شبكة قدس الإخبارية

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يحذر من تداعيات انهيار السلطة على "إسرائيل" 

WhatsApp-Image-2025-04-27-at-14.01.01-e1745753788392

ترجمة خاصة - شبكة قُدس: في مقالة تحليلية نشرها الباحث يوحنان تسوريف، الخبير البارز في معهد دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي" والمستشار السابق في جيش الاحتلال، حذّر من أن الدعوات المتصاعدة داخل أوساط اليمين "الإسرائيلي" لإسقاط السلطة الفلسطينية تنطوي على مخاطر استراتيجية وسياسية وأمنية قد تُدخل "إسرائيل" في عزلة دولية غير مسبوقة وتضعف موقعها في المنطقة. ويؤكد تسوريف أن مثل هذه الخطوة لن تعزز الأمن كما يروّج أصحابها، بل ستؤدي إلى نتائج عكسية عبر تقوية حركة حماس ومحور المقاومة، ودفع المجتمع الدولي إلى تسريع الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

يرى تسوريف أن انهيار السلطة الفلسطينية يعني عمليًا إلغاء اتفاق أوسلو وما تبعه من ترتيبات، وهو ما سيعيد الصراع الفلسطيني–"الإسرائيلي" إلى نقطة الصفر. ويذكّر أن مسار الاعتراف العربي والدولي بـ"إسرائيل" بدأ منذ زيارة السادات عام 1977، مرورًا باعتراف منظمة التحرير بحل الدولتين عام 1988، وتُوج باتفاق أوسلو 1993، وصولًا إلى اتفاقية السلام مع الأردن و"اتفاقيات أبراهام". انهيار السلطة، وفق تحليله، سيضع هذه المكتسبات في مهب الريح، ويؤدي إلى تصوير "إسرائيل" كدولة لا تحترم التزاماتها الدولية، ما يعزز اتهامها بممارسة الأبارتهايد.

يشرح الباحث أن السلطة الفلسطينية ترسخت في الوعي الفلسطيني، وحتى في نظر حركة حماس، كرمز وطني يستند إلى اعتراف دولي واسع. لذلك لا يُتوقع أن تنهار من تلقاء نفسها. لكن إذا أقدمت "إسرائيل" على إسقاطها بشكل أحادي، فإنها ستواجه جبهة فلسطينية موحدة تقف ضدها، وستدفع بذلك إلى إعادة الاعتبار لنهج المقاومة المسلحة على حساب المسار السياسي.

يوضح تسوريف أن التعاون الأمني بين السلطة و"إسرائيل" شكّل طوال العقدين الماضيين عامل استقرار مهم في الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن الرئيس محمود عباس كان يعتبر هذا التنسيق "مقدسًا" رغم الانتقادات الفلسطينية الداخلية. ويتساءل: هل فكّر دعاة إسقاط السلطة في مصير عشرات آلاف عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية؟ وكيف ستتعامل "إسرائيل" مع احتمالية أن يتحول هؤلاء إلى قوة مسلحة ضدها بدل أن يكونوا شركاء في ضبط الأوضاع؟ من وجهة نظره، أي انهيار للسلطة سيعني تحديات هائلة لحماية المستوطنات والطرق والمعابر، إضافة إلى احتمالية تكرار سيناريو هجوم السابع من أكتوبر من الضفة الغربية.

ويشير الباحث إلى أن الأردن سيكون من أكثر المتضررين من انهيار السلطة نظرًا لوجود تيارات إسلامية نشطة داخل المملكة. غياب شريك فلسطيني رسمي سيؤدي إلى اهتزاز اتفاقية السلام مع عمّان، ويضعف التعاون الأمني الذي يعتبر حيويًا بالنسبة لـ"إسرائيل". كذلك ستجد الدول العربية التي سارت في مسار التطبيع، وخاصة الخليجية، نفسها مضطرة للتراجع تحت ضغط شعوبها والرأي العام الدولي، ما يعني عمليًا دفن مشروع "اتفاقيات أبراهام".

أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فيؤكد تسوريف أن انهيار السلطة سيفرض على "إسرائيل" عبئًا اقتصاديًا هائلًا، إذ ستصبح مسؤولة عن إدارة حياة ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، بما يشمل قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية والتشغيل. ويقدّر أن الكلفة المباشرة على ميزانية الدولة قد تصل إلى ثمانية مليارات شيكل سنويًا. ويضيف أن هذا العبء سيتزامن مع تفاقم التوترات الداخلية في "إسرائيل" نفسها، في ظل الانقسام السياسي والاجتماعي العميق، ما قد يضعف المناعة الوطنية والمجتمعية.

ويرى الباحث أن المستفيد الأول من انهيار السلطة سيكون حركة حماس التي ستتقدم كبديل وحيد وتؤكد أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. كذلك ستجد إيران وحلفاؤها فرصة لإعادة إحياء محور المقاومة بعد أن حاولت "إسرائيل" تقويضه خلال الحرب. وبهذا المعنى، فإن أي خطوة "إسرائيلية" لإضعاف السلطة ستكون هدية مجانية لمعارضيها الإقليميين.

كما يحذّر تسوريف من أن أي انهيار للسلطة سيدفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل أحادي، متجاوزًا "إسرائيل". هذا الاعتراف، برأيه، لن يكون نتيجة مفاوضات، بل رد فعل على سياسة "إسرائيلية" متشددة. وهكذا ستتحول "إسرائيل" من طرف يطرح نفسه كدولة تبحث عن السلام، إلى دولة تُعرّف عالميًا على أنها عقبة أمامه، ما يفتح الباب أمام عقوبات اقتصادية ومقاطعة سياسية وتجارية واسعة.

ويؤكد الباحث في ختام مقاله أن دعوات إسقاط السلطة الفلسطينية من قبل قوى اليمين "الإسرائيلي" ليست سوى مقامرة خطيرة قد تجرّ "إسرائيل" إلى أزمات عميقة على المستويات كافة: الأمنية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية. وبرأيه، فإن الخيار الأكثر عقلانية يكمن في الحفاظ على السلطة، حتى وإن كانت ضعيفة أو محدودة التأثير، باعتبارها حاجزًا يمنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة، وبوصفها طرفًا يتيح لـ"إسرائيل" هامش مناورة سياسي ودبلوماسي أمام العالم.