الدوحة - قدس الإخبارية: منذ اللحظة الأولى، سعى بنيامين نتنياهو عبر الضربة في الدوحة إلى رسم صورة جديدة لقيادته في ظل الحرب المستمرة على غزة. الفكرة المعلنة كانت واضحة: لا أحد من قادة حماس في مأمن، حتى في قلب دولة حليفة لواشنطن مثل قطر، التي تُعدّ الوسيط الرئيسي في ملفات التهدئة وصفقات تبادل الأسرى. غير أن ما أراده نتنياهو لم يتحقق، بل انعكس عكسيًا، فحوّل "إنجازًا" دعائيًا إلى مأزق استراتيجي يفاقم عزلة "إسرائيل".
كانت قطر على مدى سنوات طويلة القناة الأساسية التي مرّ عبرها كل تفاوض بين "إسرائيل" وحماس. من وقف إطلاق النار إلى المساعدات المالية والإنسانية، وحتى في القضايا المعقدة مثل ملف الأسرى، لم يكن هناك بديل حقيقي لدورها. لهذا، فإن استهدافها لم يكن مجرد "عملية عسكرية"، بل ضربة مباشرة للوسيط الوحيد القادر على إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة. بعد الضربة، انهار جزء كبير من الثقة التي بنتها الدوحة، وأصبح من الصعب العودة إلى المربع السابق. وبدلًا من تعزيز موقعه في المفاوضات، أضعف نتنياهو أوراقه إلى حد كبير.
النتيجة الأخرى غير المقصودة جاءت في العالم العربي. فبدلًا من أن تُسهم العملية في عزل حماس وإظهارها كتنظيم محاصر، جاءت الردود العربية متلاحقة في اتجاه مختلف تمامًا. الإدانات الصادرة من عواصم عدة أعادت إحياء خطاب "الجبهة العربية المشتركة"، وبرز حتى مصطلح "ناتو عربي" كإطار رمزي يوحي بضرورة بناء تحالف عربي جديد. لقد كسر نتنياهو جدارًا في علاقات "إسرائيل" الإقليمية، لكن ما انفتح خلفه لم يكن طريقًا إلى الردع، بل جبهة سياسية وإعلامية أعرض وأشد صلابة.
في الوقت نفسه، وُضعت الولايات المتحدة في موقف معقد. قطر تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، ما كان يُفترض أن يجعلها تحت حماية المظلة الأمنية الأمريكية. كيف يمكن إذن أن تتعرض لهجوم مباشر دون أن تظهر واشنطن بمظهر العاجزة عن الدفاع عن حليفتها؟ هنا لم يكن الإحراج لقطر وحدها، بل للولايات المتحدة ذاتها. وبذلك أضاف نتنياهو عبئًا جديدًا على العلاقة مع إدارة ترامب، بدل أن يعززها. ظهرت علامات توتر بين الجانبين، إذ بدا أن تل أبيب تتصرف بشكل منفرد، حتى لو كان الثمن تقويض الاستقرار الإقليمي وإرباك الحليف الأهم.
أحد أهداف الضربة كان إيصال رسالة ردع لحماس، مفادها أن القيادة ليست في مأمن حتى خارج غزة. لكن الرسالة التي التقطتها الحركة ومؤيدوها كانت مختلفة تمامًا: إذا كانت "إسرائيل" مضطرة لمطاردة القيادة في الخارج، فهذا يعني أنها لم تنجح في القضاء على البنية القيادية داخل القطاع. بهذا المعنى، تحولت العملية من "عرض قوة" إلى اعتراف غير مباشر بفشل تحقيق الحسم في الميدان.
الخلاصة أن نتنياهو، في سعيه إلى استعراض القوة وتحقيق مكسب سياسي داخلي، زاد من تعقيد الأزمة الإسرائيلية على أكثر من مستوى. دبلوماسيًا، واجهت "إسرائيل" عزلة أوسع بعد أن أغضبت الدولة الوسيطة الأساسية وفتحت الباب أمام خطاب وحدة عربية جديدة. أمنيًا، اهتزت صورة الردع، إذ بدا أن "إسرائيل" تتصرف بدافع يائس أكثر منه بدافع استراتيجي محسوب. سياسيًا، تفاقم الانقسام الداخلي، خصوصًا مع احتجاجات عائلات الأسرى التي رأت في العملية مقامرة بحياة أبنائها. إقليميًا، تصدعت الثقة مع واشنطن التي اضطرت إلى التعامل مع تبعات لم تكن في حسبانها.
في النهاية، لم تُظهر الضربة في الدوحة قوة "إسرائيل" بقدر ما كشفت هشاشتها. نتنياهو أراد أن يبعث برسالة مفادها أن يده طويلة وأن خصومه لن يجدوا ملاذًا، لكن الرسالة التي وصلت إلى المنطقة والعالم كانت مختلفة: "إسرائيل" في مأزق، وقراراتها تعكس ارتباكًا أكثر مما تعكس ثقة بالنفس. لقد أراد رئيس الحكومة أن يستعرض قوته، لكنه أدخل كيانه في أزمة أعمق، جعلت عزلة "إسرائيل" أوضح، ومكانتها أضعف من أي وقت مضى.