شبكة قدس الإخبارية

إعلام أميركي مضلل: لماذا صمتت المنصّات الكبرى عن صلات مجرم الجنس إبستين بالاستخبارات الإسرائيلية؟

elaosboa36591

متابعة قدس: تتواصل في الولايات المتحدة نقاشات حادة حول المعايير التي تحكم التغطية الإعلامية لقضايا حساسة تمسّ أجهزة الاستخبارات وشبكات النفوذ السياسي، لا سيما بعد تعاظم الانتقادات الموجّهة لوسائل الإعلام الغربية على خلفية تجاهلها شبه التام للوثائق المتداولة حول ارتباط جيفري إبستين بالاستخبارات الإسرائيلية. ويأتي هذا الجدل في وقت تتزايد فيه الاتهامات بأن الإعلام التقليدي بات مسيّسًا ومنحازًا، يميل لالتقاط ما يخدم الصراع الحزبي الداخلي ويهمل ملفات أعمق تأثيرًا وأكثر خطورة.

فخلال الأسابيع الستة الماضية، نشرت منصة Drop Site News أربعة تقارير مطوّلة مدعومة بعشرات الوثائق الرسمية، تُظهر — وفق ما قدمته — تعامل إبستين مباشرة مع جهات أمنية إسرائيلية. ورغم حساسية هذه المعلومات واتساع النقاش العام حولها في منصات مستقلة، فإنها لم تحظَ بأي صدى ملموس في وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، الأمر الذي أثار تساؤلات واسعة حول معايير اختيار القصص التي تستحق المتابعة، ومتى يتم تجاهلها عمدًا.

الصحفيان رايان غريم ومرتازا حسين لفتا في مقالات مشتركة إلى أن هذا التجاهل لا يبدو بريئًا؛ إذ تساءلا عن سبب انخراط الإعلام الأمريكي بحماسة في تغطية ارتباطات إبستين بالرئيس دونالد ترامب، مقابل صمته المطبق أمام وثائق تتناول علاقاته بجهات استخباراتية أجنبية. ويرى الكاتبان أن مثل هذه الملفات تكشف جانبًا معتمًا من علاقات القوة والتأثير في واشنطن، وأن تجاهلها يحرم الرأي العام من فهم الصورة الكاملة.

وتذهب الكاتبة كاتلين جونستون في نقدها إلى أبعد من ذلك؛ إذ تتهم الإعلام الغربي بالانشغال المفرط بصلات إبستين الداخلية — خصوصًا تلك المتعلقة بترامب — وتغييب ما تسميه “الانكشاف الأخطر”، أي شبكة علاقاته مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وترى أن معيار التغطية في الإعلام الأمريكي بات مرتهنًا للثنائية الحزبية بين الديمقراطيين والجمهوريين، بحيث تُضخّم القضايا التي تخدم هذا الانقسام، بينما يتم التعتيم على أي قضية لا تعزز السرديات الحزبية المتنافسة.

وتعتقد جونستون أن هذا النمط الإعلامي يعكس أولويات “الإمبراطورية الأمريكية”، على حد وصفها؛ إذ تُقدّم واشنطن وتل أبيب في الإعلام السائد بوصفهما شريكين طبيعيين، فيما تُحجب أي معلومات قد تُربك هذا التصوّر، سواء تعلّقت بالتعاون الأمني أو بالعمليات العسكرية الأمريكية المستمرة في أفريقيا، مثل الصومال وكينيا. وبحسبها، فإن الجمهور الأميركي يُصدم في كل مرة تظهر فيها وثائق تذكّره بأن تلك الحروب لم تتوقف، بل تتواصل بلا مساءلة أو رقابة.

وترى الكاتبة أن ممارسات “الإمبراطورية” — من الحروب إلى سياسات التوسع الاستعماري، مرورًا بعسكرة الشرطة واتساع الرقابة والدعاية — تنتقل بسلاسة من إدارة إلى أخرى دون تغيير جوهري، في حين ينشغل الإعلام بتفصيلات حزبية داخلية تُقدَّم على أنها صلب السياسة الأميركية.

وتخلص جونستون إلى أن نشر معلومات إضافية حول علاقة ترامب بإبستين يثير ضجة إعلامية لحظية سرعان ما تتلاشى، بينما قد يؤثر كشف الروابط العميقة بين إبستين وإسرائيل على المزاج العام في الولايات المتحدة ويفتح نقاشًا غير مرغوب فيه داخل مراكز النفوذ السياسي والإعلامي. ولهذا، كما تقول، تُفضّل “أجهزة الدعاية التابعة للإمبراطورية” إبقاء هذا الملف في الظل.

وتعود خطورة الملف المتعلق بإبستين إلى طبيعة الاتهامات التي لاحقته منذ سنوات، والتي تتجاوز دائرة الجرائم الجنسية المعروفة إلى شبهات أوسع تتصل باستخدام شبكاته المالية والاجتماعية في مهام مرتبطة بالاستخبارات. فإلى جانب اتهامه بإدارة شبكة اتّجار بالقاصرات واستغلال نفوذه لاستقطاب قاصرات إلى جزيرته الخاصة، تشير الوثائق التي أعادت تسريبها منصات مستقلة إلى تورّطه في عمليات ابتزاز سياسي طاولت شخصيات نافذة في الولايات المتحدة وخارجها، عبر تسجيلات وعلاقات منظّمة يشتبه بأنها كانت تُستغل لجمع المعلومات أو التأثير في قرارات حساسة. كما تتضمن المستندات إشارات إلى أن إبستين شارك في تحويلات مالية غامضة ولقاءات مغلقة مع شخصيات أمنية إسرائيلية، ما يعزّز — بحسب تلك التحقيقات — فرضية أنه كان يؤدي دورًا يتجاوز إطار النشاط الإجرامي التقليدي ليقترب من عمليات يُحتمل أن تكون استخباراتية.