متابعة قدس الإخبارية: شكّل طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أكبر هزّة بنيوية في تاريخ المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية منذ حرب تشرين 1973. فالعملية لم تُسقط آلاف القتلى والجرحى وحسب، ولم تكشف فقط عجز المنظومات الأمنية والاستخبارية، بل فجّرت أيضاً أزمة قيادة غير مسبوقة. خلال عامين، اهتزّت مواقع كبار الضباط وقادة الأذرع الأمنية، وتحوّلت الاعترافات بالمسؤولية إلى سابقة في ثقافة عسكرية طالما قامت على التنصّل وتبادل الاتهامات.
سلسلة استقالات
-
هرتسي هليفي (رئيس الأركان): أعلن استقالته مطلع 2024، معترفاً علناً أن الجيش “فشل في أداء مهمته الأساسية: حماية المستوطنين”.
-
يارون فينكلمان (قائد المنطقة الجنوبية): استقال بعد أيام، في خطاب الاستقالة قال: “فشلت في الدفاع عن النقب الغربي ومستوطنيه. هذا الفشل سيبقى محفوراً في داخلي حتى آخر يوم في حياتي”. اعترافه المباشر عزز الانطباع بعمق الأزمة داخل القيادة الجنوبية، المسؤولة الأولى عن غزة.
-
أهارون حليفا (رئيس شعبة الاستخبارات – أمان): كان أول مسؤول كبير يعترف منذ الأيام الأولى بالمسؤولية عن الفشل الاستخباري. في رسالته عند الاستقالة كتب: “لم نقدم التحذير المطلوب، وأخفقنا في المهمة الأساسية”. حمل معه لقب “الضابط الذي اعترف”، بعدما أكد أن الإنكار لم يعد ممكناً.
-
أبي روزنفلد (قائد فرقة غزة): دوّن في رسالة استقالته أن “مهمة حياتي كانت حماية الغلاف وفشلت بها”. رسالته عبّرت عن حجم الصدمة لدى ضباط ميدانيين واجهوا انهيار الخطوط الأولى أمام مقاتلي المقاومة.
-
عوديد باسيوك (رئيس شعبة العمليات): استقال في آذار/مارس 2025 بعد ضغوط متصاعدة، إذ اعتُبر مسؤولاً عن إدارة عمليات الجيش يوم الهجوم، رغم أن التحقيقات لم تشر إلى إهمال مباشر.
هذه السلسلة من الاستقالات نُظر إليها في الداخل الإسرائيلي كدليل على أن المؤسسة العسكرية لم تعد قادرة على حماية صورة “الجيش الذي لا يُهزم”.
الإقالات بقرار سياسي
-
يوآف غالانت (وزير الحرب): أقيل للمرة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بعد أزمة ثقة مع نتنياهو. كان غالانت قد ظهر في الأيام الأولى كرمز للتماسك، لكنه انتهى كبش فداء لصراع داخلي على إدارة الحرب.
-
رونين بار (رئيس الشاباك): تمت إقالته في آذار/مارس 2025 على خلفية صدام مع نتنياهو، وفي ظل اتهامات له بالفشل في تقديم إنذارات مبكرة.
إقالة قادة الأجهزة الأمنية على يد نتنياهو أثارت جدلاً حول استخدامه سياسة “التضحية بالآخرين” لحماية موقعه، في الوقت الذي يرفض فيه الاعتراف بمسؤوليته المباشرة.
أصوات غاضبة ومواقف متناقضة
-
نمرود ألوني (قائد فرقة غزة سابقاً، وقائد قيادة العمق لاحقاً): ترك الخدمة بتصريح هجومي ضد الجيش، قائلاً: “أغادر جيشاً دُنس فيه مفهوم المسؤولية، وفقد شجاعته لعرض إخفاقاته بصدق”. خطابه فسّر كإدانة للثقافة العسكرية التي حاولت دفن الحقائق بدلاً من مواجهتها.
-
أمير برعام (نائب رئيس الأركان وقت الهجوم): استقال بداية 2024 مدعياً أن “مساهمته محدودة”، لكنه سرعان ما عاد عبر تعيينه مديراً عاماً لوزارة الأمن. هذا التناقض أثار انتقادات واسعة بأنه تهرّب من المسؤولية ليعود من بوابة سياسية.
من تمسّك بالمناصب، فرغم العاصفة، ما يزال بعض المسؤولين في مواقعهم:
-
بنيامين نتنياهو يرفض التنحي أو الاعتراف بمسؤوليته، مكتفياً بالقول إن “الامتحان اليومي أمام الرأي العام هو الحكم”. هذه المراوغة السياسية جعلته محور الانتقادات في الإعلام والمعارضة.
-
تساحي هنغبي (رئيس مجلس الأمن القومي): بقي في منصبه رغم أن المجلس أُنشئ أصلاً بعد حرب 1973 لتفادي فشل مشابه. استمرار هنغبي عُدّ رمزاً لإنكار المسؤولية داخل الحلقة الأمنية–السياسية.
-
تومر بار (قائد سلاح الجو): فضّل إكمال ولايته حتى النهاية، رغم الضغوط للمغادرة، ليبقى أحد آخر أعضاء “منتدى هيئة الأركان” في منصبه منذ ما قبل 7 أكتوبر.
أزمة قيادة لا سابقة لها
يكشف هذا المشهد أن طوفان الأقصى لم يكن مجرد عملية عسكرية مباغتة، بل أزمة قيادة لدى الاحتلال. الاعترافات العلنية من قادة الجيش وضباط الاستخبارات تقوّض صورة المؤسسة التي طالما قدّمت نفسها كـ”الحصن الأخير”.
أما بقاء نتنياهو وهنغبي وغيرهما، فيعكس مأزقاً سياسياً حيث تُحمى المواقع القيادية لأسباب تتعلق بالشرعية السياسية أكثر من الأمن القومي. وهنا يتضح أن الاحتلال لا يعيش أزمة عسكرية فقط، بل أزمة ثقة متصاعدة بين القيادة والجمهور، تهدد بنيته الداخلية على المدى الطويل.