ترجمة عبرية - شبكة قُدس: قالت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، إنه في 7 أكتوبر انهارت ثلاث من الركائز الأساسية التي قامت عليها "إسرائيل"، وهي الردع والإنذار والحسم السريع.
ونقلت عن مراقب "الدولة" متنياهو إنغلِمان، قراره أنه رغم التحذيرات منذ عام 2008 فصاعدًا، إلا أن قدرة توجيه جيش الاحتلال الإسرائيلي على المدى الطويل والإشراف عليه تعاني من نقص حادّ إلى درجة الغياب التام، بما يشمل عدم لا وجود تعريفات واضحة للمصالح القومية، ولا يوجد تنسيق بين أجهزة أمن الاحتلال، ولا تحديد لأولويات التعامل مع التهديدات، والنتيجة كانت كل جهاز فسّر الواقع على طريقته.
ويشير مراقب الدولة إلى فشل مستمر منذ سنوات طويلة، إذ لم يقم المستوى السياسي بتنفيذ مسؤوليته في التأكد من أن "إسرائيل" مستعدة لتحديات الأمن المتغيّرة على أساس مفهوم منظّم ومحدّث ومُصادق عليه رسميًا للأمن القومي.
وذكرت الصحيفة، أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي بادر عامي 2017 و2018 إلى بلورة مفهوم للأمن القومي وعمل على ترسيخه، لم يُنهِ ما بدأه، ولم يقدّمه للمصادقة أو لقرار مُلزِم، ونتيجة لذلك "لم ينفذ مسؤوليته في هذا الشأن، وظلّ مفهومه بلا إمكانية حقيقية للتطبيق وبلا صلاحية ملزمة".
وبالإضافة إلى انتقاده لنتنياهو، أشار أيضًا إلى أن رؤساء مجلس الأمن القومي الذين شغلوا المنصب منذ عام 2008 – وهو العام الذي سُنّ فيه قانون المجلس – لم يقدّموا للكابينيت مفهومًا محدّثًا للأمن القومي لبحثه واتخاذ قرار بشأنه، "وبذلك لم ينفّذ المجلس دوره في هذا الشأن".
وحتى اليوم، لا تمتلك "إسرائيل" مفهومًا رسميًا ومُلزِمًا للأمن القومي، وعلى مرّ السنين، ترسّخ مفهوم دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للاحتلال، كـ"عقيدة غير مكتوبة"، تُعرف باسم "مثلث الأمن": الردع لمنع الحرب، الإنذار الاستخباري الكافي قبل اندلاعها، والحسم السريع في هجوم ساحق لإنهائها بسرعة.
وفي مقدمة تقرير لجنة "فينوغراد" التي فحصت حرب لبنان عام 2006، ورد أن أحد الإخفاقات الرئيسية لـ"إسرائيل" هو "عدم استعدادها لتحديث مفهومها السياسي–الأمني بما يعكس بدقة قوتها الكاملة وحدودها".
بعد ذلك، طرح مجلس الأمن القومي مبادرة لصياغة مفهوم أمن قومي جديد، لكنها لم تُعرض للمصادقة، كما لم تُطرح مبادرة اللواء احتياط يائير غولان.
وفي عامي 2017 و2018، أعدّ نتنياهو وثيقة بعنوان "مفهوم الأمن القومي 2030"، عكست رؤيته للتهديدات المتوقعة في العقد المقبل، والمبادئ التي يجب أن يُفعّل جيش الاحتلال بناءً عليها قوّته، وبناء القوة المطلوب لتحقيق ذلك، وكذلك رؤيته بضرورة زيادة الإنفاق الأمني بعد سنوات من تراجعه كنسبة من الناتج المحلي.
وترتكز رؤية نتنياهو على أربعة عناصر قوة أساسية تقوم عليها "إسرائيل" والتي لم تمنح أي صلاحيات رسمية؛ القوة العسكرية – الردع، والإنذار المبكر، وقدرات الدفاع والهجوم، والقوة الاقتصادية، والقوة السياسية – تحالفات قوية وحرية عمل لجيش الاحتلال، والقوة الاجتماعية – رأس المال البشري وصلابة الجمهور.
وفي ردّ مكتب رئيس الوزراء على نتائج المراجعة في آذار/ مارس 2025، جاء أن مفهوم الأمن القومي الذي عرضه نتنياهو عام 2018 لم يُعتمد رسميًا بقرار حكومي، كما أنه "منذ قيام الدولة لم يُتخذ قرار رسمي في هذا الشأن"، ولا يوجد قانون يُلزم رئيس وزراء الاحتلال بإعداد مفهوم أمني وإقراره، وأن إعداد مثل هذا المفهوم يتضمّن بالضرورة جوانب سياسية واقتصادية ثقيلة، مما يجعل من الصعب على الوزراء التصويت لصالحه رغم موافقتهم المبدئية.
