ترجمات عبرية - خاص قدس الإخبارية: قال المحلل السياسي الإسرائيلي بن كسبيت إن رواية بنيامين نتنياهو عن طفولته مع “أوري صفنيا” تصلح لفهم سلوكه اليوم: طفلٌ يتعرّض للتنمّر لا يواجه بيده، بل يستدعي الأخ الأكبر “يوني” ليحلّ المشكلة، ثم يروي لاحقًا “أنا ويوني أنهينا القصة”.
في القياس على حرب غزة، يقول كسبيت، لم ينجح نتنياهو في إنهائها بقراره، وكان يعلم أن الحرب استُنفدت منذ زمن وأن كل يوم إضافي يكلّف دمًا ومالًا ومكانة دولية، لكنه خشي من انهيار ائتلافه تحت ضغط بن غفير وسموتريتش وقاعدته اليمينية. من قطع العقدة الغزّية ليس “رئيس حكومة الاحتلال” بل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ وهكذا تحوّل شعار نتنياهو من “أنا ويوني” إلى “أنا وترامب حققنا الانتصار الكامل” فيما الحقيقة على الأرض أبعد ما تكون عن “نصرٍ حاسم”.
يكتب كسبيت أنّ حماس تسيطر ميدانيًا على مناطق يسكنها نحو 85% من أهالي القطاع، وأن آلاف المقاتلين انتشروا في المحافظات، ينفّذون إعدامات علنية ويستخدمون آليات هندسية ثقيلة، فيما سيطرت الحركة على عشرات المركبات وكميات كبيرة من السلاح والذخيرة التي موّلتها “إسرائيل” للعصابات كي تتحدى حماس.
بدل “اليوم التالي” الذي طالبت به المؤسسة الأمنية والصحافة مرارًا — أي بناء بديلٍ إداري وأمني — فضّل نتنياهو إنكار ذكر “السلطة” حتى تلميحًا، وحلمت أوساطه بمشاهد خيالية من نوع “مشروع ريفييرا” وعودة مستوطنات “غوش قطيف” وحكم عسكري دائم. النتيجة — كما يسخر كسبيت — “كلام فارغ”: سلّحوا العصابات على حساب دافع الضرائب ثم تركوها تُسحَق، تمامًا كخُطط سابقة فاشلة مثل “جيش لبنان الجنوبي” و”روابط القرى”.
ويضيف أن ممرّ فيلادلفيا ومعبر رفح سيخضعان عمليًا لقوات تابعة ومقرّبة من الرئيس محمود عباس؛ وأن “حكومة تكنوقراط” لإدارة غزة يجري تركيبها برعاية حسين الشيخ. فوق ذلك، وافق نتنياهو — بخلاف عقودٍ من الرفض الإسرائيلي لـ”تدويل الأمن” — على مسارٍ يُدخل رعاة حماس الإقليميين إلى إدارة المشهد: دور تركي مباشر، وتمويل قطري، ومظلّة دولية. أنصار نتنياهو يروّجون لفكرة أنه “إذا نكثت حماس بنود الاتفاق نعود للحرب فورًا”، لكن كسبيت يذكّر بأن هذا بالضبط ما كانت المعارضة المدنية تطالب به منذ عام: أولًا إنقاذ الأسرى/المختطفين، ثم العودة للضغط إذا خالفت حماس، بدل مطاردة وهم “الانتصار المطلق”.
يفنّد كسبيت ادعاء نتنياهو أنه “وحده” أصرّ على إعادة الأسرى وأن الجميع قالوا له إن ذلك مستحيل؛ فهدف إعادة الأسرى لم يكن ضمن “أهداف الحرب” التي صاغها نتنياهو يوم 7 أكتوبر، بل أُضيف يوم 16 أكتوبر بإصرار غادي آيزنكوت. أمّا سجِلّ إفشال صفقات جزئية فطويل، وغالبًا ما تباهى بن غفير، وأحيانًا سموتريتش، بأنهما مَن أوقفها. ومع ذلك أخبر نتنياهو الناجي من الأسر أفينطان أور مؤخرًا أنه كان “يرفض التقطيع إلى شرائح” ويريد صفقة واحدة شاملة — بينما سلوكه لعامين كان العكس. وعندما وافقت حماس أخيرًا على “جزئية”، انقلب نتنياهو ليطالب بـ”شاملة”، ثم قصف وفد قيادة حماس الذي ناقش المقترح في الدوحة، وهو ما دفع ترامب — بحسب كسبيت — لفقدان الصبر.
ويمتد نقد كسبيت إلى ما يسميه “الطائفة البيبيّة” داخل اليمين: عامان من شعارات “لا وقف إطلاق إلا بعد استسلام آخر مقاتل”، “لا قوّة دولية”، “نزع سلاح كامل” — ثم انقلابٌ كامل الخطاب بين ليلة وضحاها لتسويق “اتفاق تاريخي”. في المقابل يواصل نتنياهو، كما يرى الكاتب، حملة شيطنة ضد قيادات الأمن والجيش والسلطة القضائية، ويسعى لالتفافٍ على محاكمته حتى حدّ إدخال رئيسٍ أجنبي في نقاش “عفوٍ” محتمل، وهو سلوك يصفه كسبيت بأنه “حرب استنزاف ضد دولة إسرائيل نفسها” لتأمين خروجه القضائي والسياسي.
يرى كسبيت أن “الفضل” في عودة 20 أسيرًا أحياء لا يعود لنتنياهو ولا لائتلافه، بل لعائلات الأسرى والحراك الشعبي الواسع الذي حرّك البيت الأبيض ودوائر ترامب — رجال أعمالٍ نافذين ومستشارين سابقين — لفرض مسارٍ ينهي الحرب ويعيد الأسرى. هذه اللحظة الإنسانية المؤثرة لا تُلغي الحقائق: 42 أسيرًا قُتلوا أو ماتوا في الأسر، والدولة — بقيادة نتنياهو — قصّرت وأخفقت وتركت عائلات بألمٍ مفتوح. لذلك، كما يخلص، لا يملك نتنياهو حق المطالبة بـ”الشكر”، وهو الذي بنى سنواتٍ من “إدارة الأزمة” على تغذية حماس بالمال القطري وسياسات “الاحتواء”.
أخيرًا، يحذّر كسبيت من أن “ترامبيكو” — النسخة الترامبية لإعادة رسم خرائط الإقليم — يُدخل تركيا كلاعبٍ عسكري من الشمال إلى سوريا ومن الجنوب إلى غزة، ويمنح قطر مفاتيح التمويل، ويعيد “السلطة” إلى الواجهة، فيما تُوقَّع اتفاقات كبرى في شرم من دون حضور “إسرائيل” الفعلي كلاعبٍ مقرِّر. قد تكون الحرب انتهت كما أعلن ترامب، وقد تعود إذا تصادمت الأوهام الجديدة مع الواقع.
لكن المؤكد عند كسبيت أن من أعاد الأسرى هو الجمهور الإسرائيلي، وأن الطريق ما تزال طويلة لاستعادة الجثامين وإغلاق الجراح، وأن ما جرى يكشف مرةً أخرى: كلما تعرّى الفرق بين العرض الدعائي والواقع، يميل نتنياهو إلى إشعال النار للهروب من الحساب — وهذه المرة، يؤكد الكاتب، يجب أن تنتهي اللعبة.