ترجمة خاصة - شبكة قدس: أصدر مراقب الدولة لدى الاحتلال تقريراً جديداً كشف فيه عن سلسلة من الإخفاقات العميقة في أداء الحكومة الإسرائيلية خلال حرب الإبادة، مسلطاً الضوء على الأزمات التي ضربت مدينة إيلات وقطاع الزراعة في الداخل.
التقرير يأتي بعد ثمانية أشهر من الحرب وبعد يوم واحد من خطاب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المسمى بـ”خطاب سبارطة”، الذي دعا فيه إلى التوجه نحو اقتصاد شبه مكتفٍ ذاتياً، لكنه أظهر في الوقت ذاته أن الحكومة لم تتمكن حتى الآن من معالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب.
التقرير أشار إلى أن أسعار الفواكه والخضار واصلت ارتفاعها خلال الربع الثالث من عام 2024 بمعدلات غير مسبوقة في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يعكس عجز الحكومة عن كبح تداعيات الحرب على الأمن الغذائي حتى بعد مرور عام على اندلاعها.
كما أوضح التقرير أن وزارة الزراعة لم تحدّث خططها للطوارئ منذ عام 2010، رغم التطورات الكبيرة التي طرأت على القطاع والتغيرات في حجم الإنتاج والاستهلاك، الأمر الذي جعلها تدخل الحرب ببرامج قديمة وغير ملائمة للواقع الحالي. هذا القصور ترافق مع نقص حاد في اليد العاملة الزراعية نتيجة منع دخول العمال الفلسطينيين وانسحاب آلاف العمال الأجانب مع بدء الحرب، إلى جانب استدعاء أعداد كبيرة من المزارعين الإسرائيليين للخدمة العسكرية. ورغم توقيع الحكومة اتفاقيات لجلب عمال من دول مختلفة مثل سريلانكا وملاوي والإكوادور، فإنها لم تحقق نتائج تذكر، إذ لم يتجاوز تنفيذ الاتفاق مع سريلانكا نسبة 14% من الحصة المقررة، فيما فشلت الاتفاقيات الأخرى بالكامل.
أما في إيلات، فقد كشف التقرير عن ضربة اقتصادية واسعة النطاق طالت المدينة التي تعد مركز السياحة الأول في جنوب فلسطين المحتلة. فمع اندلاع الحرب استوعبت إيلات العدد الأكبر من النازحين داخلياً، ما أدى إلى توقف شبه كامل للحركة السياحية التي تعتمد عليها اقتصادياً. نصف أصحاب الأعمال أفادوا بتراجع مداخيلهم بنسبة وصلت إلى 75%، فيما ارتفع عدد طالبي العمل بمعدل ثلاثة أضعاف ونصف مقارنة بعام 2023. كما سجلت معاملات بطاقات الائتمان انخفاضاً يتراوح بين 25% و45% خلال الأسابيع السبعة عشر الأولى من الحرب مقارنة بالمعدلات السنوية السابقة، وهو ما عكس حالة الركود العميق التي أصابت المدينة.
التقرير أضاف أن وزارة السياحة لم تضع خطة للطوارئ رغم التحذيرات السابقة، ولم تنفذ قرارات حكومية كان يفترض أن تضخ عشرات الملايين من الشواكل لإنقاذ القطاع. فميزانية قدرها 25 مليون شيقل لتطوير البنية التحتية السياحية تأخرت سبعة أشهر قبل أن تُقر، ما يعني أنها لن تُنفذ قبل نهاية 2025. كما لم تُخصص ميزانية مماثلة لتسويق الفعاليات السياحية الكبرى في 2024، فيما تجاهلت الوزارة طلبات متكررة من بلدية إيلات بشأن تمويل فعاليات سابقة، رغم أن الحكومة كانت قد صادقت على موازنات مخصصة لذلك.
إلى جانب الأزمات الاقتصادية، أظهر التقرير وجود ثغرات خطيرة في الخدمات الصحية بالمدينة. مستشفى “يوسفتال”، وهو المرفق الطبي المركزي في المنطقة، يعاني نقصاً كبيراً في الكوادر الطبية، ما يعيق عمله على مدار الساعة ويضعف قدرته على مواجهة حالات الطوارئ أو الكوارث واسعة النطاق. كما أن صعوبة المواصلات بين إيلات وبقية المناطق أدت إلى تكرار إلغاء الفحوصات والعلاجات أو تأجيلها بشكل مزمن، الأمر الذي انعكس سلباً على المستوى الصحي لسكان المنطقة.
مراقب الدولة متنياهو أنغلمان قال في تعقيبه إن حكومات الاحتلال المتعاقبة اتخذت قرارات لتعزيز إيلات اقتصادياً وسياحياً وصحياً، لكنها لم تنفذها، ما جعل المدينة عرضة للخطر بسبب اعتمادها المطلق على السياحة. وأوضح أن جائحة كورونا كانت مثالاً سابقاً على هشاشة إيلات، لكن خلال حرب على غزة تحولت هذه الهشاشة إلى أزمة وجودية للاقتصاد المحلي. ودعا وزراء السياحة والمالية والزراعة والصحة والاقتصاد إلى معالجة الثغرات بشكل عاجل لتفادي انهيار أعمق في المستقبل.
من جهتها، ردت وزارة الزراعة لدى الاحتلال بالقول إن التقرير يتناول حالة طوارئ غير مسبوقة، مؤكدة أنها واصلت العمل لضمان استمرار الإنتاج رغم إخلاء مناطق مركزية في الجنوب والشمال وتوقف النشاط الزراعي فيها لأسابيع طويلة. وأشارت إلى أنها نجحت في رفع حصة العمال الأجانب في القطاع إلى مستوى قياسي بلغ 70 ألفاً، بعد أن كانت 30 ألفاً فقط، كما وفرت أكثر من ألف ملجأ صغير في المزارع الحدودية. الوزارة اعتبرت أن هذه الخطوات تؤكد التزامها بضمان الأمن الغذائي رغم الظروف الصعبة، وأن التقرير يشكل فرصة لاستخلاص الدروس وتحسين الجاهزية المستقبلية.
ما خلص إليه التقرير يعكس صورة قاتمة عن عجز حكومة الاحتلال في التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية للحرب؛ فالاعتماد المطلق على السياحة جعل من إيلات الحلقة الأضعف التي دفعت الثمن الأكبر، فيما كشف قطاع الزراعة عن ثغرات هيكلية عميقة في التخطيط والجاهزية. ومع استمرار الحرب وتداعياتها، يواجه الاحتلال تحدياً مزدوجاً يتمثل في حماية اقتصاده الداخلي وتفادي انهيارات جديدة في القطاعات الحيوية.