متابعة قدس: قدّمت السلطات النمساوية لائحة اتهام رسمية ضد اللواء السوري السابق خالد الحلبي بتهمة ارتكاب جرائم حرب وتعذيب ممنهج خلال عمله في أجهزة مخابرات النظام السوري في السنوات الأولى للثورة عام 2011. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الحلبي، البالغ من العمر 62 عامًا وينتمي للطائفة الدرزية، كان من أبرز ضباط المخابرات الذين أشرفوا على عمليات التعذيب في مدينة الرقة أثناء قمع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد، وقد فرّ من سوريا عام 2013، قبل أن يُعتقل في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد ملاحقة استمرت أكثر من عشر سنوات.
وبحسب التحقيقات النمساوية، فإن الحلبي كان عميلًا مزدوجًا للموساد الإسرائيلي أثناء خدمته في مخابرات الأسد، واستمر في تلقي دعم من المخابرات الإسرائيلية بعد فراره إلى أوروبا. وتشير لائحة الاتهام إلى أن جهاز الموساد، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات النمساوي (BVT)، ساعده على الانتقال إلى النمسا ومنحه صفة لاجئ، بل وتكفل بدفع إيجار شقته في فيينا. وتضيف الصحيفة أن اتفاق التغطية على نقله من فرنسا إلى النمسا جرى أثناء زيارة رئيس جهاز الاستخبارات النمساوي لإسرائيل عام 2015، في إطار تفاهم استخباري بين الجانبين.
وتوضح الوثائق أن الحلبي فرّ من سوريا في مارس/آذار 2013، عبر تركيا ثم الأردن وصولًا إلى باريس، حيث اعتبره الأوروبيون حينها منشقًا عن النظام. لكن لاحقًا بدأت الشكوك تحوم حول دوره الحقيقي في عمليات القمع، خاصة بعد ورود معلومات استخبارية جديدة ضده. وفي عام 2015، اختفى فجأة من باريس بمساعدة عملاء الموساد الذين نقلوه عبر الحدود إلى النمسا، حيث حصل على إقامة دائمة بصفة "طالب لجوء".
وبعد سنوات من الاختباء، تمكن ناشطون في منظمات حقوقية مثل "المجتمع المفتوح" ولجنة العدالة والمساءلة الدولية من تحديد مكانه بعد ظهوره في صورة على جسر في بودابست نُشرت على وسائل التواصل. وقد سلّمت هذه المنظمات نتائج تحقيقاتها للنيابة النمساوية عام 2016، ما أدى إلى فتح ملف جنائي واسع النطاق شمل أيضًا اتهام أربعة ضباط نمساويين ومسؤول هجرة ساعدوا الحلبي في الحصول على أوراقه. وفي عام 2023، أُحيل المتهمون إلى المحكمة، لكن أربعة منهم بُرّئوا لعدم كفاية الأدلة، بينما لم يحضر الخامس بسبب حالته الصحية، وظهر الحلبي آنذاك كشاهد في القضية، إلا أنه بات الآن المتهم الرئيس فيها.
ويُعد الحلبي أول مسؤول سوري يُحاكم في النمسا بتهم تتعلق بجرائم الحرب، بعد محاكمات مشابهة أجرتها ألمانيا والسويد لضباط سابقين في أجهزة الأسد. وينحدر الحلبي من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وبدأ خدمته في المخابرات عام 2001، قبل أن يُعيَّن في 2008 رئيسًا لفرع الأمن 335 في مدينة الرقة، حيث تولى الإشراف المباشر على قمع المظاهرات واعتقال الناشطين منذ اندلاع الثورة عام 2011.
روى عدد من الضحايا لـنيويورك تايمز تفاصيل التعذيب الذي مارسه عناصر فرعه الأمني، مشيرين إلى أن المخابرات كانت تلاحق منظمي التظاهرات وتمنع تسريب أي صور للإعلام الدولي. ومع تصاعد الاحتجاجات، تحولت الحملة الأمنية إلى آلة قتل وتعذيب شديدة الوحشية، شملت القتل الميداني والصعق بالكهرباء. وتؤكد النيابة النمساوية أنها وثّقت 21 ضحية على الأقل خضعوا للتعذيب المباشر في مكاتب الحلبي. وقال الناشط عبد الله الشام، أحد الناجين من الرقة، إن اسم الحلبي كان يثير الرعب بين السكان: "كنا نرتجف حين نسمع اسمه في الشوارع".
وتحدث الطبيب عبادة الحمادة، أحد منظمي المظاهرات في الرقة، للصحيفة عن اعتقاله في فبراير 2012، مشيرًا إلى أنه عُذّب في مكتب الحلبي نفسه رغم أنه لم يره مباشرة، وقال: "رأيت لافتة تحمل اسمه على مكتبه، وكان الضابط الذي عذبني اسمه مصعب أبو ركبة." وأضاف أنه تعرّض خلال التحقيق للضرب بالعصي والأسلاك بعد أن جُرّد من ملابسه، وطُلب منه الإفصاح عن أسماء نشطاء آخرين. واستمر التحقيق معه 28 يومًا متواصلة. وأكد الحمادة أنه مستعد للشهادة مجددًا أمام القضاء النمساوي: "يقول الحلبي إنه لا علاقة له بما حدث. لكن لماذا كنا في مكتبه إذن؟".



