شبكة قدس الإخبارية

عيد الأنوار العبري والحلم بتجديد أسطورة الهيكل

455
زياد ابحيص

يبدأ بعد غروب شمس يوم الأحد 14-12-2025 ما يسمى بـ"عيد الأنوار" العبري، ويستمر على مدى ثمانية أيام لينتهي مع غروب شمس يوم الإثنين 22-12-2025. وهذا العيد ليس عيداً توراتياً أصيلاً، بل هو عيد مضاف تاريخياً يختلط فيه فهم اليهود لأنفسهم كدين وكقومية في آنٍ معاً، فهو يؤرخ لحدث تاريخي متأخر وهو التمردات اليهودية ضد الحكم السلوقي ثم الروماني في فلسطين، ولذلك فإن هذا "العيد" ليس من "أعياد الحج" التي تقول الأسطورة التوراتية إن طقوسها المركزية تتطلب الصلاة في الهيكل المزعوم، كما أن أيامه كلها تعتبر أياماً عادية وليست أيام صيام.

وقد أخذت منظمات الهيكل التي تتصدر العدوان على المسجد الأقصى بتصعيد مكانة هذا العيد وإعادة ربطه بأسطورة الهيكل، لتستحدث محطة عدوان جديدة على المسجد الأقصى خلال فترة الانقطاع الطويل في الأعياد التوراتية الكبيرة، والذي يدوم لنحو ستة أشهر ما بين نهاية "عيد العرش" التوراتي الذي يتزامن مع شهر تشرين أول/أكتوبر الميلادي و"عيد الفصح" التوراتي الذي يتزامن مع شهر نيسان/ أبريل من العام الميلادي التالي، وهو السبب الذي يدفعها أيضاً لمحاولة تصعيد مكانة "عيد المساخر (البوريم)" وهو عيد هامشي آخر طارئ على الأعياد العبرية تخليداً لأسطورة مستجدة لليهود الذين عاشوا تحت الحكم الفارسي وعادة ما تأتي هذه المناسبة متزامنة مع شهر مارس/ آذار الميلادي.

إدخال هذين العيدين إلى رُزنامة العدوان على المسجد الأقصى يقصِّر فترة انقطاع مواسم العدوان على المسجد الأقصى من ستة شهور إلى ثلاثة فقط، وهذا هو الهدف الأساس من وراء محاولة منظمات الهيكل تصعيد هذه الأعياد الهامشية والسعي لربطها بأسطورة الهيكل.

عن معنى عيد الأنوار ومحاولات ربطه بأسطورة الهيكل:

يؤرخ "عيد الأنوار (الحانوكاه)" وفق الرواية اليهودية المعاصرة لنجاح تمرد الحشمونيين في السيطرة على القدس من الحكم السلوقي في عام 164 ق.م، وقصته باختصار أن مملكة الإسكندر المقدوني قد انقسمت بعد فترة من وفاته إلى مملكتين، الأولى عرفت بدولة البطالمة وكان مركزها مصر وكانت فلسطين تحت حكمها في العقود الأولى من قيامها وكانت أقل مَيلاً لفرض نمط الحياة والثقافة اليونانية (الهيلينية)، والثانية السلوقية ومركزها سوريا والأناضول وتمكنت من السيطرة على فلسطين في 194 ق.م لتبدأ بفرض الثقافة والعبادة الهيلينية وتمنع الختان إلى جانب إجراءات اقتصادية أخرى، وهو ما أدى إلى تمرد اليهود الذين شكلوا جزءاً من سكان فلسطين في ذلك الوقت.

ونُسجت حول هذا التمرد الذي نفذته الأسرة الحشمونية من كهنة اليهود عدة أساطير، من بينها أن قائده يهودا المكابي حينما دخل الهيكل لم يجد سوى مقدار من "الزيت الطاهر" يكفي لإنارته لليلة واحدة، وكانت طقوس تحضير "الزيت الطاهر" على يد الكهنة تستغرق ثمانية أيام، فبقيت الشعلة متوقدة بهذا الزيت لثماني ليالٍ حتى جاء الزيت الجديد، واعتُبرت تلك "معجزة إعادة تدشين الهيكل" وتخصيصه كمكان عبادة يهودي بعد أن أقيمت فيه الأوثان الهيلينية، ولذلك استحدثت عادة إنارة شمعدان من تسعة أذرع بهذه المناسبة، حيث يعتبر الذراع الأوسط هو "المُشعل"، ثم في كل ليلة يوقد واحد من الأذرع الثمانية التي تتوزع بالتساوي أربعة على اليمين ومثلها على اليسار، على امتداد ليالي العيد الثماني.

أما يهودا الحشموني قائد ذلك التمرد فسُمي بالـ"مكابي" نظراً لكمال صفاته الجسدية والعقلية والنفسية، وكلمة المكابي اختصارٌ لمطالع حروف عبارة "من على هيئتك يا رب" بالعبرية، فصار رمزاً للكمال الإنساني وبالذات من ناحية القوة، وصارت الكلمة من بعده تعني "المطرقة"، وهو ما تبني عليه الصهيونية اليوم صورة الجندي القوي المبادر والمتمكن من أعدائه، وهو سبب تسمية الفرق الرياضية بهذا الاسم أيضاً.

