ذهبتُ للمنتدى العربي للإعلام الإجتماعي والرقمي الذي يقام بنسخته الرابعة في فلسطين، وكلي أملٌ أن أعرف أكثر عن مجال عملي، أن أتعرف على مبادرات جديدة ورائدة في فلسطين والخارج. كلّ ذلك وسط تحديات اقامة المؤتمر في فلسطين والسؤال حول إمكانية دخول شخصيات عربية للمشاركة فيه، الأمر الذي دعى مالك ششتاوي مؤسس المنتدى لوصفها بالفكرة المجنونة.
ذهبتُ للمؤتمر ولدي بعض انطباعات عنه. قال لي صديق في محادثة إلكترونية: "لا تذهبي ستندمين هذا المؤتمر تسويقي بامتياز، وسيتحدثون غالباً عن الاستخدام التجاري للإنترنت وعالم الاعلام الاجتماعي". ولكنني لم أستمع لنصيحته وذهبت!
يذكر أن سعر التذكرة الأصلي كان بحدود 250 دولاراً لغير الطلاب، ونحو 150 دولار للطالب. ثمّ خُفِضَ بفضل رعاية جوال للمنتدى إلى 50 دولاراً لغير الطلاب و35 للطلاب. بالمناسبة أسعار التذاكر في المنتديات السابقة بالاردن والسعودية كان أعلى من هذا بكثير، ففي السعودية كان للطلاب 250 دولاراً، و650 لغير الطلاب.
المفهوم إذن أن المنتدى ربحي بامتياز. معلومة صغيرة لمن لا يعرف، فإن معظم العاملين في مجال الإعلام الاجتماعي لا يملكون رفاهية أن يدفعوا مبلغاً كهذا من أجل مندى. إذن هو مؤتمر نخبوي، يفسح المجال لبرجوازي العالم الافتراضي ويعزل النشطاء العاديين من عامة المتصفحين!
في النهاية لم أدفع 50$ للمشاركة، وحصلت على دعوة للمشاركة مجانياً. المهم دعوا هذا الكلام ولنتحدث قليلاً عن جوال ورعايتها الميمونة.
جوال وحضورها في كل زاوية!
وصف مدير إحدى الجلسات شركة جوال بأنها "الشريك الحقيقي الذي تعب معهم طوال الليل ليصل لنا المؤتمر بهذا الشكل". قلت في عقلي: "عفواً هل تقصد بهذه البهرجة؟! وكأنها حفلة دعائية لخدمات جوال؟!". الشريك الحقيقي يقدّرك، الشريك الحقيقي على الأقل يقوم بطباعة بعض الملصقات (بوسترات) وعليها شعار المنتدى ويعلقها في الصالة الأمامية للاستقبال أو حتى داخل القاعة، جنباً إلى ملصقات ودعايات جوال التي ملأت المكان.
راجعتُ بعضاً من صور المنتدى في المرات الثلاثة السابقة، كان الشركاء والرعاة يقدمون الكثير ولكن لا يفرضون نفسهم على الموضوع بهذه الفظاظة. يا أخي فليعلنوا ويظهروا جوال أما أن تمنح الشركة فرصتين للحديث عن منتوجاتها ونفسها، وتضع حوالي 15 بوستر ضخم في القاعة والباحة الأمامية.. كثير هذا والله كثير..! بالعامية " ولا مالو.. المال غلاب".
غزة .. وكأنها ليست جزءاً منا!
كانت غزة في المنتدى وجعاً منسياً. الكثير من الناشطين في وسائل الإعلام الاجتماعي هم من غزة، ولكنهم كانوا مغيبين بشدة ولم تمنح لهم منصة الحديث. الكثيرون منهم تابعوا بث المنتدى عبر الإنترنت شاعرين أنهم طرف مشاهد لا أكثر، وبدا لومهم وعتابهم في تعليقاتهم على الفيسبوك وتويتر .. أين غزة؟!
منتدى أم سلسلة خطابات نمطية؟!
بعد سلسلة طويلة من الخطابات التي لم تزد شيئاً بدأ المنتدى فعليا الساعة الثالثة عصراً، بعد أن كانت القاعة شبه خاوية. وقد سجل الناشط محمود حريبات، والذي تطوع للعمل في المنتدى مع فريقه لإخراج هذا الجهد بأفضل صورة ممكنة، سجل اعتراضه بعد محاضرة ثانية لجوال قائلاً بأعلى صوته: "رشا هناك نقطة نظام يجب أن نتوقف عندها قليلاً بصراحة لو قلتم لي أن هذا هو برنامج المؤتمر وهكذا سيكون كنت حضرت الساعة الثالثة بدل أن آتي من الحادية عشر صباحاً، هناك قضايا كثيرة يجب التعرض لها بدلا من الحديث النمطي الذي جاء ليتبعه تسويق لجوال".
كان حريبات يقصد عدا عن المحاضرات التسويقية لجوال مداخلات كل من وزيرة الاتصالات صفاء ناصر الدين، ووكيل وزارة الإعلام ومستشار الرئيس محمود عباس في الشؤون التقنية، وغيرهم من المتحدثين ممن استهلكوا ما يقارب 4 ساعات من برنامج المؤتمر. وقد وصف غالبية المغردين المتابعين للمنتدى حديث هؤلاء بالنمطي في شأن غير نمطي!
الحديث الأهم في وقت مقنن!
أما عن إيجابيات المؤتمر، فقد مُنِحنا الفرصة نحن الشباب وأخيراً ان نتحدث ونعرض تجاربنا. 5 تجارب شبابية مع الإعلام الإجتماعي، ولكل تجربة 10 دقائق فقد، فيما منحت جوال والمتحدثون من الحكومة ضعف الوقت. سلفيا جامبي من بريطانيا التي منعها الاحتلال من الدخول جاءت فقرتها متأخرة كثيراً رغم أنها عرضت قضايا هامة للإعلام الاجتماعي عبر الفيديو كونفرنس. رمزي جابر الشاب الفلسطيني اللاجئ عرض تجربة مثيرة للاهتمام عن أسلوب اعطاء معلومات عن الواقع الفلسطيني عبر البوسترات وتنظيم حملات لدعم القضية الفلسطينية لاقت صدى كبيراً، إضافة إلى تجربة الموقع الإجتماعي للأطفال "شبلول" وهو موقع ممتع بالمناسبة.
المزعج أن هذه التجارب التي يمكن للمرء الاستفادة منها أعطيت وقتاً مقنناً للغاية فيما اللاشيء أخذ وقتاً واسعاً. إضافة إلى غياب التنظيم وحصول بعض الارتباك في جدول المؤتمر، خاصة بعد قيام الإحتلال بمنع عدد من المتحدثين من دخول الضفة الغربية المحتلة، وهو ما تم تعويضه بالبث المباشر للمؤتمر عبر الانترنت.
بعد كل هذا الحديث إن كان سؤالكم هل أنا نادمة على الذهاب.. لا، لكني نادمة على الذهاب باكراً، وعندي شعور بالخسارة كون الداعين للمؤتمر لم يوزعوا ولو مطوية واحدة تُعرف بالمنتدى والمؤسسين له والمتحدثين فيه. كما أن المؤتمر قام بتوزيع جوائز الإعلام المجتمعي العربي في حفلة مغلقة للمدعوين فقط، ولم أعرف من هم الفائزون، خطوة أخرى أشعرتنا بـ"نخبوية" المؤتمر.