مسؤولية أي انفلات أمني، وتوفير ذرائع إضافية لتوسيع التدخل العسكري لاحقًا تحت عناوين “الأمن” و“مكافحة الفوضى”.

أولًا: من استهداف البنية إلى ضرب الوظيفة

لم يعد الاستهداف محصورًا في البنى العسكرية التقليدية، بل اتجه بشكل واضح نحو منظومة الأمن الداخلي ذاتها. تعطيل هذه المنظومة يعني شل قدرة المجتمع على التنظيم الذاتي، وإضعاف أدوات الضبط، وفتح المجال أمام اختراقات أمنية وسلوكية تُستثمر لاحقًا سياسيًا وإعلاميًا. هذا النمط من الاستهداف يعكس انتقال الاحتلال من المواجهة المباشرة إلى إدارة الفوضى كأداة حرب.

ثانيًا: الفوضى كأداة ضغط مركّبة

الفوضى الأمنية ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة ضغط مركّبة. فهي:

تربك المجتمع وتستنزف طاقته في مواجهة تحديات داخلية.
تنقل عبء المسؤولية عبر تحميل المقاومة تبعات أي خلل أمني.
تُنتج مبررات التدخل عبر تصوير المشهد كحالة “انفلات” تستدعي تدخلاً خارجيًا.
بهذا المعنى، تصبح الفوضى “محسوبة”، تُدار بجرعات مدروسة، وتُغذّى عبر أدوات بشرية محلية تعمل لصالح الاحتلال.

ثالثًا: المليشيات العميلة… الذراع القذرة للاحتلال

في هذا السياق، يبرز الدور الخياني الذي تلعبه المليشيات العميلة كأداة تنفيذية مباشرة لمخططات الاحتلال. هذه المجموعات لا تعمل بمعزل عن توجيه استخباري، بل تُستخدم في جمع المعلومات، وتنفيذ عمليات اغتيال، والعبث بالجبهة الداخلية، بما يحقق للاحتلال ما لا يستطيع إنجازه علنًا.

وقد كشفت منصة الحارس عن اعترافات أولية لأحد عملاء المرتزقة المتورطين في جريمة اغتيال المقدم أحمد زمزم، تؤكد هذا الترابط العضوي بين الاحتلال ووكلائه المحليين. فبحسب مصدر أمني للمنصة، اعترف عميل معتقل—أحد ثلاثة متورطين—بأن العميل شوقي أبو نصيرة استدعاه وعميلين آخرين للقاء مع ضابط في مخابرات الاحتلال، أبلغهم خلاله أن مهمتهم تتمثل في اغتيال المقدم زمزم، بزعم أنه يدير ملفًا أمنيًا من شأنه الوصول إلى شبكات عملاء آخرين.

ووفق الاعترافات، تولّى ضابط المخابرات تزويدهم بوسائل التنفيذ، إلى جانب معلومات تتعلق بمسار تحرك الهدف. كما سبق أن تبنّى غسان الدهيني—المسؤول عن المليشيات العميلة شرق رفح—جريمة الاغتيال عبر حسابه على فيسبوك، في مؤشر إضافي على تلاقي الأدوار بين الاحتلال وأذرعه المحلية.

رابعًا: الدلالات الأمنية والسياسية

تكشف هذه الوقائع جملة من الدلالات:
1. الاحتلال يعتمد الوكلاء لتقليل كلفة المواجهة المباشرة.

2. الاستهداف انتقائي يركّز على العقول والملفات الأمنية الحساسة.

3. التوظيف الإعلامي للجريمة يهدف إلى بث الخوف وزعزعة الثقة بالمؤسسات.

4. الرهان على التفكك الداخلي كمدخل لإضعاف المقاومة على المدى المتوسط.

إن استهداف الأجهزة الأمنية في قطاع غزة ليس حدثًا معزولًا، بل جزء من استراتيجية احتلالية شاملة لإعادة تشكيل البيئة الداخلية عبر الفوضى المضبوطة والوكلاء المحليين. مواجهة هذه السياسة تتطلب وعيًا مجتمعيًا، وتماسكًا داخليًا، وتعزيزًا لأدوات الحماية الأمنية، بما يُفشل رهان الاحتلال على التفكك، ويُبقي الجبهة الداخلية عصيّة على الاختراق