ويفتتح هذا الحدث، دخول يهودا المكابي إلى القدس، الفترة التي تسميها الروايات اليهودية المعاصرة بـ"الفترة الحشمونية" والتي استمرت من 164 قبل الميلاد حتى إخماد التمرد اليهودي الأخير عام 135 ميلادي وطرد اليهود من القدس ومن سائر فلسطين على يد الإمبراطور الروماني هادريان. وتزعم تلك الروايات أن اليهود في إحدى حركات تمردهم ضد الرومان احتموا بقلعة "المسادا" الواقعة إلى الغرب من البحر الميت، وأنهم بعد حصار طويل فضلوا الانتحار الجماعي لنحو ألف من المقاتلين والنساء والأطفال على الاستسلام للجيش الروماني، وغدت تلك أسطورة مؤسسة للروح القتالية للحركة الصهيونية بعنوان أن "المسادا لن تسقط من جديد"، رغم أن هذه الأسطورة محل شكّ تاريخي كبير لناحية صحة أحداثها، وهي تناقض توجيهات الجيش الصهيوني لجنوده عند الوقوع في الأسر كما شهدت التجربة العملية من حرب 1973 وحتى طوفان الأقصى 2023.  

اليوم تنبع الأهمية المعاصرة لهذا العيد المستجد على اليهودية بعد نشأتها بنحو 11 قرنٍ من الزمن –وفق السرد التوراتي- من ثلاثة أسباب نشأت بشكلٍ متتابع عبر التاريخ:

أولاً: تزامن هذا العيد مع عيد الميلاد المسيحي وفق تأريخ الطوائف الغربية، ما جعله عيداً يهودياً متوافقاً مع توقيت موسم الأعياد المركزي في أوروبا والولايات المتحدة حيث عاش معظم يهود العالم حتى بداية القرن العشرين، بينما تشكل إنارة الشمعدان طقساً مقارباً لتزيين وإنارة شجرة عيد الميلاد، فكان مناسبة لمحاولة الأقلية اليهودية التقرب الثقافي من الأكثرية المسيحية.
ثانياً: الأهمية التي أولَتها الصهيونية لتجربة العهد الحشموني، وليهودا المكابي وشخصيته ومقاتليه، ولأسطورة المسادا والقلاع الأخرى، وما تضيفه من أساطير وظفتها لبناء العقيدة العسكرية الصهيونية.

ثالثاً: إمكانية ربط هذا العيد بأسطورة الهيكل، وبأنه مناسبة سبق فيها "استعادة الهيكل"، وأنها تؤسس لـ"استعادته من جديد" بإزالة المسجد الأقصى من الوجود، وهي الأهمية المستجدة التي تعمل منظمات الهيكل والصهيونية الدينية على تأسيسها.

العدوان المرتقب على المسجد الأقصى خلال هذا العيد: 

اليوم وإذ تحاول الصهيونية الدينية وفي القلب منها منظمات الهيكل المتطرفة توظيف هذا العيد ضد الأقصى فإنها باتت تختصه بالأشكال الآتية من العدوان: 

أولاً: محاولة تحويله إلى محطة لفرض "السيادة الصهيونية" الكاملة على المسجد الأقصى، والمطالبة بطرد الأوقاف الأردنية منه وإنهاء سلطتها باعتبارها من تجسد "الاحتلال الإسلامي للهيكل" وفق زعمهم، وقد نظمت في 2022 مسيرة للمطالبة بذلك تحت اسم "مسيرة المكابيين" وجددت محاولة تنظيمها في 2024 وجددت الدعوة لها هذا العام. ورغم عدم نجاحها في تنظيم مسيرة مؤثرة تحت هذا العنوان إلا أنها تطمح لإدخاله إلى حيز النقاش العام وتطويره كمطلب أملاً في تحقيقه، كما فعلت مع فرض الطقوس التوراتية في الأقصى حتى نجحت في فرضها.

ثانياً: محاولة إشعال الشمعدان داخل المسجد الأقصى. ونظراً لكون احتفالات هذا العيد ليلية، فإنها تقع خارج أوقات الاقتحام التي فرضتها شرطة الاحتلال ما بين 7:00-11:30 صباحاً ثم ما بين 1:30-3:00 بعد الظهر، وتستعيض جماعات الهيكل عن ذلك بإنارة رمزية للشموع داخل الأقصى نهاراً، وهو ما سبق أن حصل في 2021 ثم في 2023 و2024.

ثالثاً: تحويل أبواب المسجد الأقصى ومحيطها، وبالذات ساحة الغزالي أمام باب الأسباط وسوق القطانين أمام باب القطانين، إلى مساحات احتفالٍ صاخبة للمستوطنين اليهود ليلاً وإشعال الشمعدانات ووضعها ملاصقة لأبواب الأقصى، وممارسة الطقوس كاملة على أبواب المسجد الأقصى أملاً في إدخالها إلى ساحاته، وهو المسار الذي فرض بالفعل حيث بادرت محاكم الاحتلال للسماح بأداء الطقوس التوراتية على أبواب الأقصى بالتزامن مع هذا العيد في شهر 12-2017، ثم تطور الأمر للسماح بالصلوات الصامتة في 2021 ثم بالصلوات العلنية في 2023.

رابعاً: تصعيد أعداد المقتحمين للمسجد الأقصى  على مدى أيام هذا العيد، ففي 2022 وصل عدد المقتحمين إلى 1,681 بمتوسط 280 مقتحم لكل يوم اقتحام، لكنه في 2024 وصل إلى 2,567 بمتوسط 428 مقتحم يومياً، وهي تطمح إلى مواصلة مسيرة تصعيد أعداد المقتحمين خلاله.

ختاماً، يفرض هذا الخط المتصل من تصعيد التهويد في المسجد الأقصى المبارك تحدياً فلسطينياً لاستئناف مسيرة الدفاع عنه بعد طوفان الأقصى ورغم حرب الإبادة؛ كما يفرض تحدياً عربياً وإسلامياً أكبر للانخراط الفعلي في معركة المسجد الأقصى، وعدم الاكتفاء بالفرجة أو بالوقوف في الخط الثاني خلف الشعب الفلسطيني في أحسن الأحوال.