كما أشار المكتب إلى أن الادعاء بأن "إسرائيل" تعمل بلا مفهوم رسمي للأمن القومي غير دقيق، لأن نتنياهو "بلور هذا المفهوم وقدّمه للكابينيت ولجهات أمنية أخرى بين عامي 2019 و2021"، وأن مجلس الأمن القومي وجّه أجهزة الأمن بناءً عليه لاتخاذ قرارات مهمة.
لكن مراقب دولة الاحتلال شدّد على أن غياب وثيقة رسمية ملزمة للأمن القومي يضعف قدرة المستوى السياسي على توجيه الجيش ومراقبته استراتيجيًا. وفي غيابها، يجد الجيش نفسه مضطرًا إلى وضع خططه وبناء قوته استنادًا إلى تقديراته الذاتية للواقع.
وضرب إنغلِمان مثالًا بأن الجيش منذ سنوات يُغيّر في حجم قوة الدبابات دون توجيه استراتيجي من المستوى السياسي؛ ففي عام 2020، قرّر رئيس أركان الاحتلال آنذاك أفيف كوخافي، تعديل هيكل سلاح المدرعات دون أن يعرض وزير الحرب وقتها نفتالي بينيت الخطة على الكابينيت، خلافًا لما تم الاتفاق عليه مع نتنياهو.
ويقول إنغلِمان إن جيش الاحتلال والموساد والشاباك، أبلغوا لجنة المراجعة بأن هناك حاجة ملحّة لاعتماد مفهوم رسمي ومنهجي للأمن القومي، يتم تحديثه دوريًا، ويوجه جميع الأجهزة الأمنية لدى الاحتلال ويوحّد لغتها واستراتيجياتها.
وذكر الموقع، أن فريق المراقب التقى بعدد من المسؤولين السابقين، من بينهم بينيت، غانتس، آيزنكوت، ورؤساء مجلس الأمن القومي السابقين يعقوب عاميدرور، يوسي كوهين، وإيال حولتا، وأجمعوا على أن غياب المفهوم الأمني الرسمي هو نتيجة رفض السياسيين تحمّل المسؤولية واتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالأولويات الوطنية، كما وُجّهت انتقادات لمجلس الأمن القومي ذاته، لأنه لم ينفّذ دوره في إعداد المفهوم رغم أن القانون يُلزمه بذلك.
وخلال الأعوام 2011–2023، عمل المجلس على الموضوع عدة مرات وساعد نتنياهو في تحديث وثيقة "2030"، لكنه لم يقدّم أي مسوّدة نهائية للكابينيت، ونتيجة لذلك، صاغ جيش الاحتلال خططه بعزلة عن أي رؤية "وطنية" رسمية، فبعد انتهاء "خطة جدعون" 2016–2020، قدّم كوخافي خطة جديدة باسم "تَنوفاه" دون مصادقة سياسية، رغم أنها تضمّنت تغييرات تنظيمية كبيرة مثل تقليص عدد الدبابات.
كما ذكر وزير جيش الاحتلال السابق أفيغدور ليبرمان أن تعدد الوزراء منذ 2016 حيث تعاقب ستة وزراء للجيش، جعل من المستحيل تثبيت سياسة ثابتة، وأضاف أن السياسيين يركّزون أولًا على الناخبين لا على الأمن.
أما آيزنكوت فقال إن "غياب المفهوم الأمني خلل مستمر، والمستوى السياسي يتهرّب من المسؤولية"، مضيفًا أن "غياب الاستراتيجية يسمح له بالتنصل من التفكير والمساءلة".
وعن هجوم المقاومة الفلسطينية من غزة في 7 أكتوبر 2023 فجسّد انهيار الردع والإنذار والدفاع، وهي ثلاثة من أعمدة العقيدة الأمنية غير الرسمية التي استندت إليها "إسرائيل"، كما يُورد التقرير تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين كانوا على قناعة بأن "حماس مردوعة".
في 21 أيار/ مايو 2021، بعد انتهاء عملية "حارس الأسوار"، قال نتنياهو إن الهدف كان "توجيه ضربة قاسية للتنظيمات المقاومة وضمان الردع وإعادة الهدوء"، وأضاف: "وهذا ما فعلناه تمامًا".
وفي 22 حزيران/ يونيو 2022، كتب بينيت في ختام فترة استلامه منصبه: "أُسلّم الجنوب هادئًا ومزدهرًا، حماس مردوعة... غيّرنا الواقع من الحرائق والمقاومة إلى الهدوء".
كما قال رئيس وزراء الاحتلال السابق يائير لابيد في 8 آب/ أغسطس 2022 بعد انتهاء عملية "الفجر الصاعد": "أعدنا المبادرة لإسرائيل، وأعدنا الردع، وحققنا جميع الأهداف". لكن مراقب الدولة يذكر أنه رغم هذه التصريحات، أثبتت الوقائع في 7 أكتوبر العكس تمامًا. ويختم التقرير بأن انهيار "المثلث الأمني" في ذلك اليوم كشف الفشل الجوهري في غياب رؤية أمن قومي رسمية، وفي ضعف التنسيق بين القيادة السياسية والعسكرية، ما جعل كل جهاز يعمل بمعزل عن الآخر ويفسّر الواقع بطريقته الخاصة.



