شبكة قدس الإخبارية

أمن العقاب فأساء الأدب

بنيامين-نتنياهو
حلمي الأسمر

مشروع أو حلم "إسرائيل الكبرى" ليس مشروعا جديدا، فهو موجود في أدبيات الصهاينة و"صلوات" المتدينين حتى قبل قيام كيانهم المجرم على الأرض الفلسطينية، لكن الوقت لم يحن فيما مضى للبوح صراحة وعلانية عنه إلا حين جرى على لسان رئيس وزراء صهيوني على رأس عمله، ولديه سلطات تنفيذية قادرة على إصدار قرارات بشأن البدء بتنفيذ هذا الحلم.

وهنا المفارقة الكبرى، والنابعة أصلا من كون هذا الرئيس على علاقة "رسمية" علنية أو سرية مع زعماء وقادة دول وبلاد هي جزء، كلها أو بعضها، من حلمه، ولم يمنعه هذا الوضع من البوح بحلمه "المقدس" والجهر به في سياق لحظة يشعر فيها أنه غدا المتحكم الوحيد بمصائر قادة وشعوب "الشرق الأوسط الجديد".

لأنه على يقين كما يبدو من غياب هذا الفعل، ولو في الوقت الراهن على الأقل، فبعض من وجه لهم التهديد لم يزل في مرحلة طلب الإيضاحات، ومزيد من الاستفسارات، وكأن الأمر لم يزل غامضا ويحتاج إلى شرح!

مشروع "إسرائيل الكبرى" ليس مشروعا إسرائيليا بحتا، بل هو جزء من عقيدة دينية لطوائف ضخمة من معتنقي اليهودية الصهيونية والمسيحية المتصهينة، وربما يشايعه ويؤيده عمليا سرا وعلانية بعض من صهاينة العرب، الذين يتحدثون لغتنا ويحملون أسماءنا، ولكنهم صهاينة قلبا وقالبا. وهذا المشروع في الحقيقة أكبر من أن تتم مواجهته فرادى، أو بقرارات منفصلة سريعة لها طابع رد الفعل لا الفعل ذاته، فهو تكثيف شديد لخطط الهيمنة الغربية الكاملة على بلادنا. والتعبير الفظ الخشن عن هذه الخطط المستمرة منذ مائة عام؛ ومواجهة هذا المشروع بالقطاعي غير ممكنة، فالمشروع أكبر من قدرة أي بلد على مواجهته وحيدا، لأنه تعبير خطير عن جهد دولي ضخم بدأ قبل أكثر من قرن، بتفكيك الخلافة العثمانية، وتقسيم بلاد العرب بوصفها غنائم للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية!

باختصار شديد ومخل؛ المشروع الوحيد القادر على سحق حلم نتنياهو ومن ورائه ترامب وبقية عصابة الغرب هو مشروع عودة الخلافة الإسلامية بكامل هيبتها.. وأي كلام خارج هذا الإطار تغميس خارج الصحن.

قد يبدو الكلام حالما وطوباويا، لكن حلم نتنياهو ومن وراءه لا يناجزه إلا حلم أكبر منه، بعد أن فشلت القومية العربية ومشروعاتها السابقة واللاحقة، ليس في مواجهة التوحش الصهيوني فحسب، بل فرشت لعتاة مجرميه السجادة الحمراء وأدخلت قَتَلة العرب إلى غرف نوم حرائرهم، وذبحت بين أيديهم حريات الشعوب وخطط تنميتهم ومستقبل حياتهم، وبددت ثرواتهم أو رهنتها للمستعمرين الجدد، وعبثت بمناهجهم و"نظفتها!" من آيات الجهاد وكل ما يعادي الصهاينة، ومنعتهم حتى من نصرة المقاومة في فلسطين وغزة بالقول؛ فما بالك بالفعل، وهي عمليا خط الدفاع الأول عن الأمة والقادرة على تخريب مخططات العدو في الهيمنة على المنطقة.

لم يكن نتنياهو ليجرؤ على اقتراف ما قال لو كان يحسب حساب أحد ممن أمامه، ولو توقع أن يرى رد فعل عمليا واحدا ساحقا ماحقا لما تجرأ على قول ما قال، ولكنه أمِن العقاب فأساء الأدب. ولا ينفع هنا في حالنا هذا التفلت بالتهديد الكلامي وشتم قليل الأدب وإصدار بيانات التنديد والشجب، ولا حتى بالتفرد بالحلول الجزئية، فالمقصود هو تتويج الحرب الصليبية المعاصرة المستمرة على أمتنا منذ ركل غورو قبل صلاح الدين بعد سقوط دمشق؛ بإعلان قيام إسرائيل الكبرى، متضمنة بالطبع بناء "الهيكل الثالث!" على أنقاض الأقصى الشريف.

كان البطش بغزة اختبارا قاسيا لردة فعل العرب والمسلمين، شرقا وغربا، حتى إذا اطمأن المجرم إلى أن دوائر صنع القرار العربية والإسلامية منشغلة بالهوية الوطنية وخطط تنمية مجتمعاتها بالاستثمار في صناديق السيادة في بنوك ومشروعات الغرب(!) أو "تحصين" أقطارها ضد "فيروسات" المقاومة والمناجزة والرجولة، أطلق بالون اختباره الصاعق، دون أن يرف له جفن!

حين نقول إن الرد على مشروع إسرائيل الكبرى هو العمل على أحياء الخلافة الإسلامية، نحن لا نحلم ولا نكتب شعرا، فغزة هي المقدمة واستهداف مقاومتها بداية الطريق، وخذلان هذه المقاومة دعم مباشر لحلم نتنياهو ومتدينيه وحتى علمانييه، صحيح أن مشروعا كهذا يحتاج إلى ما يشبه الورشة الكبرى، والصعوبات التي تكتنفه أكثر من أن تعد، ولكنه الرد الوحيد الرادع لهم عن المضي في تجريف الشرق وبناء شرق جديد على مقاس أحذيتهم.

الخطوة الأولى باتجاه تصحيح مسار بلادنا اليوم على طريق الألف ميل التصالح مع ما يسمونه الإسلام السياسي، وهذه مجرد خطوة أولى في الطريق الطويل، وللحديث بقية!